مدونات

اعتقال شبكة تجسس إسرائيلية .. رسائل من أنقرة إلى تل أبيب

تصاعد التوترات في المنطقة .. تركيا، إيران، وإسرائيل في مواجهة الاتهامات والصراعات

بعد مرور أكثر من شهر على إحباط جهاز الاستخبارات التركية. لمحاولة موساد إسرائيلي لاختطاف مهندس فلسطيني قد اخترق منظومة “القبة الحديدية” خلال الأعوام 2015 و2016. أعلنت أنقرة عن اعتقال أكثر من أربعين شخصاً تم تجنيدهم من قبل الاستخبارات الإسرائيلية للقيام بأنشطة تجسس ومراقبة واختطاف نشطاء فلسطينيين مقيمين في تركيا وعائلاتهم. هذا الإعلان يعد ضربة كبيرة للعلاقات بين البلدين بعد بدء إعادة تطبيعهما نهاية عام 2022.

تأتي هذه الأحداث برفقة تقرير صادر عن المخابرات التركية يكشف عن تفاصيل تشغيل هذه الشبكة وطرق عملها. مما يسلط الضوء على الجهود التي بذلتها تركيا في مواجهة التجسس الإسرائيلي وتجفيف منابعه في أراضيها.

تقرير استخباراتي يكشف تفاصيل عملية اعتقال شبكة الموساد في تركيا

خلال استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وفي الأشهر القليلة التي مرت بعد تهديد مدير جهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الشاباك”، رونين بار. بالاستهداف قيادات حماس في مختلف الأماكن بما في ذلك تركيا. قامت الاستخبارات التركية “MIT” بالتنسيق مع رئاسة الاستخبارات في الشرطة بتنفيذ عمليات متزامنة في 8 ولايات تركية. بما في ذلك إسطنبول. هدفت هذه العمليات إلى اعتقال أفراد كانوا يعملون لصالح الموساد.

تقرير المخابرات الذي تم نشره عبر وسائل الإعلام التركية، يحتوي على معلومات حيوية حول كيفية تجنيد أعضاء الشبكة. الذين ينتمون إلى جنسيات غير تركية (لم تتم الكشف عنها حتى الآن). وكيفية إرسال الأموال إليهم وتنظيم الاجتماعات الدورية معهم.

عملية التجنيد: كيف تعمل الشبكة الإسرائيلية في تجنيد عملاءها

وفقًا للتقرير، يُشير إلى أن جهاز الموساد الإسرائيلي يقوم بتجنيد هؤلاء الأفراد من خلال نشر إعلانات توظيف على منصات التواصل الاجتماعي ومجموعات الدردشة المختلفة أو من خلال وضع روابط محددة. يتم بعد ذلك التواصل مع الأشخاص الذين يستجيبون لتلك الإعلانات. مما يفتح الباب أمام الاتصال بينهم وبين جهاز الموساد عبر تطبيقي تليغرام وواتساب.

ويتوجب على هؤلاء العملاء بعد ذلك تجنيد آخرين. وهذا بهدف جمع المعلومات المطلوبة عن الفلسطينيين المقيمين في تركيا وعائلاتهم. مما يكشف عن تكتيكات وإجراءات تجنيد موساد واستخدامها لعمليات التجسس والتنصت.

عمليات التمويل: كيف قام الموساد بتمويل شبكته السرية في تركيا

وفقًا للتقرير، يتضح أن الموساد استخدم عدة طرق لإرسال الأموال إلى أعضاء شبكته في تركيا. يمكن أن يتم ذلك عن طريق التسليم الشخصي خارج تركيا، وفي حالة كبيرة من الأموال. كان يقدم الموساد حقائب معتمدة تحتوي على أماكن سرية لمنع اكتشاف الأموال أثناء الفحص باستخدام أجهزة الأشعة. وكان هناك أيضًا استخدام لوسطاء أو العملات المشفرة كوسيلة لتحويل الأموال. بهدف تجنب الكشف عن العمليات المالية والحفاظ على سرية الشبكة، وبالتالي تجنب التعرض للأمن التركي.

التدريب : كيف قام الموساد بتأهيل أعضاء شبكته في تركيا”

وفقًا للتقرير، يتبين أن الموساد كان يقيم لقاءات مع عملائه خارج تركيا بهدف تجنب اكتشافهم من قبل الأجهزة الأمنية التركية. وكانت هذه اللقاءات تُعقد في فنادق فاخرة وتتضمن دعوتهم إلى مطاعم راقية. وكل هذه التحركات تُنظم ضمن برامج ورحلات سياحية خاصة.

وخلال تلك الرحلات، كان العملاء يتم تدريبهم على مهارات مختلفة من قبل خبراء الموساد. كانت هذه التدريبات تشمل اختبارات كشف الكذب، وتقديم نظم اتصال سرية.  بالإضافة إلى تعليم أمان التواصل واستخدام التشفير.

تنويع المهام: دور أفراد شبكة الموساد في تركيا

وفقًا للتقرير، يظهر أن مجموعة أفراد شبكة الموساد في تركيا قامت بأداء مجموعة متنوعة من المهام. تشمل هذه المهام تصوير الفيديو والتصوير الفوتوغرافي، وتركيب أجهزة “جي بي إس” في سيارات الأهداف. والمشاركة في أعمال الاعتداء على الأهداف وابتزازهم. بالإضافة إلى ذلك، كانوا يقومون بأعمال دعاية مضللة ونشر أخبار كاذبة عبر الإنترنت. وإنشاء قواعد بيانات تحتوي على معلومات عن الأجانب المقيمين في تركيا، بما في ذلك من خارج الجالية الفلسطينية.

بالإضافة إلى ذلك، تشمل المهام الأخرى التي كانوا يقومون بها تهريب الأشخاص والبضائع عبر الحدود بين إيران والعراق إلى تركيا. وتوفير منازل آمنة داخل تركيا، وتجهيز سيارات إسعاف للاستخدام في حالات الطوارئ.

رسائل من أنقرة: تركيا تؤكد على سيادتها وتحذّر إسرائيل من التصعيد

نشرت جهاز الاستخبارات التركية تقريرًا بعد اعتقال أعضاء شبكة الموساد، حيث أكد أن هؤلاء العملاء كانوا تحت مراقبته ومتابعته لفترة طويلة، ولكن يبدو أن تهديدات إسرائيل بالاستهداف قادة حماس في الخارج، ساهمت في كشف الشبكة أمام الرأي العام.

تركيا قامت بإرسال رسالة واضحة إلى إسرائيل، مؤكدة على عدم السماح بتصفية الحسابات على أراضيها. وأكد مسؤول استخباراتي تركي كبير أن أي محاولة للقيام بأنشطة غير قانونية في تركيا ستواجه عواقب وخيمة، ودعا جميع الأطراف المعنية إلى عدم الانخراط في أنشطة مماثلة في المستقبل.

تريد تركيا أيضًا تذكير إسرائيل بأن توقيع اتفاقيات أمنية وعسكرية لا يجوز أن يعني السماح بالاستهداف في تركيا، خصوصًا بالنسبة للفلسطينيين. في الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في نهاية عام 2022 كجزء من عملية إعادة تطبيع العلاقات، تم تضمين مذكرة أمنية تسمح لجهاز الشاباك الإسرائيلي بتنفيذ أنشطة لضمان أمان السفارة والقنصلية الإسرائيليتين، مع التركيز على زيادة التعاون في مكافحة الإرهاب ومكافحة التجسس.

تأكيدات وتحذيرات: تفاصيل العلاقة بين تركيا وإسرائيل في ظل التوترات

وبالرغم من التعهد السابق من قبل الموساد بعدم تنفيذ أي اغتيالات في الأراضي التركية، إلا أن الأنشطة الاستخباراتية الإسرائيلية كشفت عن انتهاك تلك التعهدات. في ديسمبر الماضي، تم تقديم لائحة اتهام ضد 17 شخصًا بتهمة العمل لصالح الموساد الإسرائيلي من قبل المدعي العام في إسطنبول. وأشار تقرير المخابرات التركية إلى أن هؤلاء المتهمين خططوا لارتكاب جرائم مثل القتل والاختطاف والتهديد والابتزاز في تركيا باستخدام معلومات سرية حصلوا عليها من مؤسسات عامة.

تكشف هذه الأحداث أن الجانب الإسرائيلي كان يستعد لتنفيذ عمليات قتل داخل الأراضي التركية في حال الضرورة.

مع بداية عملية “طوفان الأقصى”، اتخذ القرار الإسرائيلي باستئناف الاغتيالات خارج فلسطين المحتلة، مما دفع الرئيس التركي أردوغان إلى تحذير تل أبيب من التقدم في تلك الخطوة. ثم بادرت السلطات التركية باتخاذ تدابير أمنية جادة لتأكيد أنها لن تتوانى عن استهداف المتعاونين مع الموساد، وهذا ليس مجرد تحذير شفهي بل إجراء فعلي.

الرسائل التركية قد تكون موجهة أيضًا إلى إيران، جارتها، والتي شهدت سابقًا محاولة اغتيال إسرائيليين على الأراضي التركية. وقبل أن يتمكن الأمن التركي من التحقيق مع المسؤولين عن تلك العمليات واعتقالهم.

تركيا وإيران: الاتهامات المتبادلة ومسار الصراع في ظل تصاعد التوترات

كما سبق، وجهت تركيا اتهامات متكررة إلى موظفين إيرانيين رسميين بتنفيذ عمليات اغتيال لمعارضين للنظام الإيراني على أراضيها. من بين هذه الاتهامات كان اعتقال محمد رضا ناصر زاده، موظف في القنصلية الإيرانية، قبل نحو ثلاثة أعوام، بتهمة التورط في اغتيال المعارض مسعود مولوي في إسطنبول عام 2019.

في ظل تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل على هامش عملية “طوفان الأقصى”، تعمل تركيا على منع استخدام أراضيها لتسوية تلك الحسابات.

وفي سياق مثير للتناقض، في نفس اليوم الذي أعلنت فيه تركيا عن شبكة الجواسيس، قامت إسرائيل باغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، وآخرين في بيروت، لتؤكد أنقرة أهمية ضرباتها الأمنية الاستباقية وأنها لن تتساهل في هذا الصدد.

اقرأ كذلك : توقعات بزوال الاحتلال تستند إلى حقائق ملموسة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات