تاريخ وثقافة

الأويغور .. من بين أقدم الأمم التركية المستقرة في شرق آسيا

تاريخ تركستان الشرقية (شنغيانغ)، وأهميتها الجغرافية كبوابة تربط الصين بأوراسيا والشرق الأوسط. والثروات الطبيعية الغنية في المنطقة ودورها البارز في مبادرة الحزام والطريق الصينية.

الأويغور، الذين يعتبرون واحدًا من أقدم وأكثر الشعوب الناطقة باللغة التركية تأثيرًا في التاريخ التركي، يجدون جذورهم في آسيا الوسطى. تتميز هذه الجماعة العرقية بتاريخ غني وتمدن عميق، ويغلب عليها الدين الإسلامي. يُقدّر عدد الأويغور بحوالي 20 مليون نسمة على مستوى العالم، حيث يقيم نحو 12 مليونًا منهم في تركستان الشرقية. المعروفة أيضًا باسم إقليم شنغيانغ ذو الحكم الذاتي، مشكلين ما يقارب 46% من سكان الإقليم.

في السنوات الأخيرة، واجه الأويغور تحديات جمة. حيث تتخذ السلطات الصينية في إقليم “شنغيانغ” سياسات تُعتبر من قِبل معارضيها كوسيلة لمحو الهوية الثقافية للأويغور. تشمل هذه التدابير قيودًا مشددة على ممارساتهم الدينية. تقاليدهم، واستخدام لغتهم، بالإضافة إلى هدم المساجد والمواقع الدينية، وتنفيذ اعتقالات واختفاءات قسرية.

الأصول التاريخية للإيغور: من بداوة الصحارى إلى تأسيس الإمارات

الإيغور، الذين يُعدون من أقدم الشعوب التركية، بدأوا حياتهم كبدو يتنقلون عبر السهول والصحارى في شمال وغرب الصين منذ القرن الثالث قبل الميلاد. يُعتقد أنهم ينحدرون من قبيلتي “التوليس” و”التايلي” التركستانيتين. خلال الفترة ما بين القرنين الرابع والخامس الميلادي، كان يُطلق عليهم اسم “توليس”.

يذهب بعض المؤرخين إلى أن جذور الإيغور تعود إلى قبائل “تورا” أو “طوران”. المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقبائل “الهون” في النسب، اللغة، الثقافة، العادات، والتقاليد. يُعتقد أن اسم “تورا” كان الأكثر شيوعًا من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن السادس الميلادي. قبل أن يظهر اسم “الإيغور”، والذي يعني “الاتحاد” أو “التحالف”، في القرن السابع الميلادي.

وفقًا للمصادر التاريخية، استطاع الإيغور تأسيس عدة إمارات منذ القرن الأول قبل الميلاد. أبرزها إمارة أورمجي في الشمال وإمارة طورخان في الجنوب، التي استمرت حتى القرن السادس الميلادي. بالإضافة إلى أربع إمارات صغيرة أخرى.

كان لهذه الإمارات علاقات سياسية وإدارية مع الدول المجاورة مثل الهون، التوبا، والدولة التركية “غوك ترك”. في بعض الأحيان، اضطر الإيغور للخضوع لهذه الدول ودفع الضرائب لها. مما دفعهم لتشكيل اتحادات مع قبائل تركية أخرى لمواجهة الصراعات والتحديات السياسية.

نشأة الاستقلال السياسي للإيغور في القرن الثامن

في القرن الثامن الميلادي، عاش الإيغور لحظة تاريخية مهمة، حيث استطاعوا تحقيق الاستقلال السياسي الفعلي. كانت بدايتهم في تأسيس مملكة على ضفاف نهر أورخون في شمال وسط منغوليا. وذلك بفضل ضعف دولة “غوك ترك” التي فتحت لهم الباب للتمرد عليها في عام 717 ميلادي. بعد معارك طويلة.  نجحوا في هزيمة جيوش الدولة المنافسة واندمجوا معها، حتى وصلوا إلى إعلان قيام دولتهم الخاصة في عام 740 ميلادي.

بالإضافة إلى ذلك، قام الإيغور بتشكيل اتحاد مع القبائل التركية الأخرى المعروف باسم “التسعة الأوغوز – العشرة الإيغور”. كان هذا الاتحاد مكونًا من تسع قبائل أوغوزية وعشر قبائل إيغورية. مع مرور الوقت. توسعت رقعة الدولة لتصبح إمبراطورية قوية، وسميت السلالة الحاكمة باسم الاتحاد نفسه.

خلال حكم الإيغور، شهدت المنطقة تحولًا كبيرًا من حياة البدو والارتحال إلى الاستقرار. قاموا ببناء مدن وشقوا الطرق والقنوات والترع، وشهدت الزراعة والصناعة تطورًا كبيرًا. ازدهرت التجارة وبرزت الفنون والعلوم والآداب والفلسفة والفنون. لغتهم الإيغورية أصبحت معروفة ومشهورة واستُخدمت من قبل العديد من الأقوام الأخرى.

ومع مرور الزمن، بدأت الإمبراطورية الإيغورية في التراجع بسبب التدخلات المستمرة من قبل الصين. ونقص في روح القتال لدى الإيغور بسبب الديانة المانوية. وفي عام 840. تعرضوا لهجوم من قبائل القرغيز مما أدى إلى انهيار الاتحاد واضطرارهم للهجرة إلى مناطق أخرى.

فتوجه بعضهم إلى مناطق القارلوق وشمال الصين، حيث أسسوا دولة إيغورية جديدة في مدينة قانسو. أما قبائل أخرى فانتقلت إلى تركستان الشرقية وأسست مملكة صغيرة في مدن تورفان وكوتشا وكراشار وضواحيها. هناك اندمجوا مع السكان المحليين وتأثروا بالديانات المختلفة.

دولة تورفان الإيغورية كانت موقعًا استراتيجيًا على طرق التجارة الرئيسية. مما أدى إلى ازدهار اقتصادها وتطوير مجالات الفن والأدب. حافظت على علاقة ودية مع الصينيين. مما جعلهم يعترفون بها ولم يتدخلوا كثيرًا في توسعها.

مع منتصف القرن العاشر، انتقلت السيادة التركية إلى دولة القراخانيين المسلمين. وبدأ دور الإيغور السياسي والعسكري في التراجع بشكل كبير، حيث اقتصر حكمهم على دويلات صغيرة في تركستان الشرقية.

السيطرة المغولية وتحول الإيغور إلى الإسلام

في منتصف القرن الثالث عشر تقريبًا، انقضى حكم الإيغور في تركستان الشرقية على يد جنكيز خان. وبدأت فترة السيطرة المغولية على المنطقة التي استمرت لما يقارب 3 قرون. في عام 1514. تولت الدولة السعيدية المغولية، المعروفة أيضًا بمملكة ياركند، حكم تلك البلاد، واستمر حكمها لأكثر من قرن ونصف القرن. خلال هذه الفترة، ركزت الدولة على تبني قيم الحضارة الإسلامية والحفاظ على تقاليدها الثقافية.

كانت الديانات في تركستان الشرقية متنوعة قبل انتشار الإسلام بين الإيغور. ومنذ بداية القرن التاسع. بدأ الإسلام في الانتشار بينهم، بعد أن اعتنقوا عقائد متنوعة بما في ذلك البوذية والمانوية والزردشتية والمسيحية والشامانية. ومع قيام الدولة القراخانية في القرن العاشر، زاد انتشار الإسلام بصورة كبيرة. وأصبح الإسلام الديانة الرئيسية بين الإيغور. وفي القرن الرابع عشر، تحولت العديد من الديانات الأخرى إلى الإسلام بين الإيغور.

وفي عام 1679، سيطرت خانات زونغار، المعروفة أيضًا بدولة القالموق، على شمال تركستان الشرقية. ومع ذلك، شهدت الدولة صراعات داخلية على السلطة، مما أتاح للصين فرصة للتدخل في المنطقة.

تاريخ السيطرة الصينية على تركستان الشرقية

في عام 1758، وبسبب تورط القالموق في نزاعات داخلية. دخلت سلالة مانشو الصينية تركستان الشرقية وسيطرت على المنطقة بعد حروب استمرت حوالي 3 قرون. على الرغم من السيطرة الصينية، لم يستسلم الإيغور وسكان المنطقة، وخرجوا في تمردات متكررة.

في عام 1865، أسس يعقوب بك دولة مستقلة في تركستان الشرقية بعد تمرده على السلطة الصينية. ولكن حكمه لم يستمر طويلاً، حيث تم اغتياله في عام 1877، وعاد الإيغور مرة أخرى تحت حكم السلالة المانشو. وفي عام 1884، تم ضم تركستان الشرقية إلى إمبراطورية المانشو وتحولت إلى إقليم يعرف باسم “شنغيانغ” أو “الإقليم الجديد”.

بعد الإطاحة بسلالة المانشو في عام 1911، شن الإيغور حملات ضد الحكم الصيني وأسسوا جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية في عام 1933. ومع ذلك، تدخل الصينيون والجيش الروسي وأسقطوا الحكومة الإيغورية وأعدموا العديد من أعضائها في إطار اتفاق مع الروس.

تواصلت ثورات الإيغور ضد السيطرة الصينية، وفي عام 1944 اندلعت ثورة في شمال تركستان الشرقية، لكن الضغوط السوفيتية أجبرت الدولة المستقلة حديثًا على الدخول في مفاوضات مع الحكومة الصينية، والتي أدت إلى تشكيل حكومة ائتلافية تمثل كل من تركستان والصين. ومع تأسيس الحكومة الشيوعية في الصين في عام 1949، هاجم الجيش الصيني تركستان الشرقية، وأعيدت إعادة فرض التبعية الصينية. وفي عام 1955، منحت المنطقة حكمًا ذاتيًا وأصبحت “إقليم شنغيانغ الإيغوري ذو الحكم الذاتي”.

دور تركستان الشرقية (شنغيانغ) كبوابة استراتيجية

تقع تركستان الشرقية (شنغيانغ) في أقصى الشمال الغربي من جمهورية الصين الشعبية، على طول طريق الحرير التاريخي، الذي يعد واحدًا من أهم الممرات التجارية والعسكرية على مر العصور. يعتبر هذا الإقليم بوابة حيوية تربط الصين بأوراسيا والشرق الأوسط.

تتميز تركستان الشرقية بمساحتها الهائلة التي تمثل ما يقرب من سدس إجمالي مساحة الصين. وتعتبر مصادرها المعدنية غنية، حيث يمكن العثور على موارد مثل اليورانيوم والذهب بكميات كبيرة. كما تحتوي على أكبر احتياطيات الفحم والغاز الطبيعي في الصين، وتمتلك حوالي خمسة أخماس احتياطيات النفط في البلاد. وتعتبر منتجاً رئيسياً للقطن، حيث تنتج أكثر من 80% من إنتاج الصين في هذا القطاع بحسب خدمة أبحاث الكونغرس لعام 2023.

بالإضافة إلى ذلك، يلعب إقليم شنغيانغ دورًا مهمًا في مبادرة الحزام والطريق الصينية. حيث يتضمن ذلك مشاريع بنية تحتية ضخمة تمتد إلى مناطق أخرى، بالإضافة إلى تطوير قطاع الطاقة الذي يلبي احتياجات وسط وجنوب آسيا المجاورة. تجعل هذه الخصائص تركستان الشرقية إقليمًا استراتيجيًا حيويًا يسهم بشكل كبير في التطور الاقتصادي والاستراتيجي للصين والمناطق المجاورة.

اقرأ أيضاً : مسجد “مراد آغا”.. مسجد عثماني قاوم الزمن والحرب في ليبيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات