كيف تؤثر الأسرة على علاقتك بالمال؟
كيف تشكل الأسرة الشخصية المالية للأفراد؟ دراسة تأثير الأنماط الأسرية على العلاقة بالمال عبر الأجيال وأساليب تحليلها باستخدام أدوات مثل مخطط الجينوم المالي
كيف تؤثر العائلة على علاقتك بالمال؟. تلعب العائلة دورًا أساسيًا في تشكيل علاقات الأفراد بالمال. ليس فقط على مستوى توفير احتياجاتهم الأساسية، بل أيضًا في كيفية التفكير والتعامل مع المال طوال حياتهم. يشير تقرير مجلة فوربس إلى أن العائلة تؤثر بشكل عميق في تحديد سلوكيات الأفراد المالية. هذه التأثيرات تتراكم عبر الأجيال، حيث تتشكل علاقة الفرد بالمال وفقًا لبيئته الأسرية وأنماط سلوك أفراد العائلة.
دور العائلة في تشكيل علاقة الفرد بالمال
تتأثر علاقة الشخص بالمال بشكل كبير بالأجواء الأسرية التي نشأ فيها. وفقًا لتقرير يشمل أبحاث الأستاذ الجامعي شاين إنيت حول الرفاه المالي، فإنه يوضح أن لكل شخص “شخصية مالية” تتحدد بناءً على كيفية تفاعله مع المال، وهذه التفاعلات مرتبطة بتربية الأسرة وتجارب الطفولة. يتخذ المال في الأسرة أدوارًا متعددة تؤثر في طريقة تعامل الأفراد مع مواردهم المالية على مر السنوات.
يعتبر المال أداة مؤثرة في العلاقات الأسرية. فمن خلال تفاعلات الأفراد مع المال داخل الأسرة، يتكون لدى الأطفال أفكار وأساليب معينة حول كيفية التعامل مع المال في المستقبل. كما أن القيم والمعتقدات المتعلقة بالمال، مثل توفيره أو إنفاقه أو استثماره، تنتقل غالبًا من جيل إلى جيل.
الأنماط المالية المتوارثة عبر الأجيال
تؤكد العديد من الدراسات أن العائلة تساهم في تشكيل عادات وسلوكيات الفرد المالية. سواء كانت هذه العادات تتعلق بكيفية ادخار المال، أو كيفية إنفاقه، أو حتى طريقة التفكير في الثروة، فإن تربية الأسرة تلعب دورًا محوريًا في هذه الأنماط. على سبيل المثال، إذا نشأ الطفل في أسرة تنفق بشكل مفرط، فإن هذا الطفل قد يكتسب سلوكيات مشابهة في مرحلة البلوغ.
كما يؤثر أيضًا على الأفراد النمط المالي الذي يتبعه آباؤهم أو الأشخاص المقربون إليهم. في بعض الحالات، قد يتخذ الطفل نمطًا مشابهًا، أو على العكس تمامًا، فينقلب سلوكه المالي إلى النقيض تمامًا كرد فعل نفسي على تجارب الماضي.
أبعاد علاقة الفرد بالمال
بحسب الدراسات الحديثة، هناك ثلاثة أبعاد رئيسية تشكل علاقة الفرد بالمال. هذه الأبعاد هي: الاكتساب (A)، الاستخدام (U)، و الإدارة (M).
- الاكتساب (A): يعتقد الأشخاص الذين يتبعون هذا البعد أن المال هو شيء يجب جمعه. هؤلاء الأفراد يرون أن الهدف من الحياة هو تحقيق الثروة. في بعض الحالات، قد يتحول هذا النمط إلى هوس بجمع المال، فيسعى الفرد لتحقيق الثروة بكل الوسائل. بينما في حالات أخرى، قد يتطور إلى نفي تام للمال باعتباره مصدرًا للفساد والمشاكل. وبالتالي، يتأرجح الشخص بين الطرفين بشكل متطرف: من الهوس بالمال إلى تجنب التعامل معه.
- الاستخدام (U): يرى هؤلاء الأفراد المال كأداة للتمتع بالحياة. يعتقدون أن المال يجب أن يُستخدم لتحقيق المتعة والراحة الشخصية. يمكن أن يرتبط المال لديهم بتوفير تجارب الحياة الممتعة أو تحسين جودة الحياة. ومع ذلك، هناك بعض الأفراد الذين قد يصبحون مدمنين على الإنفاق. البعض الآخر قد يتحول إلى التقشف المفرط خوفًا من المستقبل أو من الشعور بعدم الأمان المالي.
- الإدارة (M): يُعتبر المال في هذا النمط مسؤولية كبيرة تتطلب تخطيطًا دقيقًا. يولي هؤلاء الأشخاص اهتمامًا بالغًا بإدارة إنفاقهم واستثمار أموالهم. قد يتسمون بالحرص المالي ويعملون على تحقيق استقرار مالي طويل الأجل. لكن في بعض الحالات، قد يتطور الأمر إلى هوس مفرط بإدارة المال، مما يؤدي إلى التأثير سلبًا على العلاقات الشخصية والاجتماعية.
تأثير التجارب الأسرية على العلاقة بالمال
تؤكد الدراسات على أن التجارب الأسرية تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل “الشخصية المالية” لكل فرد. على سبيل المثال، إذا كان أحد الوالدين يستخدم المال كمكافأة للسلوك الجيد أو كعقوبة لتصرفات معينة، فقد يتبنى الطفل هذا النمط في حياته المستقبلية. كما أن البيئة الأسرية، سواء كانت توفر أموالًا وفيرة أو تشهد نقصًا في الموارد المالية، تساهم في تكوين أسلوب تفكير الطفل حول المال.
تشير الأبحاث إلى أن بعض الأسر تعلم أبناءها كيفية التعامل مع المال منذ سن مبكرة. قد يتم تعليم الأطفال كيفية ادخار المال، أو كيف يمكن استخدام المال بشكل مسؤول لتحقيق الأهداف الشخصية. في المقابل، قد تتسبب الأسر التي تعاني من مشاكل مالية في تعليم أطفالها شعورًا بالخوف من المال أو حتى القلق حيال الحصول عليه.
استخدام الأدوات التحليلية لفهم الأنماط المالية
لتحديد تأثير العائلة على سلوك الأفراد المالي، طور خبراء العلاج المالي أداة تُسمى “مخطط الجينوم المالي” (Money Genogram). هذه الأداة تعمل على تحليل الأنماط المالية داخل العائلة وتحديد كيفية تأثيرها في الأفراد.
مخطط الجينوم المالي يتضمن عدة خطوات مهمة:
- رسم شجرة عائلية: يتم رسم شجرة عائلية تضم الأفراد المهمين في حياة الشخص وتحليل تفاعلاتهم المالية.
- تصنيف الأفراد وفقًا للأبعاد المالية (A، U، M): يتم تحديد إلى أي من الأبعاد الثلاثة ينتمي كل فرد.
- تقييم السلوك المالي: يتم تصنيف السلوك المالي لكل فرد إلى سلوك صحي (+) أو سلوك غير صحي (-). يساعد هذا التحليل في فهم الأنماط المالية السائدة في الأسرة.
من خلال هذه الأداة، يمكن تحليل تأثير الأسرة على العادات المالية وتحديد ما إذا كانت تلك العادات صحية أم ضارة. على سبيل المثال، إذا نشأ شخص في بيئة عائلية تعتمد على الإنفاق المفرط، فقد يكون لديه ميل قوي لاتباع نفس النمط. في المقابل، قد يظهر شخص آخر ميلًا مفرطًا للتقشف كرد فعل نفسي.
أهمية فهم تأثير العائلة على القرارات المالية الشخصية
يشير التقرير إلى أن فهم أبعاد العلاقة بالمال يعتبر أمرًا بالغ الأهمية. من خلال ذلك، يمكن للأفراد تحسين إدارتهم المالية وتعزيز استقرارهم الاقتصادي. بالإضافة إلى ذلك، يساعد هذا الفهم في التأثير على القرارات المالية بشكل إيجابي، مما يؤدي إلى حياة مالية أكثر استقرارًا ورفاهية.
كما يوصي التقرير باستخدام أدوات تحليلية مثل “مخطط الجينوم المالي” لفهم الأنماط الأسرية وتحديد السلوكيات المالية التي تحتاج إلى تعديل. يساعد هذا التحليل العائلات والأفراد على اكتشاف الأساليب المالية الموروثة التي قد تكون مؤذية أو غير صحية، وبالتالي يتخذون خطوات لتصحيح تلك السلوكيات.
العلاقة بالمال جزء من هويتنا الاجتماعية والنفسية
في الختام، يشير شاين إنيت إلى أن “العلاقة بالمال ليست مجرد مسألة اقتصادية، بل هي جزء من هويتنا النفسية والاجتماعية التي تتشكل عبر الأجيال”. فالعائلة لا تساهم فقط في توفير المال بل أيضًا في تشكيل طريقة تفكير الأفراد حوله. لذلك، يجب مراجعة تأثير العائلة على القرارات المالية الشخصية لضمان تحقيق رفاه مالي متوازنٍ.
كما يؤكد إنيت أن فهم تأثير العائلة على علاقة الفرد بالمال يعد خطوة أساسية نحو تحسين الوضع المالي. عن طريق تحديد الأنماط السلوكية المالية داخل الأسرة وتعديلها إذا لزم الأمر، يمكن للفرد أن يحقق رفاهية مالية متوازنة تتسم بالاستقرار والطمأنينة.
اقرأ كذلك :كيف تجمع الحكومات الأموال؟ تحليل مصادر التمويل في 8 دول عربية