غسان الدهيني: القائد الجديد لمليشيا “القوات الشعبية”… صعود لافت وسط فوضى غزة
قصة صعود غسان الدهيني وتحول مليشيا أبو شباب بعد مقتل قائدها
يشهد قطاع غزة تحولات معقدة منذ أشهر. ولذلك تتغير التحالفات على الأرض بشكل سريع. ومع كل حدث كبير يظهر اسم جديد يثير الأسئلة. وهكذا برز اسم غسان الدهيني بقوة بعد مقتل ياسر أبو شباب قائد مليشيا “القوات الشعبية” المتعاونة مع إسرائيل. ولأن المشهد في غزة مشحون بالتوترات السياسية والأمنية. ولأن كل تفصيل يتحول إلى عنوان كبير. فقد أصبح الدهيني فجأة في قلب الاهتمام.
ومع أن ظهوره لم يكن جديدًا بالكامل. إلا أن التحول الذي جرى بعد حادثة مقتل أبو شباب جعل من الدهيني شخصية محورية. ولذلك يتساءل الكثيرون عن خلفيته. وعن أسباب صعوده. وعن علاقته بإسرائيل وبحركة حماس. إضافة إلى دور المليشيا التي يقودها الآن.
وفي هذا التقرير التحليلي الطويل سنعيد بناء الصورة. وسنشرح القصة من بدايتها. وسنقدم كل التفاصيل التي تساعد القارئ على فهم من هو الرجل. وكيف وصل إلى هذا الموقع. ولماذا تتعامل معه أطراف كثيرة باعتباره عنصرًا مؤثرًا في المعادلة الأمنية داخل قطاع غزة.
من هو غسان الدهيني؟
تشير وسائل إعلام فلسطينية إلى أن غسان الدهيني البالغ من العمر 39 عامًا كان يمارس دور القائد الفعلي لمليشيا “القوات الشعبية” منذ فترة طويلة. ولذلك بقي اسمه بعيدًا عن الواجهة رغم ظهوره أحيانًا في بعض التسجيلات. ومع أن ياسر أبو شباب كان يُقدَّم رسميًا باعتباره الزعيم الأول. إلا أن مصادر عديدة أكدت أن الدهيني كان المسؤول عن التخطيط. إضافة إلى إدارة العمليات الميدانية داخل رفح والمناطق القريبة من مواقع الجيش الإسرائيلي.
وقد وُلد الدهيني في 3 أكتوبر/تشرين الأول 1987 داخل مدينة رفح جنوب القطاع. وينتمي إلى قبيلة الترابين. وهي واحدة من أكبر القبائل البدوية في فلسطين. ولذلك حصل على شبكة دعم اجتماعية قوية سهلت له بناء علاقات واسعة داخل محيطه.
وبالإضافة إلى ذلك خدم الدهيني سابقًا في أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية برتبة ملازم أول. ثم التحق فيما بعد بـ”جيش الإسلام”. وهو فصيل مسلح في غزة يتبنى فكرًا قريبًا من توجهات تنظيم الدولة. ولذلك اكتسب خبرة عسكرية. كما توسعت علاقاته داخل الفصائل المسلحة بشكل ملحوظ.
ومع مرور الوقت أصبح يتمتع بخبرة عملياتية كبيرة. ولذلك التفتت إليه مجموعات عديدة داخل المنطقة الحدودية. وهكذا أصبح الرجل الأكثر تأثيرًا داخل جماعة أبو شباب حتى قبل مقتل قائدها.
هل أصبح غسان الدهيني الزعيم الرسمي للمليشيا؟
بعد ساعات قليلة من مقتل ياسر أبو شباب. أعلنت مليشيا “القوات الشعبية” عبر صفحتها الرسمية في فيسبوك تعيين غسان الدهيني قائدًا جديدًا للمليشيا. ولذلك ظهر الرجل بشكل لافت في فيديو ترويجي وهو يرتدي زيًا عسكريًا. كما يقف بين مقاتلين ملثمين يستعرضون قوتهم.
وأكد الدهيني في مقابلة مع القناة الإسرائيلية 12 أنه لا يخشى حركة حماس. بل قال بشكل مباشر:
“لماذا أخشى حماس وأنا أحاربها؟ أعتقل عناصرها وأصادر معداتها باسم الشعب والأحرار.”
وهذا التصريح أثار ردود فعل واسعة. لأنه كشف جانبًا من دوره الأمني. إضافة إلى تنفيذ عمليات ضد عناصر حماس داخل الأنفاق والمناطق الحدودية.
كما قالت المليشيا إن الفيديو الذي نشرته بعد مقتل أبو شباب يهدف لإظهار أن الجماعة لا تزال تعمل. ولذلك أكد الدهيني أن غياب أبو شباب مؤلم لكنه لن يوقف الحرب على ما سماه الإرهاب.
وبهذا الإعلان أصبح الدهيني الزعيم الجديد رسميًا. ولذلك تحولت الأنظار مباشرة نحو دوره وخلفيته وتاريخه.
العلاقة المتوترة مع حركة حماس
تتهم حركة حماس غسان الدهيني بأنه أحد أبرز المطلوبين لها. وتقول إنه تعاون مع إسرائيل. كما تتهمه بجمع معلومات استخبارية حول الأنفاق والمواقع العسكرية داخل غزة. ولذلك حاولت الحركة اغتياله مرتين على الأقل.
وفي إحدى تلك المحاولات قُتل شقيقه خلال عملية استهدفت مجموعة كان يتواجد فيها. بينما نجا الدهيني من انفجار منزل مفخخ شرق رفح “بمحض الصدفة” وفق مصدر داخل حماس.
وخلال الأشهر الأخيرة ظهر الدهيني في تسجيلات عديدة. حيث ظهر عناصر “القوات الشعبية” وهم يعتقلون أفرادًا من حماس داخل أحد الأنفاق. كما ظهر في صور بجانب جثث قيل إنها تعود لمقاتلين من الحركة تمت تصفيتهم خلال اشتباكات.
ومن ناحية أخرى تؤكد حماس أن الدهيني مارس دورًا كبيرًا في نقل معلومات حساسة إلى أجهزة أمن إسرائيلية. ولذلك أصبح هدفًا عملياتيًا لها خلال الحرب الأخيرة.
ما هي مليشيا “القوات الشعبية”؟
ظهرت مليشيا “القوات الشعبية” لأول مرة عام 2024 بقيادة ياسر أبو شباب. وتضم ما بين 100 إلى 300 مقاتل. وتعمل على مسافة قريبة جدًا من المواقع العسكرية الإسرائيلية شرق رفح. ولذلك تتحرك تحت إشراف مباشر من الجيش الإسرائيلي وفق تقارير متعددة.
وتتخذ المليشيا من منطقة قريبة من معبر كارم أبو سالم مقرًا لها. وهو المعبر الوحيد الذي تسمح إسرائيل بدخول المساعدات الإنسانية عبره.
كما تملك المليشيا وحدة ثانية قرب نقطة توزيع المساعدات الأميركية الإسرائيلية التابعة لمؤسسة “غزة الإنسانية”. وهي المنطقة التي شهدت إطلاق نار كثيف على المدنيين خلال محاولتهم الحصول على مساعدات غذائية.
وبعد مقتل أبو شباب. قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن عشرات المسلحين الذين كانوا ينتمون للمليشيات المدعومة من إسرائيل بدأوا بتسليم أنفسهم لأجهزة أمن حماس. وركزت عمليات التسليم على رفح وخان يونس. حيث تنشط أكبر المجموعات المسلحة التي تلقت دعمًا مباشرًا من الاحتلال.
من زوّد مليشيا أبو شباب بالسلاح؟
أكدت مصادر أمنية للجزيرة أن الجيش الإسرائيلي هو الجهة التي أشرفت على تسليح المليشيا. ولذلك تم تزويدها بأسلحة خفيفة ومراقبة بشكل صارم.
كما ذكرت صحيفة معاريف أن جهاز الشين بيت هو الذي جند مجموعة أبو شباب ضمن مشروع تجريبي. حيث نصح رئيس الشين بيت رونين بار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتجنيد هذه المجموعة. وذلك بهدف اختبار إنشاء “نواة حكم بديلة” في رفح.
ولكن مسؤولين أمنيين إسرائيليين آخرين اعتبروا المليشيا غير صالحة لتكون قيادة بديلة لحماس.
وفي نهاية 2024 أدرجت الأمم المتحدة اسم أبو شباب ضمن مذكرة داخلية. وذلك بسبب دوره في عمليات نهب المساعدات الإنسانية داخل غزة.
كما أظهرت تقارير عديدة أن المليشيا استغلت الأزمة الإنسانية لجمع الأموال وتوسيع نفوذها. وبالتالي تحولت تدريجيًا إلى قوة محلية متحالفة مع إسرائيل.
تحولات بعد مقتل أبو شباب
منذ مقتل أبو شباب تغيرت المعادلة الميدانية. وبدأت بعض المجموعات التي كانت تعمل تحت قيادته بالانهيار. ولذلك ازداد الضغط على الدهيني.
ومع أن تعيينه قائدًا جديدًا أعطاه مكانة أعلى. إلا أن مسؤوليته اليوم أكبر. لأن المليشيا تواجه ضغطًا من حماس. إضافة إلى صراع داخلي بعد تراجع ثقة بعض العناصر.
كما تشير التقارير إلى أن أجهزة أمن إسرائيل تحاول إعادة بناء خطوط الاتصال معه. ولكن الوضع داخل رفح يزداد تعقيدًا. ولذلك يبقى مستقبل الدهيني غامضًا رغم صعوده السريع.
إن قصة غسان الدهيني ليست مجرد صعود رجل واحد. بل هي تعبير عن مرحلة شديدة التعقيد. ولذلك يمثل الدهيني امتدادًا لتحولات عديدة داخل القطاع. ومع أنه أصبح قائدًا لمليشيا صغيرة. إلا أن تأثيراته تتجاوز حجم هذه القوة. لأن علاقته بإسرائيل. وعداءه مع حماس. وخبرته العسكرية. جعلت منه طرفًا حساسًا في مشهد مضطرب.
ومع استمرار الحرب وتزايد الضغوط الأمنية. يبقى السؤال الأهم:
هل يستطيع الدهيني الحفاظ على نفوذه؟ أم أن مقتل أبو شباب كان بداية النهاية للمليشيا؟
حتى الآن لا توجد إجابة واضحة. ولكن المؤكد أن اسمه سيبقى حاضرًا في المشهد خلال الفترة المقبلة.
اقرأ كذلك: من قتل ياسر أبو شباب؟.. ثلاث فرضيات تهز المشهد الغزي