تاريخ وثقافة

العلويون.. القصة الغامضة لحكم سوريا

على مدار أكثر من ستين عامًا، تمكن العلويون من الوصول إلى السلطة في سوريا عبر حزب البعث. وقد شهدت هذه الفترة، التي يمكن تسميتها بـ”الحقبة الأسدية”، صعودًا غير مسبوق لهم. حيث تجاوزوا نطاق مناطقهم الجبلية الممتدة من الساحل التركي شمالًا إلى سواحل اللاذقية وطرطوس جنوبًا. وبسطوا سيطرتهم على كامل سوريا. كيف بدأ هذا النفوذ؟ وما العوامل التي أسهمت في ترسيخ سلطتهم؟ هذا ما سنكشفه في هذا المقال.


نشأة الطائفة العلوية وجذورها التاريخية

تعود أصول العلويين، أو النّصيرية، إلى محمد بن نصير النُميري البصري. الذي وُلد في العراق خلال القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي). كان ابن نصير شخصية دينية غامضة. امتلك جاذبية واسعة بين أتباعه. ينتمي إلى قبيلة بني نمير الشيعية التي سكنت قرب نهر الفرات في جنوب العراق. وكان متحالفًا مع قبيلة بني تغلب، التي شكّلت العمود الفقري للدولة الحَمدانية الشيعية في حلب خلال القرن العاشر الميلادي.

برز اسم ابن نصير عندما أعلن عام 850م أنه “الباب” الذي يُمكن من خلاله الوصول إلى الإمام الشيعي المعصوم. ورغم هذا الادعاء، واجه ابن نصير وأتباعه معارضة شديدة من الشيعة الاثني عشرية، الذين اعتبروه خارجًا عن المذهب. فاضطر أتباعه للعيش في مناطق معزولة، بعيدًا عن المراكز السكانية الكبرى.


العلويون في سوريا.. صعود متأخر

في الوقت الحالي، يمثل العلويون نحو 8% من سكان سوريا، لكن نفوذهم السياسي لم يبدأ إلا مع التدخل الفرنسي. فكما يذكر كمال ديب في كتابه تاريخ سوريا المعاصر، فقد بدأ اهتمام الفرنسيين بالعلويين قبل احتلالهم الفعلي لسوريا بعامين. في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1918، وبعد شهر من خروج العثمانيين. وصلت قوة فرنسية صغيرة إلى مرفأ اللاذقية، رغم أن القوات الفرنسية لم تدخل سوريا بالكامل إلا بعد عامين، مما يعكس الاهتمام المبكر بالعلويين.

عقب الاحتلال الفرنسي عام 1920، حاولت فرنسا تشكيل “جيش المشرق السوري”. لكنها واجهت رفضًا واسعًا من الأغلبية السنية التي تشكّل 80% من السكان. بسبب معارضتهم للاحتلال، وخوفهم من الخدمة العسكرية التي كانت مرهقة خلال العهد العثماني.

على النقيض، وجد العلويون في الجيش الفرنسي فرصة لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. حيث كانوا يعيشون في فقر شديد، ولم يكن لديهم نفوذ سياسي أو اقتصادي. استغلت فرنسا هذه الحاجة. ووثقت في العلويين لدعم سيطرتها، مستغلة أيضًا تمركزهم الجغرافي في منطقة واحدة، ما سهّل تخطيطها لتقسيم سوريا.


مشروع الدولة العلوية.. دعم فرنسي وإخفاق سياسي

بعد الاحتلال الفرنسي، قُسمت سوريا إلى أربع دول:

  1. دولة دمشق
  2. دولة حلب
  3. دولة الدروز في الجنوب
  4. دولة العلويين، التي ضمّت اللاذقية وطرطوس

ورغم هذا التقسيم، فشلت الدولة العلوية بسبب افتقارها إلى العمق الجغرافي والاقتصادي. إلى جانب المعارضة القوية من القوى السنية، خصوصًا الكتلة الوطنية، التي طالبت بتوحيد البلاد.

عام 1936، ومع اقتراب إنهاء الانتداب الفرنسي، قدم بعض وجهاء العلويين طلبًا إلى فرنسا يطالبون فيه بعدم ضم دولتهم إلى سوريا، وكان من بين الموقعين سليمان الأسد، جد حافظ الأسد. تم الكشف عن هذه الوثيقة عام 2012 خلال الثورة السورية، وهي لا تزال محفوظة في الخارجية الفرنسية تحت الرقم 3547 لسنة 1936.


الجيش السوري.. بوابة العلويين إلى السلطة

بعد استقلال سوريا عام 1946، ورث الجيش السوري بقايا “جيش المشرق الفرنسي”، الذي كان يعتمد بشكل كبير على الجنود العلويين. ومع الوقت، أصبحت نسبة الضباط العلويين في الجيش تفوق أي طائفة أخرى، ما منحهم نفوذًا متزايدًا داخل المؤسسة العسكرية.

في منتصف القرن العشرين، كانت معظم القوى العسكرية في سوريا متأثرة بحزب البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي. انتمى العديد من الضباط العلويين إلى الحزبين، لضمان مواقعهم داخل الجيش. لكن نقطة التحوّل جاءت عام 1955، عندما قُتل العقيد عدنان المالكي، وهو بعثي، على يد جندي علوي ينتمي للحزب السوري القومي. أدى هذا الحادث إلى اضطهاد الحزب السوري القومي، مما دفع الضباط العلويين إلى الانضمام لحزب البعث بشكل شبه جماعي.

بفضل هذا التحوّل، أصبحت قيادة الضباط العلويين تحت سيطرة صلاح جديد، الذي حلّ محل شقيقه غسان جديد بعد اغتياله عام 1957.


انقلابات سوريا.. الطريق إلى حكم الأسد

بين عامي 1949 و1958، شهدت سوريا سلسلة من الانقلابات العسكرية، قادها ضباط سنة ضد بعضهم البعض، ما أضعف السلطة السياسية السنية، ومهّد الطريق أمام الضباط العلويين لتعزيز نفوذهم.

خلال فترة الوحدة مع مصر (1958-1961)، تم حل الأحزاب السياسية، لكن الضباط العلويين احتفظوا بتنظيمهم العسكري السري بقيادة “اللجنة العسكرية”، التي ضمّت شخصيات بارزة مثل صلاح جديد، وحافظ الأسد، ومحمد عمران.

بعد الانفصال عن مصر، استغلت اللجنة العسكرية رغبة الشعب في إعادة الوحدة، ونجحت في تنفيذ انقلاب 8 مارس/آذار 1963. ورغم أن الضباط السنة حصلوا على المناصب الكبرى، مثل رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع، إلا أن الضباط العلويين كانوا يرسّخون سيطرتهم على الجيش ومؤسسات الدولة.

في عام 1966، أطاح العلويون بالضباط السنة تمامًا، وأصبح صلاح جديد وحافظ الأسد القوة الحقيقية في سوريا. لكن بعد سنوات قليلة، دبّ الخلاف بين الرجلين، فقام حافظ الأسد بانقلاب في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، واعتقل صلاح جديد، ليعلن نفسه رئيسًا لسوريا عام 1971.


عهد حافظ الأسد.. بناء الدولة الأمنية

بعد وصوله إلى السلطة، اعتمد حافظ الأسد على الضباط العلويين للسيطرة على الجيش. وفقًا للمؤرخ نيقولاس فان دام، فإن أبرز قادة الجيش والمخابرات كانوا علويين، بينما كان الضباط السنة والمسيحيون يشغلون مناصب شكلية.

كان سلاح الجو، بقيادة اللواء ناجي جميل (سني من دير الزور)، تحت السيطرة الفعلية للضباط العلويين. كذلك، كان مصطفى طلاس، وزير الدفاع، مجرد واجهة، حيث لم يكن يملك أي سلطة فعلية على الجيش.

استكمل الأسد هيمنته عبر سياسة القمع العنيف، كما حدث في مجازر جسر الشغور وحماة، ما ساعده في ترسيخ حكمه حتى وفاته عام 2000.


سقوط الأسد.. نهاية السيطرة العلوية

مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، بدأ النظام يواجه تحديات غير مسبوقة. انشق العديد من الضباط السنة، مثل عبد الرزاق طلاس ومناف طلاس، ما دفع النظام إلى تجنيد العلويين بكثافة لتعويض خسائره.

بحلول 2012، أصبح العلويون العمود الفقري للقوات الأمنية، لكن الاستنزاف كان كبيرًا، ومع تزايد الضغوط الدولية، انهار نظام الأسد في 8 يناير/كانون الثاني 2024.

بذلك، انتهت هيمنة العلويين على الحكم، التي استمرت نحو ستين عامًا، بعد أن بدأت بدعم من فرنسا، وترسخت عبر الانقلابات، وانتهت بسبب الثورة الشعبية.

اقرأ كذلك: مجزرة حماة 1982: يوم دمرت قوات الأسد المدينة بأكملها لملاحقة جماعة مسلحة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات