مجزرة حماة 1982: يوم دمرت قوات الأسد المدينة بأكملها لملاحقة جماعة مسلحة
"مجزرة حماة 1982: تدمير المدينة وتكلفة الدماء السورية في مواجهة النظام القمعي وأثرها على تاريخ سوريا الحديث"
مجزرة حماة 1982: تاريخ مروع وذكريات مريرة. في شهر فبراير/شباط من عام 1982، وقعت مجزرة بشعة في مدينة حماة السورية، استمرت لمدة 27 يوماً، نفذتها عدة فرق وألوية من الجيش السوري. كانت هذه المجزرة واحدة من أبشع الأحداث في تاريخ سوريا الحديث. قاد الحملة العسكرية ضد المدينة قوات سرايا الدفاع بقيادة رفعت الأسد، وكان الهدف منها القضاء على المعارضة المسلحة في المدينة. وتنوعت الروايات حول عدد الضحايا، فقد قُدِّر عدد القتلى بنحو 40 ألف شخص، بينما وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان نحو 10 آلاف قتيل. وبلغ عدد المفقودين أكثر من 17 ألف شخص.
سقوط نظام الأسد والاحتفال بذكرى المجزرة
بعد سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في نهاية عام 2024، احتفل الآلاف من السوريين بذكرى المجزرة السنوية. في 1 فبراير/شباط 2025، تجمعوا في ساحة العاصي بمدينة حماة، حاملين الأعلام السورية، مطالبين بالعدالة لضحايا المجزرة. وقد تخللت الفعالية عرض عسكري لقوات الأمن التابعة للإدارة السورية الجديدة، التي تولت الحكم بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024.
صدامات سابقة
لم تكن أحداث عام 1982 منعزلة عن الصراعات التي شهدتها سوريا في العقود السابقة. فقد كانت المدينة تعيش في أجواء من التوتر والصدامات مع السلطة في الفترة التي سبقت المجزرة. تلك الأحداث بدأت منذ انقلاب حزب البعث على الحكم وتوليه السلطة في سوريا.
أحداث 1964: “أحداث جامع السلطان”
في عام 1964، وقعت في مدينة حماة أحداث معروفة بـ”أحداث جامع السلطان”. هبة شعبية اعتراضاً على حكم البعث، قوبلت بتدخل عسكري من الجيش السوري، الذي حاصر الجامع وقصف مئذنته، مما أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين في المدينة. هذه الحادثة كانت إشارة مبكرة على تصاعد التوترات بين النظام والشعب.
انقلاب حافظ الأسد وحملة الاعتقالات
في عام 1970، قام حافظ الأسد بانقلاب عسكري ضد رفاقه في حزب البعث، ليؤسس حكمه المطلق في سوريا. بدأ الأسد في تلك الفترة حملة اعتقالات واسعة ضد المعارضة، وأصدر في عام 1973 دستوراً جديداً، منح فيه نفسه صلاحيات واسعة على حساب السلطات الأخرى. ذلك الدستور جلب معه احتجاجات في مدينة حماة، معروفة بـ”أحداث الدستور”، والتي نتج عنها اعتقالات واسعة في صفوف المعارضة.
الطليعة المقاتلة والنظام الأمني القاسي
بعد سنوات من قتل واغتيال بعض أبناء المدينة، بدأت مجموعة مسلحة من المعارضة تعرف باسم “الطليعة المقاتلة” في تنفيذ عمليات اغتيال ضد شخصيات ذات مناصب في الدولة. هذا زاد من الاعتقالات والملاحقات للمعارضين. وفي 16 يونيو/حزيران 1979، نفذت “الطليعة المقاتلة” هجوماً على مدرسة المدفعية في حلب، مما أدى إلى مقتل عشرات الضباط العلويين. وقد وجه النظام التهمة إلى جماعة الإخوان المسلمين، ليكونوا بذلك الهدف التالي للنظام في حربه على المعارضة.
محاولة اغتيال الأسد
في 26 يونيو/حزيران 1980، تعرض حافظ الأسد لمحاولة اغتيال فاشلة، وهو ما دفعه للانتقام بقوة. وفي سجن تدمر، نفذت سرايا الدفاع مجزرة بحق السجناء، حيث قُتل أكثر من ألف سجين، معظمهم من الإسلاميين. كما أصدر حافظ الأسد مرسوماً تشريعياً في يوليو/تموز 1980، يعتبر فيه الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين جريمة يعاقب عليها بالإعدام، مما أتاح للنظام ارتكاب مجازر واسعة بحق المعارضين.
بداية مجزرة حماة
في نهاية يناير/كانون الثاني 1982، بدأت القوات العسكرية والأمنية في محاصرة مدينة حماة. وتمركزت العديد من الفرق العسكرية في مناطق استراتيجية داخل المدينة. شاركت في المجزرة عدة قوات، منها قوات سرايا الدفاع التي بلغ عددها نحو 12 ألف جندي، قوات الوحدات الخاصة التي حملت الأسلحة الثقيلة والدبابات، بالإضافة إلى قوات الأمن العسكري والأمني السياسي التي انتشرت في جميع أنحاء المدينة.
الهجوم العسكري على المدينة
في 2 فبراير/شباط 1982، حاولت قوات الأسد اقتحام المدينة، لكن واجهت مقاومة من مسلحين في عدة أحياء، مما دفع القوات إلى الانسحاب مؤقتاً. لكن هذه المقاومة لم تمنع القوات من استئناف القصف العشوائي على المدينة، بما في ذلك استخدام المدفعية والطائرات. كان القصف شديداً لدرجة أن معظم الأحياء السكنية، بما في ذلك المساجد والعيادات، دمرت جزئياً أو كلياً في غضون يومين فقط.
مأساة المدنيين
شهدت المجزرة حالات من الهروب الجماعي للمدنيين، لكن نجح عدد قليل فقط في الفرار إلى القرى والمناطق المحيطة. أما البقية، فقد التزموا بالبقاء في الأقبية خوفاً من الموت. في الرابع من فبراير/شباط، بدأت المرحلة البرية من الهجوم، حيث دخلت دبابات اللواء 47 المدينة، وقصفت الأحياء السكنية بشكل عشوائي. قام الجيش بتفتيش الأحياء بحثاً عن المطلوبين، وكانت الاعتقالات واسعة النطاق، حيث تم اعتقال مئات المدنيين.
عمليات القتل والتنكيل
مع استمرار الحملة العسكرية، نفذ الجيش العديد من عمليات الإعدام الميداني للرجال المدنيين، فضلاً عن عمليات التنكيل والقتل الوحشي. فقد تم جمع العشرات من الرجال في الأحياء السكنية وإعدامهم رمياً بالرصاص. لم تكن عمليات القتل مقتصرة على الرجال فقط، بل طالت أيضاً النساء والأطفال. وكانت الاعتقالات تتم بشكل عشوائي، واعتقل العديد من الأشخاص لمجرد انتمائهم إلى عائلات معينة أو لمجرد الشك في تعاطفهم مع المعارضة.
العنف ضد المستشفيات
واحدة من أفظع الجرائم التي ارتكبت خلال المجزرة كانت تلك التي استهدفت المستشفيات. دخلت قوات الأمن إلى المستشفيات وقتلت المرضى الجرحى، واعتدت على الطواقم الطبية. وفقاً لشهادات بعض الممرضات، كانت هناك حالات لذبح الحوامل وبقر بطونهن. وقد استمر هذا العنف في المستشفيات حتى تم حصارها بشكل كامل.
نهاية المجزرة
مع نهاية فبراير/شباط 1982، بدأت القوات العسكرية بالانسحاب تدريجياً من المدينة. لكن عمليات القتل والاعتقالات استمرت حتى منتصف مارس/آذار من نفس العام. وبالرغم من رفع حظر التجول عن بعض المناطق في فبراير/شباط، إلا أن المدينة بقيت تحت حصار قوي، ولم يتمكن المدنيون من العودة إلى حياتهم الطبيعية.
آثار المجزرة
تسببت مجزرة حماة في مقتل ما بين 30 ألف إلى 40 ألف مدني، بينما فُقد أكثر من 17 ألف شخص. دُمرت العديد من الأحياء في المدينة، وكان الدمار في مناطق مثل الكيلانية والعصيدة الشمالية والزنبقي بين الحيرين تاماً. وقد دُمر 79 مسجداً و3 كنائس، فضلاً عن تدمير العديد من العيادات الطبية.
شهادة الناجين
لقد عاش سكان حماة في حالة من الرعب الشديد بعد المجزرة، وكانوا يتوقعون الموت أو الاعتقال في أي لحظة. زُرع الموالون للنظام في المدينة لمراقبة تحركات السكان والإبلاغ عنها. ونتيجة للخوف، لم يتمكن العديد من الناجين من الحديث عن تجاربهم إلا بعد الثورة السورية في عام 2011، حيث بدأ البعض منهم بالكشف عن ما حدث دون خوف.
إنكار رفعت الأسد
من جانبه، حاول رفعت الأسد إنكار دوره في المجزرة، حيث أعلن في مؤتمر صحفي في باريس في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 أنه لم يكن في حماة ولا يعرف المدينة. هذا التصريح يتناقض مع الحقائق التاريخية، حيث كان هو قائد قوات سرايا الدفاع التي قادت المجزرة، وكان له دور بارز في التخطيط والتنفيذ.
تظل مجزرة حماة 1982 واحدة من أبشع الفصول في تاريخ سوريا الحديث. ورغم مرور أكثر من 40 عاماً على تلك المجزرة، لا يزال السوريون يطالبون بالعدالة لضحاياها.
اقرأ كذلك :أطعمة الخلفاء: مآدب العصر الذهبي في الدولة العباسية