ما الذي دفع أوكرانيا مجددًا لاستهداف مصافي النفط الروسية؟
"أوكرانيا وتصعيد الهجمات على مصافي النفط الروسية: الأبعاد العسكرية والاقتصادية والسياسية"

لماذا عادت أوكرانيا لاستهداف مصافي النفط الروسية؟
خلال الأسابيع القليلة الماضية عادت مصافي النفط ومحطات الغاز الروسية لتصبح هدفاً رئيسياً للمسيرات الأوكرانية.
وقد شملت الضربات مناطق واسعة داخل روسيا امتدت من المقاطعات الحدودية مع أوكرانيا حتى المناطق البعيدة عنها.
هذا التصعيد العسكري شكل تطوراً لافتاً في مسار الحرب المستمرة بين موسكو وكييف منذ فبراير 2022.
تؤكد البيانات الأوكرانية أن هذه الضربات لها دوافع استراتيجية.
لكن مراقبين آخرين يربطونها بأبعاد أوسع تشمل الاقتصاد والسياسة.
وبالتالي فإن التساؤل الرئيسي المطروح هو: لماذا عادت أوكرانيا لاستهداف مصافي النفط الروسية؟
تركيز الضربات على مقاطعة فولغوغراد
ركزت الطائرات المسيرة الأوكرانية ضرباتها المتكررة على مقاطعة فولغوغراد.
وكانت إحدى أهم المحطات المستهدفة تابعة لشركة “لوك أويل”.
وتعد هذه المحطة من أكبر عشر محطات لتكرير النفط في روسيا.
ومن الواضح أن استهدافها يوجه ضربة قوية للبنية التحتية الطاقوية الروسية.
هجمات على إقليم كراسنودار ومناطق أخرى
لم تقتصر الضربات على فولغوغراد بل امتدت إلى إقليم كراسنودار.
هناك استهدفت المسيرات مصافي “أفيبسكي” و”إيليا” و”نوفوكويبيشيفسك” و”سيزران”.
كما طالت الهجمات مقاطعات أخرى مثل ساراتوف وتفير وتامبوف وريازان وبريانسك.
بالإضافة إلى ذلك استهدفت كييف محطة لمعالجة الغاز الطبيعي في أستراخان.
وتشير هذه التوسعات إلى استراتيجية أوكرانية تهدف لتشتيت الدفاعات الروسية.
كما تبرز رغبة كييف في إحداث أضرار شاملة بشبكة الطاقة الروسية.
وبالتالي فإن موسكو تجد نفسها أمام تحديات متكررة على جبهات متعددة.
ضرب خطوط نقل النفط والغاز
شملت الهجمات الأوكرانية خطوط نقل النفط والغاز داخل الأراضي الروسية.
كما استهدفت المسيرات محطات قطارات وصهاريج شحن وقود ومحطات ضخ استراتيجية.
وحتى داخل الأراضي التي تسيطر عليها موسكو مثل لوغانسك والقرم تم تنفيذ هجمات نوعية.
ففي القرم مثلاً قصفت كييف محطة “جانكوي” ومصفاة قرب فيودوسيا.
هذه الضربات أجبرت خط “دروجبا” الروسي على التوقف مؤقتاً.
ويعتبر هذا الخط أحد أهم مسارات تصدير النفط والغاز من روسيا إلى أوروبا.
وقد جاء التوقف بعد تدمير محطة الضخ “نيكولسكو” في تامبوف.
وأكدت هيئة أركان القوات الأوكرانية مسؤوليتها عن العملية.
التبريرات الأوكرانية وأبعاد أخرى
بحسب هيئة الأركان الأوكرانية فإن هذه الضربات مبررة.
إذ تؤكد البيانات الرسمية أن المصافي تزود الجيش الروسي بالوقود اللازم للحرب.
لكن هناك من يرى أن للأمر أبعاداً اقتصادية وسياسية لا تقل أهمية.
ومن هنا تبرز جدلية جديدة حول أهداف أوكرانيا الحقيقية.
رأي الخبير العسكري أوليغ جدانوف
الخبير العسكري والعقيد في الاحتياط أوليغ جدانوف يرى تفسيراً مختلفاً.
فهو يعتبر أن الضربات تخلق مشكلات إمداد تحد من قدرة الجيش الروسي.
ويرى أنها تؤثر على التخطيط العسكري لعمليات موسكو الصيفية.
وبالتالي فإن أوكرانيا تسعى إلى إضعاف القدرة الهجومية الروسية.
أزمة وقود في المناطق الروسية
أما الخبير إيهور تيشكيفيتش من “المعهد الأوكراني للمستقبل” فقد ركز على البعد الداخلي.
إذ أشار إلى أن الضربات خلقت أزمة وقود حادة في المقاطعات المستهدفة.
وأوضح أن طوابير طويلة من المركبات اصطفت أمام محطات فارغة.
وبذلك تسببت أوكرانيا بضغط اجتماعي داخل روسيا نفسها.
تأثير الضربات على الصادرات الروسية
أوضح تيشكيفيتش أن الضربات تقلل فرص روسيا في تصدير النفط والغاز.
وأشار إلى أن دولاً مثل المجر وسلوفاكيا شعرت فعلاً بتراجع الإمدادات.
كما يتوقع أن تمتد الآثار إلى بيلاروسيا الحليفة لموسكو.
وتشير تقديرات الخبراء إلى أن خسائر روسيا بلغت بين 25% و30% من صادراتها.
ومن المرجح أن تتمكن موسكو من إصلاح بعض المصافي وخطوط النقل.
لكن العملية ستستغرق وقتاً طويلاً.
وقد يتراجع حجم الخسائر السنوية إلى حدود 10% أو 11%.
ورغم ذلك تبقى النسبة مرتفعة جداً قياساً بالعوائد الضخمة لقطاع الطاقة الروسي.
تصريحات زيلينسكي والتوافق مع ترامب
لم تكتف كييف بهذه العمليات بل لمح الرئيس الأوكراني لمزيد من الهجمات.
وأشار فولوديمير زيلينسكي إلى توافقه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وأكد أن أوكرانيا لم تُمنح فرصة للنصر في عهد بايدن.
وصرح بأن الدفاع الجيد وحده لا يكفي من دون هجوم.
تصريحات ترامب شكلت تحولاً في موقفه السابق.
كما تزامنت مع إعلان أوكرانيا قرب الانتهاء من تصنيع صواريخ باليستية محلية.
وهذا التطور يزيد من قدرات كييف الهجومية على المدى المتوسط.
إنتاج صواريخ جديدة بعيدة المدى
أعلنت شركة “فاير بوينت” الدفاعية إنتاج صاروخ “فلامينغو” بعيد المدى.
ويصل مدى هذا الصاروخ إلى ثلاثة آلاف كيلومتر.
أما رأسه الحربي فيزن حوالي 1150 كيلوغراماً.
وأوضحت الشركة أن الإنتاج بدأ فعلياً وسيزداد تدريجياً.
وقالت الرئيسة التنفيذية إيرينا تيريخ إن القدرة الحالية صاروخ واحد يومياً.
لكن الرقم سيرتفع إلى سبعة صواريخ يومياً بحلول نهاية 2025.
هذا التطور يعزز قدرات كييف في مواجهة روسيا بشكل مباشر.
جهود دبلوماسية متزامنة
يأتي هذا التصعيد في ظل محاولات أميركية لعقد قمة سلام.
الهدف هو جمع زيلينسكي وبوتين على طاولة تفاوض واحدة.
لكن الواقع الميداني يشير إلى عكس ذلك تماماً.
فكل طرف يسعى لاكتساب أكبر قدر من أوراق الضغط قبل التفاوض.
رأي الباحثة أوليسا ياخنو
تقول أستاذة العلوم السياسية أوليسا ياخنو إن أوكرانيا تقصف المصافي بينما يحاول الروس التقدم.
وترى أن الطرفين يريدان دخول أي مفاوضات بأوراق قوة إضافية.
وبذلك يصبح التوازن بين المطالب والتنازلات أكثر تعقيداً.
الرد الروسي المكثف
لم تتأخر موسكو في الرد على الهجمات الأوكرانية.
إذ استهدفت روسيا قدرات كييف النفطية بصواريخ ومسيرات بشكل مضاعف.
وشملت الهجمات منطقة كريمينتشوك في مقاطعة بولتافا وسط البلاد.
كما استهدفت مخازن ضخمة لشركة “سوكار” الأذربيجانية في أوديسا.
إضافة إلى ذلك قصفت موسكو خطوط السكك الحديدية في خاركيف ودونيتسك وزاباروجيا.
وكان الهدف إعاقة الإمدادات العسكرية الأوكرانية.
ويؤكد الخبراء أن هذا الرد يعكس تصميم روسيا على إيلام كييف.
تحليل ختامي
يرى الخبير جدانوف أن الحرب تمر بمرحلة حساسة للغاية.
فكل طرف يحاول إلحاق أكبر قدر من الأذى بالآخر.
والفوز سيكون من نصيب الطرف الأكثر صموداً على المدى الطويل.
كما يشير إلى أن بنك الأهداف الأوكرانية داخل روسيا واسع جداً.
لكنه يحذر من أن الرد الروسي قد يشمل المدنيين والبنية التحتية الحيوية.
خصوصاً أن موسكو سبق أن استهدفت محطات الطاقة الأوكرانية خلال العامين الماضيين.
تجدد استهداف أوكرانيا لمصافي النفط الروسية يعكس استراتيجية متعددة الأبعاد.
فهي تهدف لإضعاف الجيش الروسي عسكرياً وإحداث أزمة وقود داخلياً.
كما تسعى لتقويض صادرات موسكو النفطية والغازية.
وفي المقابل ترد روسيا بقوة مضاعفة على الأراضي الأوكرانية.
وفي ضوء هذه المعطيات يبقى المشهد مفتوحاً على مزيد من التصعيد.
لكن المؤكد أن ملف الطاقة أصبح سلاحاً رئيسياً في هذه الحرب.
وبذلك فإن سؤال “لماذا عادت أوكرانيا لاستهداف مصافي النفط الروسية؟” سيظل محورياً.
خاصة مع ارتباطه بمستقبل الحرب والسلام وأيضاً بنتائج السيو (السيو) في متابعة التطورات.
اقرأ كذالك:توسع روسي داخل أوكرانيا وتقلص فرص اجتماع بوتين مع زيلينسكي