الصحيفة الفرنسية: الأسد يطمئن المقربين منه بمساعدة روسية قادمة قبل هروبه
كيف فرّ بشار الأسد من سوريا في اللحظات الأخيرة: تفاصيل هروبه وسط الارتباك العسكري والسياسي وانهيار دعم حلفائه
صحيفة فرنسية: الأسد طمأن مقربيه بمساعدة روسية قادمة قبل أن يفر.تابعت صحيفة “لوبس” الفرنسية بدقة حركة هروب الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد وأنصاره من سوريا، منذ بداية دخول قوات المعارضة المسلحة إلى العاصمة دمشق. هذا التحول المفاجئ في مسار الأحداث كان له تداعيات كبرى على مسار الحرب السورية، كما أنه وضع الأسد في موقف لم يكن في حسبانه حتى اللحظات الأخيرة. كانت الصحيفة قد رصدت مشاهد من الارتباك والخوف التي صاحبت مغادرة الأسد للبلاد، بعد أن فشل في الحصول على دعم عسكري أجنبي كان يأمل فيه، ما أدى في النهاية إلى خروجه الدراماتيكي من الحكم بعد أكثر من 24 عامًا من السلطة.
الأسد في موسكو وتغير المواقف
تشير التقارير الواردة من صحيفة “لوبس” إلى أن بشار الأسد كان في موسكو يوم الخميس 28 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما شنت قوات المعارضة هجومًا مفاجئًا على حلب شمال سوريا. الوضع العسكري في تلك اللحظة كان صعبًا للغاية بالنسبة للأسد وحلفائه. كانت الأخبار الواردة من الكرملين غير مطمئنة، حيث أكد المسؤولون الروس أنه لن تكون هناك أي مساعدات عسكرية قادمة في الوقت القريب. هذا الإعلان كان بمثابة جرس إنذار للأسد، الذي كان يعتمد على المساعدة العسكرية الروسية لضمان استمراره في السلطة. ومع ذلك، استمر الأسد في إخفاء هذه الحقيقة عن أقرب مقربيه، وطمأنهم بأن الدعم الروسي قادم.
كانت موسكو، في تلك الفترة، تدير حساباتها الخاصة في سوريا. رغم أنها كانت تدعم الأسد بشكل مستمر طوال سنوات الحرب، إلا أن دعمها كان مشروطًا بتطورات أخرى على الأرض. لم يكن الكرملين مستعدًا للمجازفة بتصعيد أكبر في حال كانت الأمور ستسير نحو هزيمة حتمية للأسد، وهو ما انعكس في رفضهم تقديم دعم عسكري إضافي في تلك اللحظات الحرجة.
تخوفات إيران ومؤشرات الهزيمة
في الثاني من ديسمبر/كانون الأول، استقبل الأسد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في دمشق. هذا اللقاء كان حاسمًا، حيث كان الأسد في حالة من الاضطراب الشديد بسبب تدهور الوضع العسكري على الأرض. ويبدو أن الأسد قد أدرك أن فرصه في البقاء في السلطة أصبحت ضئيلة للغاية. وأثناء اللقاء، أبدى الأسد استياءً كبيرًا وأكد لعراقجي أن جيشه أصبح أضعف من أن يخوض مقاومة فعالة ضد المعارضة. كان الأمر محيرًا للغاية بالنسبة للأسد، إذ كانت إيران قد دعمت نظامه بشكل كبير خلال سنوات الحرب، إلا أن التهديدات المتزايدة من إسرائيل والمجتمع الدولي كانت تضعه في موقف صعب.
إيران، التي كانت تشعر أيضًا بالقلق من احتمال تدخل إسرائيل عسكريًا في سوريا تحت ذريعة استهداف القوات الإيرانية، أصبحت أكثر حرصًا على حماية مصالحها الخاصة في المنطقة. كان الوضع بالنسبة للأسد قاتمًا، وتراجع الدعم الإيراني كان أحد المؤشرات على أن بقائه في السلطة قد أصبح غير قابل للاستمرار في المستقبل المنظور.
الخطة البديلة للأسد: محاولة الهروب إلى الإمارات
في ظل هذه الظروف الصعبة، قرر الأسد البحث عن ملاذ آمن خارج البلاد. وفقًا لمصادر متعددة داخل دائرته المقربة، كان الأسد يخطط للذهاب إلى الإمارات، وهي الدولة التي كانت قد أقامت علاقات مع نظامه في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الخطط، فإن الإماراتيين رفضوا استقبال الأسد. هذه الخطوة كانت بمثابة صدمة للأسد، الذي أدرك أن الحلفاء التقليديين بدأوا في الابتعاد عنه مع تقدم قوات المعارضة.
طلب لافروف لضمانات من تركيا وقطر
في خطوة غير معتادة، طلب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من تركيا وقطر ضمانات لرحيل الأسد الآمن إلى روسيا. هذه الدعوة كانت تعبيرًا عن الخوف الروسي من أن الوضع في سوريا قد يخرج عن السيطرة بشكل كامل. كان لافروف يسعى لضمان أمن الأسد أثناء مغادرته البلاد، حيث كانت هناك ضغوط كبيرة عليه من مختلف الأطراف لتأمين هروبه بأمان.
الاجتماع العسكري الحاسم: الكذب على القادة
في السابع من ديسمبر/كانون الأول، عقد الأسد اجتماعًا مع نحو 30 من قادة الجيش السوري في وزارة الدفاع. وفقًا للتقارير، كان الاجتماع محوريًا في تحديد مصير الأسد، حيث أخبرهم أن الدعم العسكري الروسي قادم قريبًا. هذه الكلمات كانت بمثابة محاولة لتخفيف الخوف والقلق في صفوف القادة العسكريين، الذين كانوا يدركون أن النظام السوري يواجه نهايته في حال لم يتلقَّ دعمًا قويًا في تلك اللحظات. لكن الأسد كان يكذب عليهم، حيث كان يعلم في قرارة نفسه أن الدعم الروسي المنتظر لن يصل في الوقت المناسب.
في الوقت نفسه، كانت هناك أزمة داخل الأسرة الحاكمة. لم يخبر الأسد شقيقه الأصغر ماهر بخططه للفرار من البلاد، ما دفع ماهر للهرب في وقت لاحق على متن طائرة هليكوبتر إلى العراق. من هناك، تم نقله إلى روسيا، وهي الوجهة التي كانت قد تم تحديدها مسبقًا.
محاولة الفرار الفاشلة لإيهاب وإياد مخلوف
بعد سقوط دمشق في أيدي المعارضة، كانت حالة من الفوضى قد سادت المدينة. حاول أبناء خال الأسد، إيهاب وإياد مخلوف، الفرار إلى لبنان، إلا أن محاولتهم باءت بالفشل. تعرض الرجلان لكمين نصبه مقاتلو المعارضة على الطريق بين دمشق ولبنان، ما أسفر عن إصابة إياد، بينما نجا إيهاب بأعجوبة. كانت هذه الحادثة بمثابة نقطة فارقة في سقوط نظام الأسد، حيث أظهرت حجم الضعف والانهيار الذي أصاب النظام في تلك اللحظات.
اللحظات الأخيرة قبل الهروب
في نفس اليوم الذي حاول فيه مخلوف الهروب، تواصل الأسد مع مستشارته السياسية بثينة شعبان في محاولة لتنظيم آخر خطاب له. طلب منها إعداد خطابٍ مهم سيقدمه إلى اللجنة السياسية التي كانت ستجتمع في اليوم التالي. لكنه في العاشرة مساءً توقف عن الرد على المكالمات الهاتفية، ما أثار تساؤلات حول ما كان يحدث بالفعل في القصر الرئاسي.
الاختفاء المفاجئ للأسد
بعد منتصف الليل، أبلغ ضابط مخابرات رئاسي كامل صقر، مدير الإعلام في الرئاسة، أن “الجميع قد غادروا المبنى”. وصف صقر هذا المشهد بالصدمة، حيث كان القصر شبه فارغ، الأمر الذي أكد له أن الوضع قد وصل إلى مرحلة من الارتباك الشديد. عندما وصل إلى ساحة الأمويين في دمشق، كان هناك العديد من الجنود الهاربين. كانوا يفرون من المجمع الأمني ووزارة الدفاع والأفرع الأمنية الأخرى، وكان هذا المشهد يعكس حالة الفوضى التي كانت تسود العاصمة في تلك اللحظات.
آخر مكالمة مع الجلالي
محمد الجلالي، آخر رئيس وزراء للأسد، تحدث مع الأسد في الساعة العاشرة والنصف من مساء السبت. خلال المكالمة، أخبره الجلالي بمدى صعوبة الوضع الأمني في سوريا، وخصوصًا في المناطق الواقعة بين حمص واللاذقية. وأشار إلى أن هناك حالة من الرعب والذعر في الشوارع. كان آخر ما قاله الأسد للجلالي “سنرى غدًا”، ليغلق الهاتف بعدها.
الهروب إلى موسكو: نهاية حكم الأسد
في اليوم التالي، اختفى بشار الأسد عن الأنظار. لم يعد هناك أي أمل في استئناف المحادثات معه. في ساعات متأخرة من اليوم، استقل طائرة مجهولة الهوية، وتم نقله إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية في اللاذقية. ومن هناك، تم نقله إلى موسكو، لينهي حكمه الذي دام 24 عامًا. كما انتهت بذلك هيمنة عائلة الأسد على سوريا، التي استمرت لأكثر من نصف قرن.
هذا الهروب الدراماتيكي كان نهاية لحكم الأسد، ورغم محاولات النظام المستميتة للبقاء، فإن القوى العسكرية والسياسية داخل سوريا والعالم الخارجي كانت قد أدركت أنه لم يعد بمقدور الأسد أن يعيد بناء نظامه في مواجهة الانتفاضة الشعبية والضغوط العسكرية.
اقرأ كذلك :ما الذي قاله الأسد عن تركيا لإيران في أيامه الأخيرة بالسلطة؟