خمسة أسباب وراء ثقة ترامب بإمكانية تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن
شهدت الأيام الأخيرة تصريحات متكررة من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب حول إمكانية نقل ما بين مليون إلى 1.5 مليون من سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن، سواء بصفة مؤقتة أو دائمة. ويرى ترامب أن القطاع لم يعد صالحًا للسكن بسبب الدمار الناتج عن العمليات العسكرية، مما يجعله يعتقد أن التهجير هو الحل الأمثل.
وفي الوقت ذاته، صرّح مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، بأن إعادة إعمار غزة قد تستغرق ما بين 10 إلى 15 عامًا، وهو ما يعزز قناعة الإدارة الأميركية السابقة بضرورة إيجاد بدائل لسكان القطاع في هذه المرحلة.
رفض عربي قاطع لخطط التهجير
قوبلت هذه الفكرة برفض صارم من قبل الدول العربية، حيث أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي رفض بلاده القاطع لهذه الفكرة، بينما أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن مصر لن تقبل بأي شكل من الأشكال تهجير الفلسطينيين إلى أراضيها. كما جاء رفض رسمي آخر خلال اجتماع وزاري ضم ست دول عربية فاعلة، وهي: فلسطين، مصر، الأردن، قطر، السعودية، والإمارات، حيث شدد الاجتماع على أن “إخلاء غزة من سكانها من خلال التهجير القسري مرفوض تمامًا، ولن يُسمح بحدوثه تحت أي ذريعة”.
لماذا يعتقد ترامب بإمكانية تنفيذ التهجير؟
على الرغم من الرفض العربي الصريح، فإن ترامب لا يزال واثقًا بإمكانية تنفيذ خطته، وهو ما يطرح تساؤلات حول الأسباب التي تجعله يؤمن بإمكانية تحقيق هذا السيناريو. وبحسب تحليل دبلوماسيين وخبراء سياسيين، هناك خمسة دوافع رئيسية وراء إصرار ترامب على هذا الطرح.
1. تجربة الضغط الناجحة على إسرائيل لوقف القتال
خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه، مارس ترامب ضغوطًا كبيرة على الحكومة الإسرائيلية لوقف القتال في غزة، وهدد بفرض تداعيات سياسية في حال استمرار العمليات العسكرية. وبالفعل، قَبِل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقف إطلاق النار قبل يوم واحد فقط من تولي ترامب السلطة، وهو ما عزز قناعته بأنه قادر على فرض شروطه في المنطقة.
2. تجارب سابقة للضغط على الدول الرافضة للقرارات الأميركية
تشير تجارب سابقة إلى أن الولايات المتحدة استخدمت استراتيجيات ضغط مشابهة مع دول أخرى، مثل كولومبيا، التي رفضت في البداية استقبال المهاجرين غير الشرعيين المرحلين من الولايات المتحدة. لكن بعد فرض عقوبات اقتصادية، رضخت الحكومة الكولومبية ووافقت على استقبال مواطنيها.
يعتقد ترامب أن نفس التكتيك يمكن أن يُستخدم مع مصر والأردن، خاصة أنهما يعتمدان على المساعدات الأميركية. فقد صرح الخبير السياسي ستيفن كوك بأن “مصر تتلقى 1.3 مليار دولار سنويًا كمساعدات عسكرية من الولايات المتحدة، بينما يعتمد الأردن على دعم مالي أميركي كبير”. وهو ما قد يجعل البلدين أكثر عرضة للضغوط الأميركية في المستقبل.
3. المساعدات الأميركية كأداة للضغط
تعد المساعدات الأميركية لكل من مصر والأردن عاملًا مؤثرًا في المعادلة السياسية. فقد تلقت مصر منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979 مساعدات تجاوزت 75 مليار دولار، بينما تضاعفت المساعدات الأميركية للأردن ثلاث مرات خلال العقد الأخير.
بلغت قيمة المساعدات الأميركية للأردن حوالي 26.4 مليار دولار حتى عام 2020، فيما تضمنت ميزانية الرئيس لعام 2025 تخصيص 1.45 مليار دولار للأردن و1.4 مليار دولار لمصر. يرى ترامب أن هذه المساعدات تمنح واشنطن نفوذًا كبيرًا في الضغط على البلدين للقبول بخطته.
4. اعتماد نهج “رجل الأعمال” في السياسة الخارجية
خلفية ترامب كرجل أعمال تجعله يؤمن بالصفقات أكثر من الالتزامات الدبلوماسية. فقد سبق أن استخدم نفوذه للضغط على مصر في عام 2016 لإجبارها على سحب مشروع قرار في مجلس الأمن كان يدين الاستيطان الإسرائيلي. ورغم اعتراض إدارة باراك أوباما على موقف ترامب، إلا أن مصر غيّرت موقفها في اللحظة الأخيرة.
يعتقد ترامب أن بإمكانه تكرار نفس السيناريو عبر استخدام الضغوط السياسية والاقتصادية لإجبار الدول العربية على قبول تهجير الفلسطينيين، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها كل من مصر والأردن.
5. تجربة نقل السفارة الأميركية إلى القدس
في عام 2017، اتخذ ترامب قرارًا مثيرًا للجدل بإعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، رغم تحذيرات سابقة من خمسة رؤساء أميركيين من اتخاذ هذه الخطوة خشية ردود الفعل العربية والدولية. لكن ورغم أن القرار كان مخالفًا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، لم تتخذ الدول العربية أي إجراءات فعلية ضده.
استنادًا إلى هذه التجربة، يعتقد ترامب أن الدول العربية قد تعترض نظريًا على تهجير سكان غزة، لكنها لن تتخذ إجراءات قوية لوقفه على أرض الواقع.
كيف يمكن للدول العربية مواجهة هذه الضغوط؟
في ظل المحاولات الأميركية لفرض واقع جديد في غزة، تحتاج الدول العربية إلى استراتيجيات واضحة لمواجهة الضغوط الأميركية. من بين الخطوات الممكنة:
- تعزيز الوحدة العربية: تنسيق المواقف بين الدول العربية الكبرى مثل مصر، السعودية، والأردن، لضمان رفض موحد لأي مخطط لتهجير الفلسطينيين.
- التحرك الدبلوماسي الدولي: اللجوء إلى الأمم المتحدة والهيئات الدولية لرفض أي محاولات لتغيير التركيبة السكانية في غزة بالقوة.
- الضغط الإعلامي: استخدام الإعلام العربي والدولي لتسليط الضوء على مخاطر هذه الخطط، وتوضيح الأبعاد القانونية والإنسانية للتهجير القسري.
- تعزيز الدعم الاقتصادي للفلسطينيين: تقديم المساعدات المباشرة لدعم صمود الفلسطينيين في قطاع غزة، وتقليل الاعتماد على المساعدات الغربية.
يثير طرح ترامب حول تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن جدلًا واسعًا، في ظل الرفض القاطع من الدول العربية لهذه الفكرة. لكن رغم هذا الرفض، يظل ترامب واثقًا من إمكانية فرض خطته، مستندًا إلى تجاربه السابقة في ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية.
لمواجهة هذه التحديات، تحتاج الدول العربية إلى تحركات دبلوماسية حاسمة، إلى جانب تعزيز وحدة الموقف العربي. فالتاريخ أثبت أن رفض التهديدات لا يكفي، بل يجب دعمه بإجراءات عملية على الأرض لضمان حماية حقوق الفلسطينيين ومنع تهجيرهم من وطنهم.
اقرأ كذلك: “ترامب يتواصل مع السيسي والرئاسة المصرية تعلن عن “حوار إيجابي””