تفاصيل الاتفاق بين دمشق و”قسد”
تفاصيل المفاوضات بين الحكومة السورية وقوات "قسد" وتأثير الاتفاق على استعادة سيادة الدولة السورية وتوجهات القوى الإقليمية والدولية تجاهه

خفايا الاتفاق بين دمشق و”قسد”.قال مدير مكتب الجزيرة في أنقرة، عبد العظيم محمد، إن الاتفاق الذي وقعته الحكومة السورية مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لم يكن وليد اللحظة. وأضاف أن الاتفاق تضمن العديد من النقاط التي كانت تمثل خلافات جوهرية بين الجانبين، ولكن تم التوصل إلى حلول لهذه القضايا بعد مفاوضات مطولة.
في وقت سابق من اليوم الاثنين، أعلنت دمشق عن توقيع هذا الاتفاق الذي ينص على انضمام القوة الكردية إلى جيش الدولة السورية. كما يتضمن منح الأكراد حق المواطنة الكاملة والمشاركة في الحياة السياسية، وهو ما يُعتبر تطورًا مهمًا في العلاقة بين الطرفين.
خلفيات التفاوض:
وفقًا لما كشفه عبد العظيم محمد، فإن مفاوضات هذا الاتفاق استغرقت أكثر من شهرين. كانت هذه المفاوضات تتم في وقت كان فيه الوضع السياسي في سوريا في غاية الحساسية، إذ كان البلد يعاني من تحديات داخلية وخارجية، على رأسها التمرد الدامي الذي وقع في اللاذقية في الأيام الأخيرة. وقد شكل هذا التمرد دليلاً على استمرار التوترات الداخلية وعدم الاستقرار السياسي.
وتابع محمد بأن التفاوض بين الحكومة السورية و”قسد” كان يتسم بالحذر والسرية. قبل أكثر من شهرين، وصل ضابط أمريكي إلى دمشق برفقة قائد قوات “قسد”، مظلوم عبدي. ولكن الرئيس السوري أحمد الشرع رفض التفاوض مع هذا الضابط الأمريكي، وهو ما يعكس أحد ملامح التوتر بين دمشق وواشنطن في هذه الفترة.
محاولات الشروط والتنازلات:
في سياق هذه المفاوضات، حاول الرئيس السوري أحمد الشرع إقناع قائد قوات “قسد”، مظلوم عبدي، بالانضمام إلى الدولة السورية من خلال تقديم تنازلات عدة. وقد كان الشرع يسعى بكل الطرق إلى جذب عبدي نحو الدولة السورية، في محاولة منه للحد من الانقسامات الداخلية، وتعزيز الوحدة الوطنية في سوريا.
وأكد محمد أن الجهود المبذولة كانت تهدف إلى تحقيق توافق بين الجانبين، وهو ما تجسد في اتفاق على تسع نقاط من أصل عشر كانت تمثل نقاط خلاف أساسية بين الطرفين. وكانت النقطة العاشرة، التي تظل مثار جدل، هي موضوع سجون تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) التي تصر “قسد” وواشنطن على إبقائها تحت سيطرة الأكراد.
وطلب الشرع من عبدي التوقيع على التسع نقاط التي تم الاتفاق عليها، مع إرجاء النقاش حول النقطة العاشرة إلى مرحلة لاحقة. وقد أعرب الشرع عن أمله في أن يتم التوصل إلى حلول وسط بشأن هذه النقطة في المستقبل، لكن النقطة الأخرى كانت تعتبر أكثر أهمية في هذه المرحلة من المفاوضات.
نقطة الخلاف: سجون داعش:
كانت سجون تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هي واحدة من النقاط العالقة التي أثارت الجدل بين الجانبين. تصر قوات “قسد” والولايات المتحدة على بقاء هذه السجون تحت سيطرة الأكراد، وهو ما يثير اعتراضات من قبل الحكومة السورية. ووفقًا لعبد العظيم محمد، فإن هذه القضية كانت محل نقاش طويل ومعقد بين الجانبين، وهو ما يعكس صعوبة التوصل إلى اتفاق كامل دون حل هذا الخلاف.
لكن الرئيس السوري أحمد الشرع كان حريصًا على إبقاء عملية المفاوضات قائمة، وطلب من عبدي التوقيع على النقاط التسع المتفق عليها بشكل عاجل. وفيما يتعلق بالسجون، فقد اقترح الشرع أن يتم تأجيل النقاش حول هذا الموضوع إلى وقت لاحق. كما أضاف أن سوريا مستعدة للتفاوض على أي نقطة أخرى في المستقبل، بما في ذلك إدارة سجون داعش، لكن يجب أن يتم الاتفاق على الأساسيات أولًا.
العبادي: ليس صاحب القرار:
كشف عبد العظيم محمد أن قائد “قسد”، مظلوم عبدي، أكد خلال المفاوضات أنه ليس هو الشخص الذي يملك القرار النهائي بشأن إخضاع مناطق قسد للإدارة السورية الجديدة. وأضاف عبدي أنه يحتاج إلى موافقة من بعض الأطراف الأخرى، أو ما سماها “مرجعياته”، قبل أن يتخذ أي خطوة في هذا الاتجاه.
رد الرئيس السوري أحمد الشرع على هذا التصريح، مؤكدًا أنه لا يمكن التفاوض مع شخص لا يملك القدرة على اتخاذ القرار بنفسه. طلب الشرع من عبدي العودة إلى مرجعياته للحصول على المشورة واتخاذ قرار مستقل. وبذلك، كانت هذه اللحظة تعبيرًا عن أهمية السيادة في عملية التفاوض، حيث تم التأكيد على ضرورة أن يكون الطرف الذي يجري المفاوضات قادرًا على اتخاذ القرارات النهائية.
خطوة نحو توحيد الشعب السوري:
في سياق المفاوضات، أكد الشرع لعبدي أن الهدف النهائي لهذا الاتفاق هو توحيد الشعب السوري دون تدخل من أي أطراف خارجية. كانت هذه الرسالة مهمة، لأن سوريا كانت في مرحلة حساسة، وكان هناك قلق من تدخلات خارجية قد تعقد الأمور أكثر. وقد أعرب الشرع عن رغبته في تعزيز وحدة الدولة السورية واستقرارها، وهو ما يعكس التوجه نحو تقوية السلطة المركزية في البلاد.
بعد هذه المفاوضات، غادر عبدي دمشق دون أن يقدم ردًا محددًا بشأن النقاط التي تم الاتفاق عليها. ولكن بعد عدة أيام، جاء الإعلان الرسمي عن التوصل إلى الاتفاق بين الحكومة السورية و”قسد”، وهو ما شكل مفاجأة للكثيرين نظرًا للظروف المعقدة التي مرت بها سوريا في الفترة الأخيرة.
مفاجأة الإعلان:
كان الإعلان عن التوصل إلى هذا الاتفاق اليوم مفاجئًا، خاصة أنه تم في وقت عصيب وحساس. ففي ذلك الوقت، كانت هناك مخاوف من الانقسام الداخلي والتفكك السياسي في سوريا. كانت تثار الكثير من المخاوف بشأن الوضع في الساحل السوري، حيث كانت هناك تقارير عن تمردات قد تؤدي إلى انقسام البلاد. إضافة إلى ذلك، كان هناك قلق من الانشقاقات بين الجماعات المسلحة التي تعمل في مناطق مختلفة من سوريا.
ولكن الاتفاق بين دمشق و”قسد” أحدث تحولًا كبيرًا في هذا السياق، وأعاد إلى الدولة السورية مكانتها. فبما أن “قسد” تمتلك قوة عسكرية وسياسية قوية، فضلاً عن أنها تسيطر على مناطق كبيرة في شمال وشرق سوريا، فإن استعادة هذه المناطق تحت مظلة الدولة السورية يمثل انتصارًا كبيرًا في مسار استعادة سيادة الدولة.
تأثير الاتفاق على الوضع الداخلي والخارجي:
منذ الإعلان عن الاتفاق، أصبح الوضع الداخلي في سوريا أكثر استقرارًا. وقد اعتبر الاتفاق بمثابة بداية مرحلة جديدة من التوافق السياسي بين مختلف الأطراف السورية. علاوة على ذلك، قد يساهم هذا الاتفاق في تقليل حدة التوترات بين مختلف القوى العسكرية والسياسية التي تعمل في سوريا.
أما على الصعيد الدولي، فقد كانت هناك ردود فعل مختلفة على الاتفاق. وفقًا لعبد العظيم محمد، فإن هناك ثلاث دول رئيسية معنية كثيرًا بهذا الاتفاق: تركيا، الولايات المتحدة، وإسرائيل.
الموقف التركي:
توقع محمد أن تركيا ستبدي ترحيبًا حذرًا بهذا الاتفاق، في انتظار الكشف عن آلية تنفيذ الاتفاق وحسم مصير المقاتلين الأجانب في “قسد”. ويبدو أن تركيا قد تكون مهتمة بأن تكون هناك ضمانات من قبل الحكومة السورية بشأن وضع الأكراد في شمال سوريا، خاصة في مناطق مثل عفرين وكوباني، التي تعتبر تركيا أن لها مصالح استراتيجية فيها.
الموقف الأمريكي:
من ناحية أخرى، أكد محمد أن الولايات المتحدة سترحب بالاتفاق، خاصة أنها كانت قد أعربت سابقًا عن رغبتها في سحب قواعدها العسكرية من سوريا. وأشار إلى أن واشنطن قد مارست ضغوطًا على “قسد” للتوصل إلى اتفاق مع الدولة السورية، وهو ما يحقق أهدافًا أمريكية طويلة الأمد في تقليل الانخراط العسكري المباشر في سوريا.
الموقف الإسرائيلي:
أما بالنسبة لإسرائيل، فكانت ردود فعلها سلبية، حيث أبدت قلقها من هذا الاتفاق، لأنه يقطع الطريق أمام محاولاتها لتقسيم سوريا وإضعافها. إسرائيل كانت تأمل أن تظل سوريا في حالة انقسام وضعف، مما يتيح لها تنفيذ أجنداتها الإقليمية بشكل أسهل.
من خلال هذا الاتفاق، تمكنت الحكومة السورية من تحقيق خطوة كبيرة نحو استعادة سيادتها على الأراضي التي كانت تحت سيطرة “قسد”. ورغم التحديات والصعوبات التي قد تواجه تنفيذ هذا الاتفاق، إلا أن الخطوة تمثل بداية مرحلة جديدة في مسار حل الأزمة السورية. كما أن هذا الاتفاق سيكون له تداعيات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وسيمثل اختبارًا حقيقيًا لإرادة سوريا في الحفاظ على وحدتها وسيادتها في ظل ضغوطات وتحديات عديدة.
اقرأ كذلك :واشنطن بوست: لغة الجسد تكشف ما دار في لقاء ترامب وزيلينسكي