هل تتدخل تركيا في تداعيات طوفان الأقصى؟
تحذير الاستخبارات التركية لإسرائيل: عواقب وخيمة لمحاولة ملاحقة قادة حماس على الأراضي التركية

بعد اندلاع معركة طوفان الأقصى وتصاعد الأحداث في فلسطين المحتلة، التي تعتبر عزيزة في قلوبنا. شهدنا تصاعدًا في حدة النزاع والصراع، حيث بدأت الفصائل الفلسطينية في تكثيف جهودها ضد العدو. وأصبح من الواضح تكبد جيش الاحتلال خسائر جسيمة، حتى وصلوا إلى إعتراف مضطر بهذه الحقيقة. قادة الاحتلال بدؤوا بإصدار التهديدات والتصريحات العدائية ضد حركة حماس وقادتها، محاولين تنفيذ عمليات اغتيال وضربات قوية لهم. ولكن مع هذا السياق الصعب، تألقت الاستخبارات التركية بدور كبير في الحفاظ على الأمن وصد التهديدات العدائية من جانب قادة الاحتلال بفعالية وحزم.
تصريح وزير الخارجية التركي حول اغتيال العاروري ورفاقه
أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن اغتيال صالح العاروري نائب رئيس مكتبها السياسي واثنين من قادة كتائب القسام في هجوم بواسطة طائرة مسيرة في بيروت. وفي أول تعليق من الدولة التركية على هذا الحادث، أدلى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بتصريحاته حيث قال: “يبدو أن الإسرائيليين يسعون جاهدين لتجنب التصاعد في التوتر مع لبنان، حيث إن هذا الخيار غير مجدي. وإذا حدث تصاعد في التوتر، فإنه من غير المرجح أن يكون له نتائج إيجابية”.
التدابير التركية ردًا على التهديدات بالاغتيال
في استجابة لتهديدات إسرائيل بالقيام باغتيال قيادات حركة حماس خارج أراضيها. أُلقي القبض على 33 شخصًا بشكل مفاجئ من قِبل السلطات التركية يوم الثلاثاء الماضي. بناءً على اشتباه في مشاركتهم في أنشطة “تجسس دولي” لصالح الموساد الإسرائيلي. وذلك في عملية أمنية نفذت في 8 ولايات مختلفة. هذه العملية جاءت في إطار التحقيقات التي بدأها مكتب الإرهاب والجرائم المنظمة في النيابة العامة بإسطنبول ضد 46 مشتبهًا فيهم.
أظهرت التحقيقات أن الموساد كان ينوي تنفيذ أنشطة مثل المراقبة والتتبع والاعتداء والاختطاف ضد مواطنين أجانب يقيمون في تركيا. وفي تصريح نشره وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا على منصة “إكس”. وصف الأنشطة الإسرائيلية بأنها “هجمات” أو “عمليات اختطاف” ضد مجموعة من الأجانب الذين كانوا يتعرضون للتجسس.
وما زالت السلطات التركية تواصل جهودها للبحث عن 13 شخصًا آخرين مشتبهًا في تورطهم في هذه الأنشطة. يُذكر أن في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بدأت السلطات التركية محاكمة 57 متهمًا بالتجسس لصالح الموساد الإسرائيلي في إسطنبول.
اقرأ أيضاً: هذه رسالة المخابرات التركية إلى الموساد !
الإعلام التركي يكشف دور المخابرات في إحباط محاولة اختطاف مهندس فلسطيني
في تقرير نشرته وسائل الإعلام التركية، بما في ذلك صحيفة “صباح” المقربة من الحكومة التركية، في 22 نوفمبر الماضي. تم التطرق إلى دور حيوي قام به جهاز الاستخبارات التركي “MİT” في إفشال محاولة للموساد الإسرائيلي لاختطاف مهندس برمجيات فلسطيني مسؤول عن اختراق نظام القبة الحديدية وتعطيله من كوالالمبور. عاصمة ماليزيا، خلال العام الماضي 2022.
كانت الحادثة قد أتت للعلن في أكتوبر 2022، عندما قام عملاء الموساد الإسرائيلي بخطف المهندس الفلسطيني “عمر البلبيسي” في كوالالمبور بهدف نقله إلى تل أبيب للتحقيق. وفي ذلك الوقت. أعلن الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن وجود وحدة سايبر تعمل سراً ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ووفقًا لصحيفة “صباح” ومصادر استخباراتية، نجح البلبيسي في اختراق نظام القبة الحديدية الإسرائيلية بين عامي 2015 و2016، مما أتاح لصواريخ المقاومة الفلسطينية الوصول إلى أهدافها بنجاح.
يرجى الملاحظة أن المصادر الاستخباراتية التركية لم تكشف عن الاسم الكامل للمهندس الفلسطيني. مكتفية بذكر اسمه الأول “عمر”، بينما كشفت بعض المصادر الإسرائيلية عن اسمه الكامل بعد نشر تقرير من قبل صحيفة “نيو ستريت تايمز” الماليزية في 17 أكتوبر 2022. والذي أعلن فيه عن تحرير المختطف واعتقال العصابة المشتبه بها.
محاولات تجنيد الهاكر الفلسطيني ورفضها
عمر البلبيسي، خريج قسم علوم الحاسوب في الجامعة الإسلامية بغزة. بدأ حياته المهنية كموظف في قسم التكنولوجيا في وزارة الداخلية الفلسطينية بغزة. برزت مهاراته في تطوير برنامج مخصص للوزارة يُساهم في اختراق أجهزة الأندرويد بكل سهولة عندما كان عمره 24 عامًا. تمكن البلبيسي من اختراق نظام القبة الحديدية الإسرائيلية وتعطيله بعد مرور 3 سنوات من تلك الحادثة.
ووفقًا للمصادر التركية، قام جهاز الموساد الإسرائيلي بمحاولات متكررة لتجنيد البلبيسي. في عام 2019، اتصل شخص يُدعى “أنابل” بالبلبيسي وادعى أنه يعمل مع شركة برمجة نرويجية وطلب منه تطوير مشروع برمجي خاص بالشركة. بعد فترة، تواصل شخصان آخران يُدعون “جاوسر” و”جالِس” بزعم أنهما أيضًا من نفس الشركة النرويجية. وقدموا له عرض عمل كامل في النرويج. عندما طلب البلبيسي منهما التواصل عبر مكالمة فيديو عبر “الواتساب”. تجنبا ذلك وأرسلا له تأشيرة “شنغن” كدليل على جدية نيتهما. ومع ذلك، رفض البلبيسي عرضهما بشكل قاطع.
لقاء البلبيسي مع وكلاء الموساد في إسطنبول
ذكرت صحيفة “صباح” التركية أن البلبيسي اتخذ قرارًا بالانتقال إلى إسطنبول في مارس 2020 بهدف العثور على فرصة عمل جديدة. وهذا القرار فتح الباب أمام جهاز الموساد الإسرائيلي لاستغلال هذه الفرصة والتقرب منه من خلال تقديم عروض وظيفية مغرية بمكاسب مالية كبيرة.
تم تكوين أول اتصال بين البلبيسي وعميل الموساد المعروف بـ “رائد غزال” بعد مغادرته لغزة في إبريل 2021. تواصل غزال معه عبر تطبيق الواتساب وادعى أنه مدير موارد في شركة فرنسية تدعى “تنيك هاير”،حيث عرض عليه فرصة عمل.
وتمكن غزال من اللقاء الشخصي مع البلبيسي في إسطنبول، في مناطق مثل بيليكدوزو وبيرام باشا والفاتح. خلال يونيو وأغسطس 2021. بعد ذلك، بدأ عميل الموساد الثاني المعروف بـ “عمر شلبي” في التواصل مع البلبيسي.
شلبي قام بالتقرب من البلبيسي وعرض عليه مبلغًا ماليًا بقيمة 10 آلاف دولار مقابل إنشاء برنامج برمجة لشركة فرنسية أخرى. سرعان ما قام البلبيسي ببرمجة البرنامج وتسليمه لصالح الشركة الفرنسية. وقامت الشركة بإرسال الأموال بثلاث دفعات مالية عبر حساب بنك “كويت ترك” باستخدام اسم مزيف “جون فوستر”، وقد أكدت جهاز الاستخبارات التركية هذه المعلومات بعد تحقيقها في بيانات الحساب البنكي الخاص بالبلبيسي.
يجدر بالذكر أن شلبي كان يطرح الاستفسار حول إمكانية البلبيسي للسفر خارج تركيا. وفيما بعد قام بتسليم المهمة لشخص آخر يُدعى “نيكولا رادونيج”، حاملاً جواز سفر الجبل الأسود، في يونيو 2022.
عروض العمل وشكوك الاستخبارات التركية
وفقًا لصحيفة تركية، تمكن نيكولا رادونيج من لقاء المهندس عمر البلبيسي في فندق كاراكوي خلال الفترة من 28 إلى 31 أغسطس 2022. جاء هذا اللقاء تحت ذريعة عرض وظيفة جديدة مغرية تقضي بأن الراتب الشهري سيبلغ 5200 دولار إذا قام البلبيسي بالعمل من تركيا، بينما سيصل إلى 20 ألف دولار إذا وافق على العمل من مقر الشركة في البرازيل.
أخبر رادونيج البلبيسي أنهما سيعملان معًا في المشروع عبر الإنترنت مع زملاء آخرين، وتبين فيما بعد أن هؤلاء الزملاء كانوا ضباطًا في الموساد الإسرائيلي، وهم “عبد البر محمد كايا، وفؤاد أسامة حجازي، ويوسف دحمان”. ثم طُلب منه اختيار أحد هؤلاء الزملاء للعمل معه بشكل مستمر.
التنبؤ بإمكانية اختطاف المهندس الفلسطيني دفع الاستخبارات التركية إلى منعه من السفر في المرة الأولى خوفًا على حياته. ولكن بعد إصرار البلبيسي على السفر إلى ماليزيا – التي لا تُقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل – خلال عطلة استمرت لمدة 15 يومًا، قامت الاستخبارات التركية بإبلاغ إدارتها في إسطنبول بشكوكها المتعلقة بالتهديدات التي تهدد حياة البلبيسي.
وبالتالي، أصدرت الاستخبارات التركية جميع التحذيرات اللازمة قبل مغادرة البلبيسي تركيا، ونصبت تطبيق تتبع على هاتفه لضمان الحصول على موقعه في ماليزيا بشكل مباشر حتى وإن كان هاتفه مغلقًا.
ساعة الصفر بتوقيت الموساد الإسرائيلي
عند وصول المهندس الفلسطيني إلى مطار العاصمة الماليزية كوالالمبور في يوم 28 سبتمبر/أيلول 2022. كان ينتظره هناك فريق من جهاز الموساد الإسرائيلي. تم اختطافه واحتجازه لاستجوابه في شاليه يقع على بعد حوالي 50 كيلومترًا من العاصمة. هناك تعرض للتعذيب الشديد وتعرض للاستجواب لمدة تصل إلى 36 ساعة من خلال محادثات فيديو مع ضباط في تل أبيب.
تمركزت أسئلة عملاء الموساد الموجهة للبلبيسي حول كيفية نجاحه في اختراق نظام القبة الحديدية وتعطيلها لفترة معينة. بالإضافة إلى محاولاتهم للكشف عن طريقة إلغاء تفعيل الاختراقات التي نفذها المهندس الفلسطيني لأجهزة هواتف جنود وضباط إسرائيليين في وقت سابق.
بالإضافة إلى ذلك، قام جهاز الموساد بالتحقيق حول وجود مهندسي حاسوب ومهندسي برمجيات ومبرمجين آخرين. يشاركون في الحروب الإلكترونية من إسطنبول.
الاستخبارات التركية تنقذ الهاكر في اللحظات الأخيرة
بمجرد أن حددت الاستخبارات التركية مكان وجود المهندس الفلسطيني البلبيسي. قامت على الفور بإرسال إحداثيات الموقع إلى السلطات الماليزية. وبفضل تلك الإجراءات السريعة. نجحت القوات الخاصة الماليزية في تحرير البلبيسي بسلام. وعلى إثر هذا الإنجاز. أصدرت محكمة ماليزية في كوالالمبور أمرا بالقبض على 11 شخصا من المختطِفين.
وفي الأسابيع الأخيرة، تمكنت الاستخبارات التركية أيضًا من القبض على عميل الموساد “أسامة حجازي”. ونقلت المهندس الفلسطيني البلبيسي إلى تركيا. وتم تخصيص منزل آمن له حتى يتمكن من متابعة عمله من دون مخاوف.
تعتبر هذه العملية واحدة من أهم وأكبر العمليات في تاريخ الاستخبارات التركية. وقد تم تناولها بشكل واسع في وسائل الإعلام التركية. حيث أصبح اسم المهندس الفلسطيني “عمر البلبيسي” معروفًا في الأوساط الإعلامية التركية باسم “الداهية الغزي”.
دور الاستخبارات التركية في الهدنة
كشفت صحيفة “صباح” المقربة من دوائر القرار التركية عن دور رئيس الاستخبارات “إبراهيم قالن” في تحقيق الهدنة بين أطراف النزاع في قطاع غزة. وكان قالن قد التقى بقادة من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في عدة مناسبات منذ تصاعد التوترات في القطاع.
وأفادت الصحيفة بأن رئيس الاستخبارات قام بعقد أربع اجتماعات مع قادة “حماس” في مواقع مختلفة. بما في ذلك الدوحة وأنقرة وإسطنبول، خلال الأسابيع الأخيرة.
وأضافت الصحيفة أن هذه اللقاءات تم فيها تقديم طلبات من عدة دول للإفراج عن أسرى يُحتجزون لدى “حماس”. وقال “قالن” إن تنفيذ هذه الطلبات “سيسهم في الجهود المبذولة، وبخاصة من جانب تركيا. لوقف إطلاق النار وتمكين وصول المساعدات إلى سكان غزة”.
وتأتي هذه الأخبار لتؤكد ما تناولته الصحيفة حول إعلان حركة “حماس” خلال فترة الهدنة مع الاحتلال عن إفراجها عن رهائن أجانب كانوا محتجزين لديها في قطاع غزة. وذلك ردًا على وساطة الرئيس التركي أردوغان.
استخبارات تركيا تحذر إسرائيل
أكدت الاستخبارات التركية حذرها لإسرائيل من العواقب الجسيمة التي ستترتب على أي محاولة لملاحقة قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على الأراضي التركية. جاء هذا التحذير وفقًا لتقارير وسائل الإعلام الرسمية التركية والإسرائيلية.
ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الاستخبارات التركية قد حذرت نظيرتها الإسرائيلية من أي محاولة لاغتيال شخصيات فلسطينية على الأراضي التركية. وأكدت وكالة الأناضول التركية أن تحذيرًا قويًا تم إرساله إلى إسرائيل بشأن عواقب “وخيمة” قد تترتب على أي نشاط للاستخبارات الإسرائيلية في الأراضي التركية.
يأتي هذا الإجراء بعد تصريحات رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) “رونين بار” التي أعلن فيها عن توجيهات من حكومته بملاحقة قادة حماس في عدة دول بما في ذلك تركيا. وأشار بار إلى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تعتزم محاولة القضاء على قيادات حماس في مناطق متعددة بما في ذلك تركيا ولبنان.
تجدر الإشارة إلى أن جهاز الاستخبارات التركي قد أصدر بيانًا حادًا حذر فيه إسرائيل من تداولها في أراضيها بعمليات غير قانونية قد تتضمن استهداف مسؤولين في حماس خارج فلسطين، بما في ذلك الأراضي التركية. وأكدت مصادر في جهاز الاستخبارات التركي أنهم لن يسمحوا لأي جهة استخباراتية أجنبية بتنفيذ أنشطة غير قانونية داخل أراضيها.
اقرأ كذلك : اعتقال شبكة تجسس إسرائيلية .. رسائل من أنقرة إلى تل أبيب