سموتريتش… رجل الظل الذي يرسم مستقبل إسرائيل!
بينما تتركز الأضواء عادة على كبار القادة السياسيين في إسرائيل، هناك شخصيات تعمل في الظل لكنها تمتلك تأثيرًا كبيرًا على مستقبل الدولة العبرية. أحد هؤلاء هو بتسلئيل سموتريتش، الرجل الذي يصوغ سياسات حاسمة تتعلق بالهوية الدينية، والاستيطان، والعلاقات مع الفلسطينيين. رغم أنه لا يتصدر العناوين بنفس قدر بنيامين نتنياهو، إلا أن نفوذه المتزايد يجعل منه لاعبًا رئيسيًا في المشهد السياسي الإسرائيلي. فهل هو مجرد سياسي عادي، أم أنه مهندس لمستقبل مختلف لإسرائيل؟
من هو بتسلئيل سموتريتش؟
وُلد بتسلئيل سموتريتش عام 1980 في مستوطنة بيت إيل، وهو ينتمي إلى التيار الديني الصهيوني الذي يجمع بين القومية اليهودية والتفسير الصارم للشريعة اليهودية. نشأته في بيئة استيطانية متشددة جعلته يؤمن بفكرة “إسرائيل الكبرى”، حيث لا مكان لدولة فلسطينية مستقلة. منذ شبابه، أظهر سموتريتش ميولًا أيديولوجية واضحة، وكان ناشطًا في المنظمات اليمينية المتطرفة، حتى قبل دخوله عالم السياسة.
رحلته السياسية وصعوده إلى النفوذ
دخل سموتريتش الكنيست لأول مرة عام 2015 ضمن حزب “البيت اليهودي”، لكنه لم يكن مجرد نائب عادي. سرعان ما لمع اسمه بسبب مواقفه الحادة من القضايا الأمنية والاستيطانية. في عام 2019، أسس حزب الصهيونية الدينية، الذي مثّل تحالفًا للتيارات اليمينية المتشددة.
لكن اللحظة المفصلية في صعوده كانت بعد انتخابات 2022، حينما أصبح وزيرًا للمالية ونائبًا لوزير الأمن، مما منحه سلطات واسعة في إدارة الضفة الغربية. بهذه المناصب، تحول من سياسي متشدد إلى أحد الأشخاص الذين يرسمون مستقبل إسرائيل على الأرض.
سموتريتش والاستيطان: تكريس السيطرة على الضفة
لطالما كان سموتريتش مؤيدًا شرسًا للاستيطان، لكن توليه مسؤولية الإدارة المدنية في الضفة الغربية جعله قادرًا على تنفيذ سياسات توسعية لم يسبق لها مثيل. من بين أبرز سياساته:
- تسهيل الاستيطان وزيادة البؤر الاستيطانية العشوائية.
- التضييق على الفلسطينيين عبر هدم المنازل وتشديد القيود عليهم.
- تقليص صلاحيات السلطة الفلسطينية ومنع أي توسع عمراني فلسطيني.
كل هذه الخطوات تهدف إلى “حسم الصراع” على الأرض عبر فرض واقع يجعل من إقامة دولة فلسطينية أمرًا مستحيلاً.
العلاقة مع الفلسطينيين: التصعيد بدل الحلول
يُعرف سموتريتش بمواقفه العدائية تجاه الفلسطينيين، فقد سبق أن صرّح بأن “الشعب الفلسطيني غير موجود”، مما يعكس رؤيته المتطرفة التي ترفض الاعتراف بأي حقوق وطنية للفلسطينيين. في ظل وجوده في الحكومة، شهدت الضفة الغربية تصعيدًا غير مسبوق في عنف المستوطنين، إلى درجة أن الإدارة الأمريكية طالبت نتنياهو بكبح جماحه.
علاقته بنتنياهو: تحالف المصالح أم معركة خفية؟
رغم أن نتنياهو يعتمد على سموتريتش لضمان استقرار حكومته، إلا أن العلاقة بينهما ليست ودية تمامًا. فنتنياهو، المعروف ببراغماتيته، يدرك أن مواقف سموتريتش المتشددة قد تسبب مشاكل دبلوماسية لإسرائيل، خاصة مع الولايات المتحدة والدول العربية التي طبّعت مع إسرائيل. لكن في المقابل، يخشى نتنياهو خسارة دعم اليمين المتطرف، ما يجعله مضطرًا لتحمل سياسات سموتريتش.
رؤية سموتريتش لمستقبل إسرائيل: دولة دينية بلا مساومة
يرى سموتريتش أن إسرائيل يجب أن تكون دولة يهودية بالكامل، ليس فقط من حيث الهوية، بل أيضًا من حيث التشريعات والقوانين. وهو يدعو إلى تطبيق الشريعة اليهودية بشكل أوسع، وتقليص نفوذ التيارات الليبرالية والعلمانية داخل الدولة. كما أنه يدفع نحو سياسات تهدف إلى إضعاف الجهاز القضائي، باعتباره عائقًا أمام تنفيذ رؤيته الدينية والقومية.
موقف المجتمع الدولي من سياسات سموتريتش
أثارت سياسات سموتريتش ردود فعل غاضبة على المستوى الدولي. فقد فرضت الولايات المتحدة قيودًا على بعض المستوطنين الذين يدعمهم، وانتقد الاتحاد الأوروبي سياساته الاستيطانية. لكن رغم هذه الانتقادات، يواصل سموتريتش العمل على تحقيق مشروعه السياسي دون اكتراث كبير بالمجتمع الدولي، مستفيدًا من الدعم الذي يحظى به داخل التيارات اليمينية في إسرائيل.
هل يمكن إيقاف سموتريتش؟
رغم صعوده القوي، إلا أن سموتريتش يواجه تحديات داخلية كبيرة، منها:
- الخلافات داخل الحكومة: حتى داخل اليمين، هناك من يرى أن سياساته قد تؤدي إلى عزلة إسرائيل.
- المعارضة الداخلية: التيارات الليبرالية والعلمانية تسعى إلى تقويض نفوذه عبر الاحتجاجات والضغوط السياسية.
- الضغط الدولي: إذا تصاعدت الضغوط من الولايات المتحدة وأوروبا، فقد يجد نتنياهو نفسه مضطرًا للحد من نفوذه.
هل نحن أمام تغيير جذري في إسرائيل؟
سواء استمر نفوذ سموتريتش أم تراجع، لا شك أنه أصبح لاعبًا رئيسيًا في المشهد الإسرائيلي. سياساته لا تؤثر فقط على مستقبل إسرائيل، بل تمتد تداعياتها إلى الفلسطينيين والمنطقة بأسرها. فهل سيستمر في تنفيذ مشروعه دون مقاومة، أم أن الضغوط الداخلية والخارجية ستوقفه؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة.
اقرأ كذلك: من صلاح جديد إلى مروان حديد: كيف تخلص حافظ الأسد من خصومه