العالم

هل تشهد العلاقات التركية الأميركية تصاعدًا بسبب “قسد” في سوريا؟

التوترات التركية الأميركية حول دعم "قسد" في سوريا: تحديات استراتيجية وتأثيرات أمنية على العلاقات بين البلدين في ظل المصالح الإقليمية والدولية المتناقضة

التوترات بين تركيا والولايات المتحدة حول “قسد” في سوريا واشنطن– أنقرة– مع اكتمال فصول إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا. تواجه تركيا والولايات المتحدة استحقاقات سياسية وأمنية معقدة في مناطق شرق الفرات. هناك، تتمركز قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي لطالما كانت محور الخلاف بين أنقرة وواشنطن. في هذا السياق، يعكس الصراع على هذه المنطقة الحدودية بين تركيا وسوريا. دور القوى الكبرى في المنطقة وأهدافها الاستراتيجية، ما يجعل الموقف بين البلدين أكثر تعقيدًا.

التوترات السياسية بين تركيا والولايات المتحدة

تعتبر تركيا أن قوات سوريا الديمقراطية تهدد أمنها القومي، وهي امتداد لحزب العمال الكردستاني. الذي يخوض صراعًا مسلحًا ضد تركيا منذ أكثر من 40 عامًا. في هذا الإطار، ترى أنقرة أن وجود هذه القوات في شمال سوريا يمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها. خصوصًا مع تزايد نفوذ هذه القوات في منطقة الشرق الأوسط.

من جهة أخرى، تعد الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية حليفًا أساسيًا في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). حيث لعبت “قسد” دورًا مهمًا في محاربة التنظيم الإرهابي على الأرض. خاصة في المناطق التي كانت تعد معاقل مهمة له في شمال سوريا. هذا التباين في المصالح بين الدولتين يعقد الوضع ويزيد من تعقيد العلاقات الثنائية بينهما.

الموقف التركي الصارم

منذ بداية النزاع في سوريا، تحرص تركيا على ضمان أمن حدودها الجنوبية من خلال منع أي وجود عسكري كردي في المناطق القريبة منها. في هذا السياق، صعّدت تركيا لهجتها تجاه القوات الكردية في سوريا بشكل لافت. في الأسبوع الماضي، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده “ستسحق المنظمات الإرهابية في أقرب وقت ممكن”. هذا التصريح يبرز عزم تركيا على استخدام القوة العسكرية ضد القوات الكردية في سوريا إذا استمر وجودها في المناطق القريبة من حدودها.

في السياق ذاته، شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في مقابلة تلفزيونية، على أن الهدف الاستراتيجي لتركيا يتمثل في القضاء على وجود وحدات حماية الشعب الكردية. وصف فيدان الوضع بـ”الوجودي” بالنسبة لتركيا، معتبرًا أن استمرار وجود هذه القوات يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي التركي. وأشار إلى أن تركيا مستعدة لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحل هذه الأزمة، إما عبر الحل السياسي أو من خلال الخيار العسكري إذا لزم الأمر.

الضغط الأميركي على تركيا

في المقابل، تسعى الولايات المتحدة إلى الحفاظ على دور قوات سوريا الديمقراطية كحليف رئيسي في محاربة تنظيم داعش. في تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال جولته في المنطقة، أكد أن الدور الذي تلعبه “قسد” في محاربة تنظيم داعش “حيوي” لاستقرار سوريا بعد سنوات من الصراع مع التنظيم. يرى بلينكن أن أي هجوم على هذه القوات قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة ويعيد التنظيمات الإرهابية إلى الواجهة.

السيناريوهات المستقبلية

السيناريوهات التي تفرضها المصالح الإقليمية والدولية تزداد تعقيدًا. تسعى كل من تركيا والولايات المتحدة للحفاظ على توازن علاقاتهما رغم الخلافات حول مصير القوات الكردية ومستقبل النفوذ في سوريا. وفي هذا السياق، يرى الباحث السياسي أحمد أوزغور أن تركيا لا تراهن على المحادثات الحالية مع الإدارة الأميركية، بل تنتظر تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب السلطة. ولفت إلى أن تصريحات ترامب السابقة التي قال فيها: “هذه ليست معركتنا في سوريا”، تشير إلى تراجع محتمل في دعم واشنطن للقوات الكردية في المستقبل.

ضعف الموقف الكردي في ظل التحولات الإقليمية

أوضح أوزغور في حديثه للجزيرة نت أن قوات سوريا الديمقراطية أصبحت في موقف ضعيف بعد التغيرات الإقليمية الأخيرة، مستشهدًا بالاتفاق الذي أُبرم بين تركيا والولايات المتحدة، والذي ضمنت بموجبه تركيا انسحاب قسد من مدينة منبج شمال شرقي حلب. يشير أوزغور إلى أن تركيا، برغم كافة الضغوطات الأميركية، لن تضحي بأمنها القومي من أجل الحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة، وأن أنقرة لن تقبل ببقاء حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا كقوة دائمة.

دور تركيا في إعادة رسم ملامح النفوذ الإقليمي

من جهة أخرى، يرى أوزغور أن تركيا تمتلك أوراق ضغط قوية في هذه المرحلة. سقوط النظام السوري قد وضع تركيا في موقع أكبر الرابحين إقليميًا، ما جعلها في موقع متميز يسمح لها بالتفاهم مع القيادة السورية الجديدة لفرض كلمتها في مواجهة القوى الأخرى. ويضيف أن تركيا قد تتمكن من إقناع الولايات المتحدة بقدرتها على السيطرة على المنطقة وعدم السماح بعودة تنظيم داعش إليها.

الخيارات العسكرية التركية

في حال أصرت قوات قسد على البقاء في المناطق التي تعتبرها تركيا تهديدًا، يتوقع أوزغور أن تلجأ أنقرة إلى الخيار العسكري. ويشير إلى أن تركيا قد تستعين بقوات هيئة تحرير الشام لتنفيذ عملية عسكرية محكمة تستهدف تأمين مصالحها وحماية حدودها من أي تهديدات محتملة. هذا الخيار قد يؤدي إلى تصعيد أكبر في المنطقة، خاصة مع التوترات المتزايدة بين تركيا والولايات المتحدة.

التعاون بين تركيا والولايات المتحدة

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار السفير فريدريك هوف، البروفيسور في جامعة بارد بولاية نيويورك والخبير بالمجلس الأطلسي بواشنطن، إلى أن “التوترات بين تركيا والولايات المتحدة حول سوريا تتعلق بمليشيا ذات أغلبية كردية تساعد الولايات المتحدة في قمع داعش”. ورأى أن هذه التوترات يمكن أن تُدار إذا تعاونت تركيا والولايات المتحدة من أجل نشوء نظام حكم جديد في سوريا يكون مناسبًا وشاملًا وشرعيًا.

التحديات المستمرة في سوريا

رغم إمكانية التعاون بين أنقرة وواشنطن، يعتقد هوف أن الوضع في سوريا سيستمر في تشكيل تحديات كبيرة لتركيا. لن يكون من السهل إدارة الانتقال في بلد عانى طويلًا من الحرب. تشير تصريحات هوف إلى أن استقرار سوريا يتطلب حلًا سياسيًا شاملًا يضمن مصالح جميع الأطراف، بما في ذلك تركيا والولايات المتحدة.

مخاوف المشرعين الأميركيين

من جهة أخرى، أعرب بعض المشرعين الأميركيين عن مخاوفهم من احتمال توسيع نطاق الهجمات التركية على القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة. طالبوا الحكومة الأميركية بالعمل على تحجيم النفوذ التركي داخل سوريا في مرحلة ما بعد الأسد. ومن بين هؤلاء، قال السيناتور الجمهوري ماركواين مولين، من ولاية أوكلاهوما، إنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة ينبغي أن تحدد مصير قوات المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد.

مصلحة الأمن القومي الأميركي

في هذا السياق، يرى مولين أن مصلحة الأمن القومي لأميركا تتطلب منع تركيا من القضاء على القوات الكردية. وقد أشار إلى أن القوات الكردية تحتجز أكثر من 10 آلاف مقاتل من تنظيم داعش في معسكرات شرقي سوريا، ما يجعل استمرار دعمها أمرًا ضروريًا في مواجهة خطر عودة التنظيم الإرهابي.

التحديات المستقبلية

التحديات التي تواجه تركيا والولايات المتحدة في سوريا تعكس صراعًا معقدًا على النفوذ والسيطرة في منطقة تعتبرها الدولتان ذات أهمية استراتيجية. تركيا تسعى لحماية أمنها القومي من تهديدات حقيقية تتعلق بوجود حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا. بينما الولايات المتحدة تعتبر القوات الكردية حليفًا أساسيًا في حربها ضد تنظيم داعش.

الأسابيع والأشهر المقبلة ستكشف ما إذا كانت تركيا ستنجح في تحقيق أهدافها الاستراتيجية. سواء من خلال الحلول السياسية أو باستخدام القوة العسكرية. في المقابل. سيكون على الولايات المتحدة أن توازن بين دعم حلفائها الأكراد في محاربة الإرهاب، وفي نفس الوقت الحفاظ على علاقاتها مع تركيا. الحليف الاستراتيجي في المنطقة.

بناء على ذلك، يشير الواقع إلى أن التوترات بين تركيا والولايات المتحدة بشأن “قسد” في سوريا لن تنتهي بسهولة. كلا البلدين يواجه تحديات معقدة تتعلق بأمنهما القومي ومصالحهما الإقليمية والدولية. إذا كانت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة ستظل قائمة على التعاون أو ستتحول إلى صراع أكبر. فإن ذلك يعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك التطورات السياسية في سوريا والموقف المستقبلي للإدارة الأميركية.

اقرأ كذلك :الصواريخ بعيدة المدى: لوتان تكشف عن خوف الروس وتحديهم بعد الموافقة الأميركية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات