هل تسهم استقالة رئيس البنك المركزي التركي في تغيير السياسات الاقتصادية والمالية؟
أعلنت حفيظة غاية أركان، محافظة البنك المركزي التركي، استقالتها. وذلك بعد فترة قصيرة من توليها المنصب. حيث لم تدم مدة خدمتها سوى ثمانية أشهر. هذه الاستقالة لم تأتِ كمفاجأة للمراقبين الاقتصاديين في تركيا. ما زاد الأمر تعقيداً، إعلان الرئاسة التركية الذي بدا وكأنه يشير إلى إقالة أركان بدلاً من مجرد استقالة. بالإضافة إلى ذلك، تم تعيين فاتح كاراهان، نائب أركان، محافظًا جديدًا للبنك المركزي.
أوضحت أركان في تغريدة لها على منصة “إكس” أن قرارها بالاستقالة جاء لحماية عائلتها وطفلها الصغير. الذي لم يتجاوز عمره عاماً ونصف، من تأثيرات حملة تشويه سمعتها.
من ناحية أخرى، تناقلت وسائل الإعلام التركية الشهر الماضي، شكوى قدمتها إحدى موظفات البنك المركزي. هذه الشكوى تتهم أركان بمنح والدها صلاحيات واسعة داخل البنك، شملت التدخل في تعيين وفصل الموظفين. واستخدام المرافق والمنتجعات التابعة للبنك لأغراض عائلية. هذه الاتهامات أثارت ضجة كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
رغم محاولات دينيز الإعلامية للحصول على تعقيب من مركز الاتصال التابع للرئاسة التركية حول القضية. إلا أنهم امتنعوا عن التعليق، سواء بالنفي أو التأكيد.
إضافةً إلى ذلك، أفادت بعض الصحف المحلية بشعور رئيس الجمهورية التركية بالانزعاج من تصريحات أدلت بها أركان حول ارتفاع أسعار الإيجارات وغلاء المعيشة في إسطنبول. هذا الشعور دفع أركان للانتقال للعيش مع والدتها بعد فشلها في إيجاد مسكن بسعر مقبول.
فاتح كاراهان: محافظ البنك المركزي التركي الجديد بمسيرة مهنية متنوعة
يستعد فاتح كاراهان، محافظ البنك المركزي التركي الجديد، لعقد أول اجتماع له في الثامن من فبراير/شباط القادم. وُلد كاراهان في مدينة إسكي شهير في العام 1982 ويتميز بمسيرة أكاديمية ومهنية متنوعة. بعد تخرجه من قسم الرياضيات والهندسة الصناعية بجامعة بوغازيتشي في العام 2006. واصل تعليمه في الولايات المتحدة حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بنسلفانيا في العام 2012.
بدأ كاراهان مسيرته المهنية في بنك الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك وتقلد عدة مناصب مرموقة هناك حتى العام 2022. بعد ذلك، انتقل إلى أمازون حيث عمل كخبير اقتصادي، ثم تم تعيينه كبير الاقتصاديين في نوفمبر من نفس العام.
وفي يوليو/تموز 2023. تحولت مسيرة كاراهان المهنية إلى آفاق جديدة حيث انتقل إلى البنك المركزي التركي ليشغل منصب نائب المحافظ. مضيفاً بذلك بُعداً جديداً ومتميزاً إلى مسيرته العملية الرائدة.
تأثير استقالة محافظ البنك المركزي على الاقتصاد التركي
شهدت الليرة التركية تقلبات كبيرة عقب الإعلان عن استقالة محافظة البنك المركزي. حيث وصل سعر الدولار إلى حوالي 30.5 ليرة تركية. رداً على ذلك. تحرك الرئيس التركي بسرعة وعين نائب المحافظ، فاتح كاراهان. في منصب المحافظ، في محاولة لاستعادة الثقة في الأسواق المالية.
تعليق وزير المالية والخزانة التركي، محمد شيمشك، على الاستقالة كان له دور كبير في تهدئة المستثمرين. أكد شيمشك أن قرار حفيظة غاية أركان كان شخصياً وأعرب عن التزامه بالمضي قدماً نحو استقرار الأسعار من خلال التعاون والتنسيق المشترك.
من جهته، أصدر بنك “جيه بي مورغان” الأميركي تقريراً يتوقع فيه تشديد السياسة النقدية تحت قيادة كاراهان. الذي يُنظر إليه كأحد المدافعين عن النهج النقدي المتشدد. يرى التقرير أن هذا التحول يمكن أن يسهم في خفض معدل التضخم وتعزيز قيمة الليرة التركية. ويشير إلى أن السياسة النقدية ستركز بشكل أكبر على مكافحة التضخم. مما يعني الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول. مع الإشارة إلى أن عدم اليقين بشأن مدة بقاء رؤساء البنك المركزي يظل مصدر قلق للمستثمرين.
يعتبر الباحث الاقتصادي محمد أبو عليان أن عدم استمرارية محافظي البنك المركزي لفترات طويلة، لا تقل عن خمس سنوات. يشير إلى ضعف استقلالية البنك المركزي وسياسته النقدية. هذا الوضع يؤثر سلباً على الاستقرار الاقتصادي ويعكس صورة غير مواتية للبلاد على الصعيد الدولي.
تأثير استقالة محافظ البنك المركزي والاستقرار الاقتصادي المتوقع
لم تأتِ استقالة المحافظ السابقة للبنك المركزي، بعد الضغوط الإعلامية الموجهة ضد عائلتها. كمفاجأة للمحلل الاقتصادي أبو عليان. يرى أبو عليان أن تأثير هذه الاستقالة على الليرة والسياسة النقدية قد يظل محدوداً حتى يتبين مدى تأثير السياسات التي سينتهجها المحافظ الجديد. ولا يتوقع أن يجري المحافظ الجديد تغييرات جذرية. خاصة وأن وزير المالية والخزانة التركي، محمد شيمشك، الذي له تأثير كبير على السياسات الاقتصادية، هو من اقترح تعيينه.
يعكس هذا التعيين التزاماً بالاستمرارية في السياسة الاقتصادية الحالية. بما يتوافق مع أهداف الخطة المتوسطة المدى التي تم الإعلان عنها في ديسمبر 2023. من ناحية أخرى، يرى الباحث الاقتصادي جاهد كابجي أن القلق الذي أحاط بإقالة المحافظ كان مبالغاً فيه. في تصريح، ذكر كابجي أن الأسواق استقبلت التغيير بإيجابية.
كما أشار إلى أن الشائعات التي طالت حفيظة أركان كانت تهديداً لسمعة المؤسسة، مما جعل إقالتها خطوة ضرورية ومفيدة للحفاظ على مصداقية البنك المركزي.
تحديات كبرى تواجه المحافظ الجديد للبنك المركزي التركي
يتوقع المحلل الاقتصادي أبو عليان أن يواجه المحافظ الجديد للبنك المركزي التركي سلسلة من التحديات الكبيرة. في مقدمة هذه التحديات يأتي التعامل مع معضلة التضخم المرتفع والعمل على استقرار قيمة الليرة التركية. يشمل ذلك أيضًا جهودًا لتعزيز الثقة في العملة المحلية وتشجيع الأفراد على الادخار بالليرة التركية، بالإضافة إلى السعي لتقليل الاعتماد الزائد على الدولار الأمريكي، وهو ما يُعرف بـ”الدولرة”.
أضاف أبو عليان أن من ضمن المهام الرئيسية التي تقع على عاتق المحافظ الجديد، معالجة مسألة التضخم. ومع ذلك، سيكون مطالبًا بخفض أسعار الفائدة بشكل مدروس للتوافق مع السياسات التي ينتهجها الرئيس التركي. هذا يضع المحافظ الجديد أمام تحدٍ يتمثل في إيجاد التوازن بين تطبيق سياسات نقدية فعّالة وتلبية توقعات الجهات السياسية.
سجل تغييرات رئاسة البنك المركزي التركي
شهد البنك المركزي التركي سلسلة من التغييرات في قيادته خلال السنوات الأخيرة. تضمنت هذه التغييرات:
– استقالة حفيظة غاية أركان في تاريخ 2 فبراير/شباط 2023.
– إقالة شهاب قاوجي أوغلو في تاريخ 9 يونيو/حزيران 2023.
-كذلك إقالة ناجي أغبال في تاريخ 20 مارس/آذار 2021.
– إقالة مراد أويصال في تاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
– كذلك إقالة مراد شيتين كايا في تاريخ 6 يوليو/تموز 2019.
هذه التغييرات المتتالية في رئاسة البنك تعكس الطبيعة المتقلبة للسياسة النقدية والإدارة المالية في تركيا خلال هذه الفترة.