هل تقود اليابان آسيا إلى مواجهة كبرى مع الصين في أخطر تحول إستراتيجي منذ عقود؟
التوتر الآسيوي بين اليابان والصين.. مناورات حافة الهاوية وتداعيات قرار طوكيو العسكري
في ظل احتدام التوترات في آسيا، يقف العالم أمام سؤال خطير يزداد ثقله مع كل خطوة عسكرية تتخذها طوكيو. هل أشعلت اليابان الشرارة التي قد تتحول إلى صدام واسع مع الصين؟ وهل نقترب من مشهد جيوسياسي يغيّر توازنات القوى في المنطقة ويضع العالم أمام نسخة جديدة من حروب القرن الماضي؟
هذا السؤال يفرض نفسه بقوة اليوم، خصوصًا بعد التحركات العسكرية اليابانية التي تزامنت مع تراجع الثقة بالنظام الدولي الحالي وضعف قدرة الغرب على خوض صراعات جديدة.
وقد تناولت مجلة ناشونال إنترست هذه القضية الحساسة من خلال مقال كتبه “براندون جيه ويكرت”، أحد أبرز المحررين في شؤون الأمن القومي. وقد حذر الكاتب من أن تحركات اليابان الأخيرة قد تتحول إلى صاعق تفجير. ورجّح أن يقود هذا الدفع العسكري إلى مواجهة واسعة قد تشمل الصين. كما أكد أن الغرب نفسه قد لا يملك القدرة أو الإرادة للتدخل في مواجهة جديدة، خاصة بعد إخفاقاته المتتالية خلال العقدين الماضيين.
ولذلك، يصبح من الضروري تحليل ما يجري اليوم بواقعية. لأن ما يحدث لا يؤثر على اليابان والصين فقط، بل قد يرسم مستقبل الأمن في آسيا، وربما مستقبل النظام الدولي كاملًا.
أولًا: التحركات اليابانية الأخيرة وتحول عقيدتها الدفاعية
شهدت الأسابيع الماضية إعلان طوكيو عن خطوة عسكرية جديدة تثير الكثير من الجدل. فقد نشرت اليابان وحدة متخصصة من صواريخ أرض–جو متوسطة المدى في جزيرة يوناغوني.
هذه الجزيرة الصغيرة تقع في أقرب نقطة يابانية من تايوان. ولذلك، يعد هذا التحرك الأكثر جرأة منذ عقود ضمن سياسة تعزيز الجبهة الجنوبية الغربية.
وبحسب المقال، تعتبر اليابان هذه الخطوة دفاعية. كما ترى أنها ضرورية لتعزيز جاهزيتها أمام الضغوط الصينية المتزايدة في شرق آسيا. وقد بررت طوكيو تحركها بارتفاع عدد الطلعات الصينية بالقرب من المجال الجوي الياباني. وبالتالي، ترى اليابان أن نشر منظومات دفاعية إضافية هو إجراء احترازي وليس هجوميا.
لكن الصورة تختلف تمامًا من وجهة نظر الصين.
فبكين تنظر إلى هذه الأنظمة بوصفها استفزازًا مباشرًا. وترى أنها جزء من خطة أوسع تقودها واشنطن وحلفاؤها الإقليميون. وتهدف هذه الخطة –من وجهة نظر الصين– إلى تضييق الخناق على بكين في وقت يمر فيه اقتصادها بمرحلة حساسة. كما يواجه نظامها السياسي تحديات قد تفتح الباب أمام تغيرات داخلية كبيرة.
تصاعد سوء الفهم بين الطرفين
هذا الاختلاف العميق في تفسير التحركات العسكرية يزيد من خطر التصعيد. لأن كل طرف يعتقد أن الطرف الآخر هو من يبدأ بالاستفزاز. لذلك، تتراكم الخطوات الصغيرة حتى تتحول فجأة إلى مواجهة أكبر.
وتعتقد الصين أن أي تهديد يلاحق تايوان يمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. بينما ترى اليابان أن تمدد الصين في المنطقة يهدف إلى خنقها تدريجيًا عبر السيطرة على سلسلة الجزر الأولى.
هذه الحسابات المتناقضة تجعل كل خطوة عسكرية تحمل وزنًا مضاعفًا.
ثانيًا: جذور الأزمة الحالية بين طوكيو وبكين
لم يأتِ هذا التصعيد من فراغ. فقد تفجرت الأزمة قبل أسبوعين عندما احتجت اليابان على تحذير أطلقته الحكومة الصينية لمواطنيها بخصوص السفر إلى اليابان.
وجاء هذا التحذير على خلفية خلاف متصاعد حول تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة بشأن تايوان.
وتعتبر بكين أن أي تغيير في الخطاب السياسي الياباني تجاه تايوان يشكل تجاوزًا لخط أحمر صيني ثابت. لذلك، رأت الصين في نشر الصواريخ اليابانية خطوة استفزازية. كما اعتبرتها جزءًا من محاولات تطويقها عبر تحالفات مع الولايات المتحدة.
تصريحات صينية نارية
وقد صعّدت الصين خطابها. وأصدرت تصريحات شديدة اللهجة تتوعد اليابان بـ”هزيمة عسكرية نكراء” إذا تدخلت عسكريًا في تايوان.
كما حذر المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية “جيانغ بين” من أن كلمات رئيسة الوزراء اليابانية “ساناي تاكايتشي” غير مسؤولة. واعتبرها خطيرة جدًا لأنها قد تدفع المنطقة إلى مواجهة مباشرة.
وقال جيانغ:
“إذا لم تتعلم اليابان دروس التاريخ، وتجرأت على المجازفة أو محاولة استخدام القوة للتدخل في مسألة تايوان، فإنها ستواجه هزيمة ساحقة أمام جيش التحرير الشعبي الصيني”.
هذه الجملة وحدها تكفي لإشعال موجات من القلق في آسيا، خصوصًا أن الصين لم تستخدم مثل هذا الخطاب منذ سنوات طويلة.
ثالثًا: الموقف الأميركي… دعم أم انسحاب؟
يرى الكاتب أن الأزمة تصبح أكثر تعقيدًا عندما ندخل الولايات المتحدة في المعادلة.
فالولايات المتحدة هي الحليف الأول لليابان. لكن الكاتب يعتقد أن هذا الافتراض لم يعد مضمونًا في عهد الرئيس دونالد ترامب.
هل تعتمد اليابان على دعم غير مضمون؟
يشير المقال إلى أن طوكيو افتعلت مواجهة مع الصين وهي تعتقد أن واشنطن ستقف معها تلقائيًا. ولكن الكاتب يصف هذا بأنه “رهان غير حكيم”.
فالولايات المتحدة اليوم ليست كما كانت قبل عقود. لقد دخلت في صراعات مكلفة في أفغانستان والعراق. ثم وجدت نفسها منخرطة في دعم واسع لأوكرانيا ضد روسيا. ولهذا، يرى الكاتب أن القدرة الأميركية على خوض مواجهة جديدة أصبحت محدودة جدًا.
وبحسب المقال، ربما تدفع الولايات المتحدة حلفاءها بدلًا من الدخول بشكل مباشر في صراع جديد مع الصين. لكن هذه الإستراتيجية –إن صحت– قد تؤدي إلى كارثة إقليمية، خصوصًا إذا اعتقدت اليابان أن واشنطن ستقاتل نيابة عنها.
رابعًا: لماذا قد تتحول الأزمة إلى شرارة حرب؟
يوضح الكاتب أن تايوان تلعب دورًا محوريًا في هذه المعادلة. فهي ليست مجرد جزيرة صغيرة. بل هي نقطة إستراتيجية تتحكم بها طرق التجارة العالمية. كما أنها بوابة الصين إلى المحيط الهادئ.
رؤية الصين: “خط الدفاع الأول”
ترى الصين أن سلسلة الجزر الأولى، التي تشمل تايوان واليابان، تمثل خطًا حيويًا لأمنها القومي.
وبالتالي، فإن أي تحرك من اليابان قرب هذه النقاط يُعد تهديدًا مباشرًا لبكين.
رؤية اليابان: “منع الخنق الإستراتيجي”
وفي المقابل، تعتقد اليابان أن الصين تسعى لفرض هيمنة كاملة على هذه الجزر لتقليص دور طوكيو. كما تخشى أن تستخدم الصين تايوان لتضييق الخناق عليها استراتيجيًا.
هذه الرؤى المتضاربة تعني أن كل خطوة دفاعية يراها طرف ما تُعد هجومًا في نظر الطرف الآخر.
خامسًا: موقف تايوان… بين القلق والانقسام
الكاتب يوضح أن الشعب التايواني نفسه منقسم.
فبعضهم يرى أن الخطوة اليابانية تساهم في ردع الصين. بينما يعتقد آخرون أن هذا التحرك قد يدفع الصين إلى حرب شاملة تدمر تايوان قبل اليابان.
قلق متبادل
تايبيه تدرك أنها ستكون في قلب العاصفة. ولذلك، تتخوف من أي تحرك قد تستغله الصين لتبرير تصعيد عسكري. وبنفس الوقت، تخشى من أن يؤدي صمتها إلى زيادة الهيمنة الصينية.
سادسًا: هل الغرب مستعد لصراع جديد؟
يرى الكاتب أن الغرب يعيش مرحلة تراجع واضحة.
وقد فشل –وفق رأيه– في إدارة الحروب في الشرق الأوسط خلال عقدين كاملين. ثم ظهر ضعفه في أوكرانيا أمام روسيا.
وبالتالي، يرى أن الغرب غير قادر على دعم اليابان بشكل فعال إذا انفجر الوضع في آسيا.
تحذير خطير
يحذر الكاتب من أن الولايات المتحدة قد تخسر أي حرب مع الصين، سواء كانت الحرب مباشرة أو عبر وكلاء.
كما يعتقد أن أي مواجهة ستدمر تايوان وتلحق ضررًا كبيرًا باليابان.
سابعًا: أزمة الاقتصاد العالمي وتأثيرها على موازين القوة
يرى الكاتب أن الغرب تخلّى عن فن إدارة الاقتصاد لصالح القوة العسكرية.
ويشبه هذا السلوك بما فعله الاتحاد السوفياتي قبل انهياره.
وعندما تفقد الدول قدرتها على إدارة اقتصادها، تلجأ إلى الخيارات العسكرية، وهذا ما يزيد من خطورة المرحلة.
ثامنًا: إلى أين تتجه المنطقة؟
يبدو أن آسيا دخلت مرحلة جديدة من المنافسة الحادة.
واليابان تحاول تعزيز وضعها أمام قوة صينية تتوسع بسرعة.
وفي المقابل، ترى الصين أن اليابان تتجاوز خطوطها الحمراء.
وبين هذا وذاك، يقف العالم على حافة أخطر أزمة منذ نهاية الحرب الباردة.
ثلاثة سيناريوهات مرشحة للحدوث:
• السيناريو الأول: التهدئة الدبلوماسية
قد تلجأ واشنطن إلى الضغط على الطرفين لخفض التوتر. وهذا يحتاج وقتًا وإرادة سياسية.
• السيناريو الثاني: سباق تسلح أكبر
قد ترد الصين بمزيد من الانتشار العسكري. وقد توسع اليابان قدراتها الدفاعية.
• السيناريو الثالث: مواجهة محدودة تتحول إلى صراع واسع
وقد تنطلق الشرارة من خطأ غير مقصود. وهذا السيناريو هو الأكثر رعبًا.
اقرأ كذلك: الصراع بين الصين وأميركا في المحيط الهادي وسباق النفوذ بين 12 دولة