مدونات

أرض النهاية: العلامات السبع لزوال إسرائيل

"التحديات التي تواجه مستقبل المشروع الصهيوني: صراعات داخلية. وتنامي الدعم الدولي لفلسطين، وأزمة الهوية في المجتمع الإسرائيلي"

“مستقبل المشروع الصهيوني في ظل التحولات الداخلية والخارجية”في عام 2003. وأثناء انشغال إسرائيل بجهودها للسيطرة على انتفاضة الأقصى، وفي الوقت الذي كانت فيه تحاصر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات داخل مقر الرئاسة بالمقاطعة في رام الله، كتب أبراهام بورغ، رئيس الكنيست الإسرائيلي السابق، مقالاً تحدث فيه عن احتمالية أن يكون جيله هو الجيل الصهيوني الأخير. رأى بورغ أن المشروع الصهيوني الذي نشأ كمشروع استعماري في القرن التاسع عشر قد اقترب من نهايته ولم يعد له مكان في القرن الحادي والعشرين.

على مر العقدين الماضيين، تكرر هذا التحذير بشكل مستمر على ألسنة الكتاب والمفكرين وحتى السياسيين في إسرائيل. على سبيل المثال، أشار الكاتب الإسرائيلي آرييه شافيت في عام 2021 في كتابه “بيت ثالث: من شعب إلى قبائل إلى شعب” إلى إخفاقات إسرائيل على مدار 70 عاماً، مبرزاً أهمية معالجة الصراعات الداخلية في إسرائيل كفرصة أخيرة لبقاء الشعب اليهودي. في سياق مماثل، أصدر نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، وثيقة من 27 صفحة في عام 2022. أكد فيها أن إسرائيل تواجه اختباراً حقيقياً ومفترق طرق تاريخياً. محذراً من خطر الانهيار الداخلي.

وفيما يتعلق بالجانب السياسي، عبر رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك عن قلقه من احتمال زوال إسرائيل استناداً إلى التاريخ اليهودي، مشيراً إلى أن دولة اليهود لم تعمر لأكثر من 80 سنة في فترتين فقط عبر التاريخ، هما فترتا حكم الملك داود والحشمونائيم، وكلتا الفترتين شهدتا تفككاً خلال العقد الثامن. كما وجد هذا النوع من التحذيرات صدى واسعاً بعد عملية *طوفان الأقصى*، التي أظهرت هشاشة نظرية الأمن الإسرائيلي. وفي هذا السياق، نسلط الضوء على العوامل التي يعتبرها بعض الباحثين والمفكرين مهددة لاستمرار المشروع الصهيوني.

 حرب إسرائيل الأهلية

قبيل اندلاع الحرب على قطاع غزة، خرج مئات الآلاف من المستوطنين في مظاهرات ضخمة ضد حكومة بنيامين نتنياهو، في ما سمي بـ “أزمة التعديلات القضائية”. كانت حكومة نتنياهو تسعى لتقليص صلاحيات السلطة القضائية لصالح السلطة التنفيذية، وهو ما أثار اعتراضات شعبية واسعة.

لفهم أسباب هذه الأزمة، يجب النظر إلى تركيبة الحكومة الحالية وتاريخ إسرائيل منذ النكبة. تعتبر حكومة نتنياهو واحدة من أكثر الحكومات تطرفاً. حيث زاد الانقسام الداخلي بين التيارات المختلفة داخل “الأحزاب الصهيونية”. يشير المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه إلى أن هذا الانقسام بين التيارات العلمانية والدينية قد يسهم في نهاية المشروع الصهيوني. ومع انتهاء الحرب الحالية على غزة، قد تزداد حدة الصراع بين التيارات المختلفة، خاصة مع تصاعد نفوذ الأحزاب اليمينية المتطرفة.

في عام 2015، نشر كل من بابيه والمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي كتاباً مشتركاً بعنوان *”عن فلسطين”*، حيث قاما بتحليل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ومقارنته بالنظام القائم في فلسطين. وأشارا إلى أن التحول نحو اليمين المتطرف داخل إسرائيل يعكس فترة مشابهة لنهاية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

 فشل إسرائيل في تحقيق الاستقرار والأمن

منذ تأسيسها، قامت الدولة الصهيونية على عقيدة مفادها أن اليهود لا يمكن أن يشعروا بالأمان إلا داخل دولة يسيطرون على حكومتها. ومع ذلك، لم تستطع إسرائيل حتى الآن تحقيق هذا الأمان الداخلي. يرى العديد من المراقبين أن هذا الفشل يرجع إلى استمرار السياسات القمعية والعنفية التي تتبعها إسرائيل ضد الفلسطينيين. فالاحتلال، والاستيطان، وهدم المنازل، والانتهاكات ضد الشعب الفلسطيني أسهمت في استمرار حالة عدم الاستقرار.

بالإضافة إلى ذلك، فشلت إسرائيل في أن تكون وطناً جامعاً لليهود من جميع أنحاء العالم. فبينما شهد القرنان التاسع عشر والعشرون موجات هجرة كبيرة من اليهود نحو فلسطين، شهد القرن الحادي والعشرون موجات هجرة عكسية. ووفقاً للتقارير، غادر نحو 750 ألف مستوطن إسرائيل حتى نهاية عام 2020، ووصل العدد إلى حوالي 900 ألف بنهاية عام 2022. كما أشارت الإحصائيات إلى أن حوالي 470 ألف إسرائيلي غادروا البلاد منذ بداية عملية *طوفان الأقصى*.

 الدعم الدولي المتزايد للقضية الفلسطينية

خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، شهدت القضية الفلسطينية دعماً غير مسبوق خاصة في الغرب. شملت هذه الموجة من الدعم تظاهرات في شوارع المدن الأوروبية ومواقف مناهضة لنظام الفصل العنصري الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين. أشارت صحيفة فايننشال تايمز إلى أن القضية الفلسطينية استعادت أهميتها في الرأي العام العالمي، خاصةً مع التغطية الإعلامية التي أبرزت معاناة الفلسطينيين.

تزايد دعم الأجيال الشابة في الولايات المتحدة للقضية الفلسطينية، وأظهر استطلاع لمؤسسة *غالوب* عام 2023 أن الشباب الأميركيين يميلون بشكل أكبر لدعم الفلسطينيين مقارنة بالأجيال الأكبر سناً. يشير بابيه إلى أن هذا التحول في الرأي العام قد يدفع المجتمعات الدولية نحو إنهاء نظام الفصل العنصري في فلسطين، مما يهدد استمرار المشروع الصهيوني.

 اعتراف متزايد بالدولة الفلسطينية

خلال عام 2023، اعترفت العديد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين، بما في ذلك إسبانيا. وإيرلندا. والنرويج. كما انضمت دول أخرى في منطقة الكاريبي إلى هذه الخطوة. ليصل إجمالي عدد الدول المعترفة بفلسطين إلى 146 من أصل 193 دولة في الأمم المتحدة. يتماشى هذا التحول مع تنبؤات المفكر عبد الوهاب المسيري. الذي توقع أن يواجه المشروع الصهيوني المصير نفسه لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. حيث لم تتمكن أي قوة استعمارية من القضاء على حركات التحرر على مدار التاريخ.

ارتفاع معدلات الفقر في إسرائيل

في بداية عام 2023، نشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية نتائج مسح أجراه معهد التأمين الوطني الإسرائيلي، أفاد بأن نحو 20% من الإسرائيليين يعيشون تحت خط الفقر. وتعكس هذه الأرقام مشاكل هيكلية يعاني منها المجتمع الإسرائيلي، ما يجعل من الصعب على إسرائيل الحفاظ على استقرارها الاقتصادي.

يرى المفكر عبد الوهاب المسيري أن مشكلة الفقر وتفاقم الأزمات الاقتصادية ستسهم في تسريع الهجرة العكسية من إسرائيل، حيث يضطر العديد من اليهود للهجرة بحثاً عن ظروف معيشية أفضل في الغرب.

 الرفض المتزايد للخدمة العسكرية

كانت الخدمة العسكرية جزءاً أساسياً من العقيدة الإسرائيلية منذ تأسيس الدولة، حيث ركزت على غرس روح القومية بين الشباب. ومع ذلك، شهدت العقود الأخيرة تراجعاً ملحوظاً في معدلات الانخراط في الجيش، وظهرت حركة “بروفايل جديد” التي تدعو إلى إلغاء التجنيد الإجباري. أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تراجع الروح القتالية لدى الشباب الإسرائيلي، حيث أعلن عدد كبير منهم رغبتهم في تجنب الخدمة العسكرية.

وفي الحرب الأخيرة على غزة، قام العشرات من جنود الاحتياط الإسرائيليين برفض الخدمة العسكرية في القطاع. كما حُكم على الشاب تال ميتنيك بالسجن لرفضه الخدمة في الجيش، في حين لجأت إسرائيل إلى تجنيد طالبي اللجوء الأفارقة كحل مؤقت.

 اعتماد إسرائيل على الدعم الخارجي

اعتمد المشروع الصهيوني منذ نشأته على دعم القوى الكبرى، بدءاً من بريطانيا التي لعبت دوراً أساسياً في تأسيس إسرائيل، وصولاً إلى الدعم الأميركي الكبير. ولكن على الرغم من هذا الدعم المستمر، نجد أن المجتمع الإسرائيلي يعاني من هشاشة داخلية تجعل استمراره معتمداً بشكل شبه كلي على الغرب.

في مقال نشره عبد الوهاب المسيري في *الجزيرة نت*، أشار إلى أن فكرة زوال إسرائيل حاضرة في الأدبيات الإسرائيلية نفسها. فكما وصف الروائي الإسرائيلي أبراهام يهوشوا، في روايته “في مواجهة الغابة”، يرمز الحريق الذي أشعله عربي إلى نهاية المشروع الصهيوني.

إن مواجهة هذه التحديات على الأصعدة الداخلية والخارجية تجعل من مستقبل المشروع الصهيوني موضوعاً مثيراً للجدل. يرى العديد من المفكرين والمحللين أن استمرار المشروع الصهيوني على نفس النهج قد يؤدي في النهاية إلى انهيار هذا الكيان، ما لم يحدث تحول جذري في السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والمنطقة المحيطة.

اقرأ كذلك :التكنولوجيا الإسرائيلية المحظورة وتفجيرات “البيجر”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات