ما هي موارد سوريا التي استولت عليها عائلة الأسد؟
الموقع الجغرافي والموارد الطبيعية لسوريا: أهمية استراتيجية واقتصادية
ما هي موارد سوريا التي استولت عليها عائلة الأسد؟ …. تعد سوريا من أكثر البلدان تأثيرًا من الناحية الجيوسياسية، نظرًا لموقعها الجغرافي الذي يربط بين الشرق والغرب. تشكل سوريا عقدة رئيسية لطرق التجارة الدولية، كما أنها نقطة عبور محورية لمشروعات النفط والغاز التي تربط الجنوب بأوروبا عبر تركيا. تمتد حدودها مع تركيا بطول يقارب 800 كيلومتر، مما يعزز أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية.
إضافة إلى موقعها الجغرافي، تمتلك سوريا موارد طبيعية متنوعة. تشمل هذه الموارد النفط والغاز والفوسفات، إلى جانب موارد أخرى كالأراضي الزراعية الخصبة والآثار التاريخية. كل ذلك جعلها محط أنظار القوى الدولية منذ انهيار الدولة العثمانية.
سوريا: مهد الحضارات الإنسانية
عرفت سوريا عبر التاريخ بأنها مهد الحضارات. انطلقت منها أولى الأبجديات في ماري وأوغاريت وإيبلا. ونسجت حضاراتها القديمة خيوط المعرفة الإنسانية التي أثرت العالم بأسره. لاحقًا، دخل الإسلام إلى سوريا، مما أسس لحضارة إسلامية امتدت من آسيا الوسطى شرقًا إلى الأندلس غربًا، وكانت دمشق عاصمة لهذه الإمبراطورية المزدهرة.
التاريخ السياسي الحديث: من الاستقلال إلى حكم عائلة الأسد
نال السوريون استقلالهم عن فرنسا عام 1946، ليبدأوا فترة من الحكم الوطني امتدت حتى عام 1963. خلال هذه الفترة، شهدت سوريا حياة برلمانية نشطة. لكن انقلاب حزب البعث عام 1963 وضع حدًا لهذه الحقبة، وأدى إلى تأسيس نظام سلطوي رفع شعارات قومية واشتراكية.
في عام 1970، قام حافظ الأسد بانقلاب داخلي في حزب البعث، مستوليًا على السلطة فيما سُمِّي بـ”الحركة التصحيحية”. سرعان ما تحول هذا التصحيح إلى تأسيس حكم عائلي. بعد وفاة حافظ الأسد عام 2000، ورث ابنه بشار الحكم، مستمرًا بأسلوب قمعي يعتمد على الأجهزة الأمنية وقمع المعارضة.
استنزاف الموارد الاقتصادية خلال حكم الأسد
خلال الفترة من 1970 إلى 2024، شهد الاقتصاد السوري تدهورًا كبيرًا. سيطر النظام على معظم الموارد الاقتصادية، وحول البلاد إلى نظام كليبتوقراطي (حكم اللصوص). استفادت فئة قليلة من المقربين من عائلة الأسد، فيما عانى غالبية السكان من الفقر والبطالة.
النفط: تراجع الإنتاج وعائداته
كانت سوريا تمتلك احتياطيًا نفطيًا يقدر بـ2.5 مليار برميل، وفق تقرير موقع “أويل برايسز” الأمريكي. ولكن الإنتاج تراجع بشكل كبير منذ عام 2011. بلغ إنتاج النفط عام 2008 نحو 406 آلاف برميل يوميًا، لكنه انخفض إلى 15 ألف برميل يوميًا في عام 2023. أدى هذا التراجع إلى خسائر كبيرة في عائدات النفط، التي كانت تمثل 50% من الإيرادات العامة بين عامي 1990 و2010.
الغاز الطبيعي: موارد غير مستغلة بالكامل
تبلغ الاحتياطيات المؤكدة من الغاز الطبيعي في سوريا نحو 9 تريليونات قدم مكعبة. يتركز إنتاج الغاز في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة. على الرغم من أن إنتاج الغاز ازداد بنسبة 40% في عام 2009 بفضل مشاريع جديدة، إلا أن الإنتاج انخفض بشكل حاد بعد عام 2011، حيث بلغ 10 ملايين متر مكعب يوميًا في عام 2023.
الفوسفات: مورد استراتيجي
تقدر احتياطيات الفوسفات في سوريا بنحو ملياري طن. يُعد الفوسفات السوري من أجود الأنواع عالميًا. يتم استخراج الفوسفات من مناطق مثل خنيفيس وتدمر. لكن القطاع تعرض للإهمال وسوء الإدارة خلال العقود الأخيرة.
قطاع الزراعة: الركيزة المهملة
كانت الزراعة تُعتبر إحدى الركائز الأساسية للاقتصاد السوري. تشكل الأراضي الصالحة للزراعة نحو 32% من مساحة البلاد، وكان القطاع يستقطب أكثر من 40% من السكان قبل حكم عائلة الأسد. لكن مع بداية الألفية الجديدة، تعرض القطاع الزراعي لإهمال كبير. تراجعت زراعة القمح من 5 ملايين طن سنويًا قبل 2011 إلى نحو مليون طن في عام 2021. كما شهد إنتاج القطن، الذي كان يُعد من أجود الأنواع عالميًا، تراجعًا ملحوظًا.
السياحة: ضحية الصراعات
كانت السياحة أحد القطاعات المزدهرة في سوريا. في عام 2010، بلغ عدد السياح 8.5 ملايين، بعائدات قدرها 8.4 مليارات دولار. لكن مع اندلاع الصراع في عام 2011، تراجعت عائدات السياحة بشكل كبير. وصلت خسائر القطاع إلى نحو 50 مليار دولار بين عامي 2011 و2019.
الاقتصاد السوري: عوامل الانهيار
يرى خبراء الاقتصاد أن السياسات الاقتصادية التي اتبعتها عائلة الأسد ساهمت في انهيار الاقتصاد السوري. اعتمد النظام على نهب الموارد الطبيعية واستثمارها لصالح أفراد العائلة والمقربين. كما أهمل تطوير القطاعات الإنتاجية، مثل الزراعة والصناعة. أدى ذلك إلى تدمير البنية الاقتصادية وتحول سوريا إلى دولة تعاني من أزمات اقتصادية وإنسانية.
تأثير الحرب على الاقتصاد
استمرت الحرب الأهلية السورية منذ عام 2011 في تدمير البنية التحتية والموارد الاقتصادية. تحملت البلاد تكاليف باهظة نتيجة الحرب، مما أدى إلى انهيار الاقتصاد بشكل سريع. استحوذت قوى أجنبية مثل روسيا وإيران على قطاعات إنتاجية حيوية، لتسديد فاتورة الدعم العسكري الذي قدموه للنظام.
تشكل سوريا نموذجًا واضحًا لكيفية تأثير الجغرافيا والموارد الطبيعية على موقع الدولة في الساحة الدولية. لكن على الرغم من هذه المزايا، فإن السياسات الفاسدة وسوء الإدارة خلال حكم عائلة الأسد دمرت الاقتصاد وأثرت سلبًا على حياة الملايين. يبقى المستقبل مرهونًا بإحداث تغييرات جذرية في السياسات الاقتصادية والإدارية لتحقيق التنمية المستدامة وإعادة بناء الدولة.
اقرأ كذلك: سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد: ما هو الاتجاه المقبل؟