هل تزيد حرب غزة من احتمالية نشوب حرب عالمية؟
تحليل الآثار المحتملة للاستمرار في الحرب على غزة على السياق الدولي والإقليمي واحتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة
توافق معظم الباحثين والمراقبين على أن الصراع الجاري في غزة يختلف تماماً عن المواجهات السابقة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال. لقد منحت هذه الحرب بُعداً إقليمياً ودولياً غير مسبوق. ويرى البعض أنها قد تتسبب في تفاقم الأوضاع ودفع بالعالم نحو نشوب صراع عالمي ثالث.
تأثيرات الحرب في غزة على الساحة الدولية
في أي خريطة لدول العالم، يظهر قطاع غزة كجزء صغير جدًا من فلسطين. حيث لا يتجاوز مساحته 2% من المجموع الجغرافي. ومع ذلك، فإن الحرب الحالية في غزة أصبحت محط أنظار العالم. نظرًا لاستثنائيتها وتأثيرها على الساحة الدولية.
هذه الحرب لها تأثيرات متعددة، تبدأ من رمزية القضية الفلسطينية ومواقف الأطراف المختلفة منها. وتمتد إلى السياق الإقليمي والدولي، مع تداعيات مثل وباء كورونا المستجد والتوترات الدولية الأخرى.
وعلى نطاق أصغر، تُلقي هذه الحرب بظلالها على التطبيع العربي مع إسرائيل وتقييم مواقف مختلف الأطراف. مما يؤثر على العلاقات الإقليمية. وعلى الصعيد الدولي، تركز الانعكاسات على مواقف الدول الغربية. مثل الولايات المتحدة، وكيفية تأثير هذه المواقف على العلاقات المستقبلية والنظرة للحضارة الغربية. ويُعد انتشار حركة مقاطعة الشركات الداعمة للاحتلال مؤشرًا على شرخ الثقة بين العالم العربي والإسلامي والعالم الغربي.
تأثير الحرب في غزة على احتمالية نشوب حرب عالمية
في الوقت الحالي، يثير النقاش حول الحرب في غزة وتداعياتها الدولية تساؤلات حول إمكانية إشعال حرب عالمية ثالثة. فمن يرون ذلك مبالغة وتضخيماً، وآخرون يعتبرون هذا الاحتمال واقعياً، مما يدعو إلى ضرورة فتح حوار حول هذا الموضوع.
الحرب العالمية تعرف عموماً بأنها صراع مسلح يشارك فيه عدة دول من مختلف أنحاء العالم. وتُبسّط بعض التعاريف الحرب العالمية بأنها صراع بين القوى الكبرى.
تتطلب الحرب العالمية تاريخاً طويلاً، وتتضمن سلسلة من الصراعات والحروب قبل تسميتها بتلك الصفة. تنشأ الحروب العالمية نتيجة تصاعد التوترات والصراعات المحلية التي تتوسع بتداعياتها لتشمل عدة مناطق. ودخول دول جديدة في الصراع بشكل مستمر حتى يتفاقم النزاع إلى حد اللاعودة.
وإلى جانب الأسباب المباشرة، هناك عوامل حقيقية تسهم في نشوب الحروب العالمية. مثل الأزمات الاقتصادية، والتنافس الدولي، وتصاعد التيارات اليمينية، والمناطق النزاعية، والقيادات المتطرفة. وضعف المؤسسات الدولية.
فكما حدث في الحرب العالمية الثانية، حيث ساهم الكساد الكبير ونمو النازية والفاشية وسباق التسلح وغزو الدول لبعضها البعض في اندلاعها، يتوقع بعض الخبراء أن تأثيرات الحرب في غزة قد تعمل على زيادة احتمالية نشوب حرب عالمية ثالثة.
تشابه الأوضاع الدولية ومخاطر نشوب حرب بعد حرب غزة
لا يمكن إغفال التشابه البارز بين الظروف الدولية الراهنة وتلك التي سادت قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية. فالأزمات الاقتصادية العالمية المتكررة، والتي عمقها وباء كورونا. والتنافس المتزايد بين الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، والنزاعات الدائرة في مناطق مثل أوكرانيا. وفلسطين، وسوريا، وجنوب القوقاز، والتوترات المحتملة في مناطق مثل بحر الصين الجنوبي وشرق المتوسط والبلقان. وتصاعد التيارات اليمينية المتطرفة في بعض الدول الغربية. كل هذه العوامل تخلق بيئة دولية متوترة ومشابهة بشكل كبير للظروف التي كانت سائدة قبل عام 1939. خاصة مع ضعف الأمم المتحدة ومجلس الأمن في التصدي لهذه التحديات.
رغم أن الاعتراضات على النظام الدولي وضعف أداء مجلس الأمن في قضايا الأمن الدولي لها جذور طويلة. إلا أن الحرب في غزة أظهرت حالة من العجز للمؤسسات الدولية وغياب اهتمام القوى الكبرى بها.
فشل مجلس الأمن الدولي مرارًا في إصدار قرارات لوقف إطلاق النار في غزة. بسبب استخدام الولايات المتحدة (وغيرها) حق النقض (الفيتو). في حين صدرت قرارات أخرى تتعلق بالهدنة الإنسانية وإدخال المساعدات بعد رفض الولايات المتحدة التصويت. وتغيير نص القرارات المقترحة تحت ضغط من واشنطن.
على الرغم من أن 120 دولة صوتت لصالح قرار بوقف إطلاق النار في غزة في الجمعية العامة. و153 دولة صوتت لصالح قرار مماثل في مجلس الأمن. إلا أن واشنطن استخدمت الفيتو لمنع اتخاذ أي قرار ينص على وقف إطلاق النار. مما يظهر كيف يمكن لدولة واحدة أن تعرقل جهود الجماعة الدولية في حماية السكان وتعزيز السلام. وكيف يصبح مجلس الأمن مؤسسة عاجزة في مواجهة أي تحديات تواجهها.
تحليل للاحتمالات والآثار العالمية
في مقابل الحديث عن احتمالية نشوب حرب عالمية ثالثة بسبب الأحداث في غزة. يُرى من قبل الكثيرين أن الواقع الحالي لا يشير إلى هذه الاحتمالية. يستندون إلى المواقف “الهادئة” للصين وروسيا. وإلى حد أقل إلى تصريحات إيران التي أكدت عدم رغبتها في المشاركة في تلك الحروب. وهذا الرأي يحمل وزنًا كبيرًا.
ومع ذلك، يجب التنبيه إلى أن احتمالات التوسع قائمة وتزيد كلما استمر العدوان على غزة. وكلما انخرطت أطراف إضافية مثل حزب الله في لبنان وأنصار الله/الحوثيين في اليمن. يظهر أن مستويات التوتر والتصعيد في مختلف الجبهات تتزايد بشكل مستمر.
يجب ألا نتجاهل حقيقة أن الكثير من الحروب تندلع دون إرادة مباشرة. بل نتيجة لأخطاء غير مقصودة أو حسابات غير دقيقة، وتدحرج الأحداث بشكل غير منظم وغير مقصود.
من جهة أخرى، فإن سعي الولايات المتحدة لاحتواء الحرب في غزة قد أدى إلى نتائج عكسية. حيث توسعت الحرب وتعمقت، خاصة في جنوب لبنان وجنوب البحر الأحمر.
مع استمرار الحرب وتفاقمها، تزداد مخاطر توسعها وتعمقها. كل توسع جديد يحمل مخاطر توسع وتعمق أكبر وانخراط أطراف جديدة. فإن كل تغيير ملموس يعني إنتاج مخاطر جديدة ووضع مصالح إضافية على المحك، وإضافة حسابات لم تكن قائمة سابقًا.
استمرار الحرب على غزة أدى إلى انخراط حزب الله والحوثيين، واستمرار ذلك يحمل مخاطر انخراط إيران، مما يرفع من احتمالات تدخل روسيا و/أو الصين بدرجة أو بأخرى.
إذا كان هناك من يعتبر أن الانتخابات الرئاسية الأميركية تمثل عائقًا قويًا أمام توسع الحرب، فإن هذا المعطى قد يدفع أطرافًا أخرى لاختبار موقف الولايات المتحدة وصبرها.
في الختام، يظهر أن الحرب على غزة، وفقًا لهذا التحليل، ليست سببًا مباشرًا لنشوب حرب عالمية، ولكنها تزيد من ضعف النظام الدولي وتقوّض المؤسسات الدولية المرجعية، مما يزيد من احتمال تصاعد التوترات الدولية.
اقرأ كذلك: حرب غزة.. منخفضات قادمة ومعاناة النازحين تتفاقم