مدونات

كيف يمكن لتركيا تعزيز وضعها المتميز في سوريا؟

لا يزال مدى تدخل تركيا في هجوم المعارضة السورية، الذي أدى إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، غير واضح تمامًا. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن هذا النصر جاء نتيجة عوامل حاسمة، كان للدور التركي تأثير جوهري فيها.

لقد شكّل التدخل العسكري التركي المباشر في عام 2016 نقطة تحول كبيرة في الحرب، حيث جعل من الصعب على النظام السوري وحلفائه تحقيق انتصار حاسم أو القضاء على المعارضة في شمال غرب البلاد. كما أن هيئة تحرير الشام، التي تدير إدلب حاليًا، استفادت من اتفاقية خفض التصعيد الرابعة، التي ساعدتها على ترسيخ حكمها وتعزيز قوتها العسكرية بعيدًا عن تهديد النظام وحلفائه.

السياسة التركية وتقلبات الصراع السوري

شهدت السياسة التركية في سوريا العديد من المنعطفات، حيث تأثرت بشكل واضح بتغيرات الحرب. فمع التدخل الروسي منتصف العقد الماضي، والدعم الأمريكي لمشروع الحكم الذاتي الكردي، وجدت أنقرة نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم استراتيجياتها. ووصلت هذه التقلبات إلى حد أن الرئيس رجب طيب أردوغان كان يسعى قبل فترة وجيزة من سقوط النظام إلى المصالحة مع الأسد.

لكن، على مدى عقد من الزمن، كانت أنقرة تعمل على تحقيق التحول الذي حدث في الثامن من ديسمبر/كانون الأول. وهذا التحول فتح أمامها فرصة كبيرة لمعالجة التحديات المزمنة التي أفرزتها الحرب، مثل قضية اللاجئين، ومشكلة الوحدات الكردية في شمال شرق سوريا.

تركيا والرؤية المستقبلية لسوريا

يعتقد الكثيرون أن تركيا هي الرابح الأكبر من هذا التحول، وأن لها دورًا محوريًا في تشكيل النظام السياسي الجديد في دمشق. لكن، يجب على أنقرة أن تتجنب الشعور بالغرور أو الاعتقاد بأن مكانتها في سوريا باتت مضمونة على المدى الطويل.

فالنجاح المتوقع من التحول السوري يعتمد على مدى استقرار هذا التغيير، إذ إن أي فشل قد يحوّل المكاسب إلى تحديات جيوسياسية خطيرة لأنقرة. ويبدو أن أردوغان يُدرك ذلك جيدًا، حيث يحدد أولويات بلاده بواقعية لضمان تحقيق الاستفادة القصوى من التطورات الجديدة.

أولويات تركيا بعد التحول السوري

تركز أنقرة على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية في سوريا:

  1. ضمان انتقال سياسي ناجح تسعى تركيا إلى دعم إنشاء نظام مُنتخب يُعبّر عن تطلعات السوريين بمختلف أطيافهم. كما تدعم استعادة دمشق سيادتها على كافة أراضيها، بما في ذلك المناطق التي تُسيطر عليها الوحدات الكردية.
  2. تعزيز شرعية الإدارة الجديدة تعمل أنقرة على دفع الدول الكبرى للتعامل مع الحكومة السورية الجديدة، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، مما يساعد في تحقيق الاستقرار.
  3. إشراك دول المنطقة في دعم سوريا تؤمن تركيا بأن إعادة الإعمار تتطلب دعمًا ماليًا هائلًا، لا يمكن تحقيقه دون مشاركة الدول الخليجية. لذا، تحاول أنقرة حشد دعم إقليمي لتسريع عملية التعافي الاقتصادي، مما يُحفّز اللاجئين السوريين في تركيا ودول الجوار على العودة إلى وطنهم.

العلاقة التركية-السورية الجديدة

يشير التوجه التركي إلى أهمية بناء علاقة متوازنة مع الإدارة السورية الجديدة، بهدف تعزيز النفوذ التركي في تشكيل مستقبل سوريا. ومع ذلك، فإن دمشق تُبدي اهتمامًا بإقامة علاقات متينة مع الدول العربية، لا سيما السعودية، ما يعكس رغبتها في تنويع شراكاتها الإقليمية.

هذا التوجه يبدو منطقيًا نظرًا للتوازنات الجيوسياسية التي تفرض نفسها على سوريا، وكذلك الحاجة إلى دعم مالي واسع لإعادة الإعمار. لذلك، من مصلحة تركيا دعم هذه الاستراتيجية لطمأنة دول المنطقة بأن سوريا لن تكون خاضعة للهيمنة التركية.

التحديات التي تواجه تركيا في سوريا

على الرغم من الفرص الكبيرة التي يوفرها التحول السوري، إلا أن هناك تحديات قد تعيق تحقيق الأهداف التركية:

  1. العقوبات الغربية المفروضة على سوريا يتطلب تخفيف هذه العقوبات جهودًا دبلوماسية مكثفة من أنقرة تجاه الدول الغربية، وهو أمر قد يواجه عقبات، خاصة مع استمرار المخاوف الأمريكية بشأن النفوذ التركي في المنطقة.
  2. مشكلة الوحدات الكردية تعتبر قضية الوحدات الكردية إحدى العقبات الرئيسية أمام تركيا، إذ ترفض واشنطن التخلي عن دعم هذه الفصائل. لذا، تحتاج أنقرة إلى دبلوماسية فعالة مع الولايات المتحدة لتجاوز هذا التحدي دون اللجوء إلى تحركات عسكرية جديدة قد تُعقد الوضع أكثر.
  3. دور تركيا في توجيه عملية التحول إن نجاح تركيا في ضمان انتقال سياسي شامل يتطلب توظيف نفوذها لدفع الإدارة السورية الجديدة نحو تحقيق وعودها بالإصلاح، ومنح كافة المكونات السورية حقوقها.

الدور التركي في تحقيق الاستقرار الإقليمي

تؤكد أنقرة باستمرار على ضرورة تشكيل حكومة انتقالية شاملة في سوريا، لكن يجب أن يكون هذا الأمر أكثر من مجرد تصريحات، إذ يتطلب تنفيذًا عمليًا لضمان تحقيق الاستقرار. كما أن السياسة التركية في المرحلة المقبلة ستكون تحت رقابة المجتمع الدولي، خاصة فيما يتعلق بإدارة عملية التحول السياسي.

إذا تمكنت تركيا من إقناع الإدارة السورية الجديدة بأن انفتاح العالم عليها يعتمد على التزامها بمعايير دولية واضحة، فإنها ستعزز دورها كوسيط إقليمي مهم.

الفرص الجيوسياسية لتركيا بعد التحول السوري

يُعتبر التحول السوري فرصة ذهبية لأنقرة لتحقيق نجاح استراتيجي كبير. فمن خلال إدارة ناجحة لهذا التغيير، يمكن لتركيا أن تعزز مكانتها كقوة إقليمية جديدة قادرة على التأثير في مستقبل الشرق الأوسط.

نجاح تركيا في هذا الملف لن يقتصر على تعزيز دورها في سوريا، بل سيمتد ليؤثر على صورتها الدولية، ويعزز نفوذها في المنطقة، مما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في تحقيق الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط الجديد.

تمثل التطورات الأخيرة في سوريا نقطة تحول رئيسية، تتيح لتركيا فرصة فريدة لتعزيز نفوذها الإقليمي. لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب استراتيجية متوازنة تعتمد على دبلوماسية فعالة، وانخراط إيجابي في دعم التحول السياسي، إضافة إلى تعزيز الشراكات الإقليمية والدولية.

في النهاية، فإن نجاح تركيا في إدارة هذا الملف لن يقتصر على تحقيق مكاسب جيوسياسية، بل سيسهم أيضًا في بناء شرق أوسط أكثر استقرارًا، حيث تلعب أنقرة دورًا بارزًا في تشكيل مستقبل المنطقة.

اقرأ كذلك:

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات