مدونات

لماذا أوقفت إسرائيل الحرب على إيران قبل تحقيق أهدافها؟

في بداية العدوان الإسرائيلي على إيران، ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مفعمًا بالحماس. أعلن صراحة أن إسرائيل لا تخوض حربًا عابرة، بل تسعى لتحقيق أهداف كبرى. أولها القضاء على المشروع النووي الإيراني. وثانيها تفكيك منظومة الصواريخ الباليستية الإيرانية. وثالثها إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، عبر إسقاط النظام الإيراني.

لكن بعد 12 يومًا فقط، توقفت الحرب. جاء ذلك بعد ضغط مباشر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب على نتنياهو للقبول بوقف إطلاق النار. كما وافقت إيران على وساطة قطرية، بعد أن كانت القاذفات الأميركية من طراز B2 قد ضربت منشآت فوردو، نطنز، وأصفهان بقنابل خارقة للتحصينات.

ردّت طهران بهجوم صاروخي رمزي استهدف قاعدتي “عين الأسد” في العراق و”العديد” في قطر، حيث تتمركز القوات الأميركية.

هذا الإيقاف المفاجئ للمعركة أثار التساؤلات. هل حققت إسرائيل أي من أهدافها؟ أم أنها خرجت بخفيّ حُنين من حرب كانت تأمل أن تعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة؟

الضربة للمشروع النووي الإيراني: هل فشلت فعلاً؟

بحسب تسريبات من قناة CNN، فإن تقريرًا سريًا للاستخبارات العسكرية الأميركية وصف تأثير الضربة على المشروع النووي الإيراني بالمحدود. وذكر التقرير أن طهران قادرة على ترميم الأضرار خلال أشهر.

هذا التسريب أغضب الرئيس ترامب. وهاجم وسائل الإعلام الأميركية التي نشرت الرواية، متهمًا إياها بتقويض نجاحه.

من جهة أخرى، صرّح الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أنه من المبكر جدًا تقييم الضرر الحقيقي الذي لحق بالمشروع النووي.

كل ذلك يشير إلى أن هدف نتنياهو الأساسي، وهو شلّ برنامج إيران النووي، لم يتحقق بعد.

الصواريخ الإيرانية تقلب المعادلة

في ساعات الحرب الأخيرة، برزت الدقة العالية للصواريخ الإيرانية. طهران لم تستخدم كل ما في جعبتها، لكنها أثبتت قدرتها الهجومية.

تراجع أداء منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية، خاصة أمام الصواريخ الفرط صوتية، أظهر محدودية كفاءة القبة الحديدية.

كما أن مخزون المقذوفات المضادة لدى إسرائيل بدأ بالنفاد. إذ يتراوح سعر كل صاروخ اعتراض من نوع “حيتس/آرو” بين 2 إلى 3 ملايين دولار.

إسقاط النظام الإيراني؟ فشل استخباراتي وأمني

من أكبر الإخفاقات الإسرائيلية، فشلها في زعزعة النظام الإيراني. لم تؤدّ عمليات الاغتيال ولا الضربات الجوية إلى انهيار داخلي.

بل على العكس، التفّ الشعب الإيراني حول حكومته. وشهد الداخل الإيراني موجة تضامن كبيرة مع القيادة السياسية والعسكرية.

رغم استخدام إسرائيل لشبكة من العملاء داخل المدن الإيرانية، مستندين إلى تقنيات عالية وطائرات مسيرة، فإن نتائج تلك العمليات كانت محدودة.

لماذا أوقفت إسرائيل الحرب؟ الأسباب الحقيقية

قد يبدو غريبًا أن تنسحب إسرائيل من حرب بدأتها. لكن الواقع العسكري والسياسي فرض عليها التراجع.

أولًا: النظام الإيراني امتص الضربة الأولى بسرعة. واستعاد توازنه خلال ساعات. بل بادر بضرب تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى بصواريخ دقيقة.

هذه القدرة على الرد السريع، أربكت القيادة الإسرائيلية. كما بيّنت استعداد طهران لحرب استنزاف طويلة.

ثانيًا: حجم الأضرار في الداخل الإسرائيلي كان مفاجئًا.

منشآت صناعية، أمنية، وعسكرية تعرضت لقصف دقيق. الحياة الاقتصادية والتعليمية شُلّت بالكامل.

تحوّلت إسرائيل إلى منطقة طوارئ كاملة.

حسب صحيفة “كالكاليست”، بلغت الأضرار الأولية 5.3 مليارات دولار. فيما قدرت وزارة المالية الإسرائيلية الخسائر بـ3 مليارات دولار.

ثالثًا: قرار ترامب بالتدخل المباشر بقصف المنشآت النووية، كان لحماية إسرائيل.

واشنطن تملك القاذفات الخارقة للتحصينات، على عكس تل أبيب.

لكن ترامب لم يكن يريد استمرار الحرب. خشي من أن تتوسع لتشمل الإقليم بأكمله.

إيران دولة ضخمة، بسكانها البالغين 90 مليونًا، ومساحتها التي تتجاوز 1.7 مليون كم²، تملك جيشًا كبيرًا وصواريخ نوعية.

كما أن اتساع الحرب قد يهدد الطاقة العالمية، إذا أغلقت إيران مضيق هرمز، أو حتى باب المندب.

حسابات إيران في قبول وقف الحرب

رغم أن إيران لم تبدأ الحرب، إلا أنها كانت مستعدة لها.

بداية العدوان كانت في 13 يونيو. في حين كانت إيران تنتظر جولة مفاوضات مع واشنطن في 15 يونيو.

لكن الهجوم الإسرائيلي جاء مباغتًا. وأحدث صدمة داخل إيران.

قُتل عدد من العلماء العسكريين. واستُهدفت منشآت حساسة.

أبرز الأخطار تمثلت في الشبكة الأمنية التي زرعتها إسرائيل داخل إيران.

هؤلاء العملاء نفذوا اغتيالات. وزودوا تل أبيب بإحداثيات دقيقة.

وقف الحرب كان ضروريًا كي تتفرغ طهران لملاحقتهم، كما حصل سابقًا مع “حزب الله” حين كشف العملاء وأفشلوا خططه.

ضعف الدفاعات الجوية: نقطة الانكشاف الكبرى

إحدى المفاجآت الكبرى في الحرب، كانت انكشاف السماء الإيرانية.

إسرائيل استهدفت بطاريات “إس-300” ورادارات الكشف المبكر في أكتوبر 2024.

روسيا لم تُعوض إيران بعد تلك الضربة.

أثناء الحرب، زار وزير الخارجية الإيراني “عباس عراقجي” موسكو، حاملاً رسالة من خامنئي إلى بوتين.

المصادر تحدثت عن طلب طارئ لتزويد طهران بأسلحة متقدمة.

لكن موسكو كانت حذرة. لم ترد إغضاب إسرائيل، ولا الرئيس الأميركي ترامب.

روسيا لا تزال تفاوض بشأن أوكرانيا، وتخشى فتح جبهات جديدة.

الولايات المتحدة: قوة حاسمة لا تريد التورط

رغم أن واشنطن قصفت منشآت نووية إيرانية، فإنها لم ترغب في حرب مفتوحة.

الإدارة الأميركية تسعى لتهدئة الصراعات، لا إشعالها.

ترامب يريد التركيز على الصين، وإعادة بناء الاقتصاد الأميركي.

حرب إقليمية طويلة، مثل حرب إيران، لا تخدم أهدافه.

من خسر؟ ومن ربح؟ تقييم أوّلي

يصعب حتى اللحظة تحديد الخسائر الكاملة لكل طرف.

لكن المؤكد أن إيران صمدت.

أظهرت قدرة عالية في الردع. أثبتت أن منظومتها الصاروخية قادرة على الوصول والتدمير بدقة.

ولم تستخدم أوراقها كلها.

منها:

  • إغلاق مضيق هرمز
  • إشراك حزب الله
  • تفعيل أنصار الله في اليمن
  • زجّ الحشد الشعبي من العراق

في المقابل، فشلت إسرائيل في حسم المعركة.

خسرت اقتصادياً. وأظهرت نقاط ضعف إستراتيجية.

أما الولايات المتحدة، فقد تدخلت بقوة، ثم انسحبت بسرعة.

معركة لم تنتهِ.. بل تأجلت

توقفت الحرب، لكن الصراع مستمر.

إيران ستعمل على ترميم دفاعاتها.

وإسرائيل ستعيد تقييم قدراتها.

والولايات المتحدة ستوازن بين الحزم وعدم الغرق.

المفاوضات القادمة بين طهران وواشنطن ستكون مصيرية.

إذا فشلت، فإن المواجهة القادمة قد تكون أعنف، وأوسع.

اقرأ كذلك: ترامب يتوعد إيران: ردّ غير مسبوق من الولايات المتحدة على أي اعتداء إيراني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات