مستقبل حماس بعد الحرب: سيناريوهات الحكم وموازين القوى
مستقبل حماس بعد الحرب: سيناريوهات الحكم وموازين القوى .. عشية الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، أدلى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بملاحظة لافتة للنظر. أشار إلى أن حمـ .ـاس نجحت في تعويض خسائرها البشرية خلال الحرب عبر تجنيد مقاتلين جدد، بعدد يقارب ما فقدته. هذه الملاحظة التي جاءت عرضًا خلال حديث مطول، تحمل دلالات مهمة. إذ أثارت تساؤلات حول الموقف الأميركي من حماس بعد الحرب، وما إذا كانت تلك التصريحات تحمل رسالة ضمنية إلى إسرائيل بضرورة التعامل مع حماس كواقع لا يمكن تجاوزه.
حماس كقوة لا يمكن تجاهلها
تشير التحليلات إلى وجود قناعة متزايدة لدى الأطراف الدولية بأن العودة إلى المواجهة العسكرية مع حماس لن تغير شيئًا في المشهد العام. حمـ .ـاس تثبت وجودها كـ”وتد فلسطيني” راسخ في قطاع غزة. حتى مراكز البحث الإسرائيلية، مثل مركز موشيه ديان، تؤكد أن حماس تمكنت من تحقيق مكاسب استراتيجية وسياسية كبيرة من خلال اتفاق وقف إطلاق النار. يقول مايكل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في المركز، إن حماس حصلت على ما كانت تطالب به منذ بداية الحرب: إنهاء القتال وانسحاب القوات الإسرائيلية.
ميلشتاين حذر أيضًا من أن استئناف القتال مع حماس قد يدفع إسرائيل إلى الدخول في “حرب استنزاف” طويلة الأمد. يرى أن حماس مستعدة لإغراق إسرائيل مرة أخرى في مستنقع غزة إذا دعت الحاجة.
التخلي عن الحكم المدني.. خطوة تكتيكية أم استراتيجية؟
تشير تسريبات غير رسمية إلى أن بعض قادة حماس قد أبدوا استعدادهم للتخلي عن الحكم المدني في غزة. ومع ذلك، يبقى الجناح العسكري للحركة جزءًا أساسيًا من المعادلة. هناك تساؤلات متزايدة حول ما إذا كان هذا الجناح سيأخذ منحىً مشابهًا لحزب الله في لبنان، حيث يحتفظ بقدراته العسكرية بينما يترك الحكم المدني لجهات أخرى.
منذ بداية الحرب، ظهرت انقسامات حادة داخل حكومة نتنياهو اليمينية حول مستقبل غزة. بعض الوزراء المتطرفين اقترحوا إعادة “الوجود المدني اليهودي” إلى القطاع. وزير الدفاع السابق يوآف غالانت، الذي أُقيل لاحقًا، اقترح خطة تسمح للجيش الإسرائيلي بالاحتفاظ بما يسمى “الحقوق العملياتية” في غزة، على غرار الوضع في الضفة الغربية.
مستقبل غزة بين السلطة الفلسطينية وحماس
رغم دعوات الولايات المتحدة المتكررة لإشراك السلطة الفلسطينية في مستقبل غزة، تظل هذه الفكرة غير موثوقة بالنسبة للعديد من الأطراف. الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي انتهت ولايته منذ عام 2009، لم يظهر حماسًا لإجراء إصلاحات جذرية في السلطة الفلسطينية. هذه الإصلاحات يُنظر إليها كضرورة لاستعادة الثقة المحلية والدولية بالسلطة.
بالمقابل، تبدو حماس أكثر تنظيمًا وشعبية في القطاع، رغم الدمار الذي خلفته الحرب. البديل الآخر، المتمثل في تشكيل “شرطة عربية” متعددة الجنسيات، يواجه رفضًا إسرائيليًا قاطعًا، مما يزيد من تعقيد المشهد.
خيارات إسرائيل المتضاربة
تظل الخيارات الإسرائيلية لإدارة غزة بعد الحرب متضاربة. نتنياهو أظهر رفضًا لفكرة استبدال حمـ .ـاس بتحالف عربي مؤقت. في تصريحاته، أكد أن القضاء على حماس شرط أساسي لتحقيق النصر، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
عشية الإعلان عن اتفاق الدوحة، أبدى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب التزامًا بالعمل مع إسرائيل لمنع تحول غزة إلى “ملاذ آمن” لحماس. ومع ذلك، لم تفصح إدارته عن رؤية واضحة بشأن مستقبل غزة.
السلطة الفلسطينية والبديل غير الموثوق
الدعوات الدولية لإعادة توحيد غزة والضفة تحت قيادة السلطة الفلسطينية تواجه تحديات كبيرة. السلطة تفتقر إلى الشعبية والثقة داخليًا وخارجيًا. فسادها المتفشي وعدم قدرتها على تقديم إصلاحات حقيقية يعوقان أي دور مستقبلي فعال لها.
البديل السهل المتمثل في السلطة الفلسطينية يظل خيارًا غير موثوق به من قبل الأطراف العربية والغربية على حد سواء. عدم قدرة السلطة على تقديم نموذج حكم مستقر وشفاف يعزز من احتمالية استمرار حماس في السيطرة على القطاع، ولو بشكل غير مباشر.
حماس واستراتيجية البقاء
رغم فواتير الدم والدمار التي دفعتها غزة خلال الحرب، تظل حمـ .ـاس قوة لا يمكن تجاوزها في المشهد الفلسطيني. الحركة تمتلك خبرة طويلة في إدارة القطاع، وتحظى بدعم شعبي كبير داخل غزة وخارجها.
السؤال الذي يظل مطروحًا هو: كيف ستتعامل الأطراف الدولية مع حماس في المستقبل؟ وهل ستتمكن الحركة من الحفاظ على توازنها بين متطلبات البقاء السياسي والضغوط الدولية والإقليمية؟
يبقى مستقبل غزة بعد الحرب مرهونًا بتوازن القوى بين حماس وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، إضافة إلى المواقف الدولية. حمـ .ـاس أثبتت قدرتها على الصمود والبقاء، لكن التحديات المقبلة تتطلب استراتيجية محكمة للتعامل مع الضغوط الإقليمية والدولية.
في النهاية، يبدو أن المشهد الفلسطيني سيدخل مرحلة جديدة من التعقيد. تظل الإجابة عن سؤال من سيتولى إدارة غزة غامضة، لكن المؤكد أن حماس ستبقى لاعبًا رئيسيًا لا يمكن تجاهله.
اقرأ كذلك: لماذا وافقت إسرائيل على الصفقة الآن بعد تعنّت طويل؟