عرق السوس: مشروب رمضاني شربه نابليون في آخر لحظاته ووزعه الإسكندر على جنوده
طريقة تحضير مشروب عرق السوس وأهميته الصحية والثقافية في العالم
عرق السوس يعد واحداً من الأمور اللافتة على مائدة الإفطار في شهر رمضان المبارك. وهو المشروب الذي استمتع به الكثيرون عبر العصور. ذكره الطبيب العربي المشهور ابن البيطار في أعماله. حيث وصفه بأنه “أنفع ما في نبات عرق السوس عصارة أصله”. وهذا يعكس القيمة الطبية العظيمة لهذا المشروب القديم.
عرق السوس ليس مجرد مشروب منعش، بل له فوائد صحية عديدة. يُعتبر علاجًا لأمراض الحلق والكبد إذا وُضع تحت اللسان. كما يُعتبر علاجًا لالتهابات المعدة وأمراض الصدر إذا مُضغ، ويقطع العطش عندما يُشرب.
يعتبر عرق السوس جزءًا من تراث الطهي العربي القديم، وقد كان يتناوله الناس في القرون القديمة لمزاياه الصحية العظيمة. حتى الزعماء التاريخيين كانوا يقدرون قيمته. فقد تناوله نابليون بونابرت في لحظاته الأخيرة على فراش الموت، ووزّعه الإسكندر الأكبر على جنوده قبل المعارك الكبيرة.
الجذر الحلو للصحة والنكهة
عرق السوس، هذا الاسم المشتق من اليونانية القديمة، يعني “الجذر الحلو”. وهو نبات عشبي معمر يتميز بأزهاره الأرجوانية التي تميل إلى اللون الأزرق. ينمو عرق السوس في مناطق جنوب أوروبا. وشمال أفريقيا، وبعض مناطق آسيا. يتميز بغلاف يشبه غلاف البازلاء.
يتطلب حصاد عرق السوس صبرًا، حيث يتم زراعته في فصل الربيع ويترك لينمو لمدة سنتين إلى 3 سنوات قبل حصاده في فصل الخريف. وهو محبب لدى الكثيرين بفضل نكهته الحلوة والمميزة. إذ يحتوي على نسبة عالية من السكر بالإضافة إلى الفيتامينات والمعادن الضرورية للجسم.
عرق السوس ليس مجرد نبات عشبي، بل يعتبر علاجًا طبيعيًا للعديد من الأمراض ومصدرًا للفوائد الصحية. فهو يُستخدم في علاجات الحلق والكبد، كما يُعتبر علاجًا فعالًا لالتهابات المعدة وأمراض الصدر.
بفضل فوائده الصحية ونكهته الرائعة، يعتبر عرق السوس جزءًا لا يتجزأ من التقاليد الغذائية في العديد من الثقافات. استمتع بمذاقه الطيب واستفد من فوائده العديدة في صحتك ورشاقتك.
عرق السوس: مشروب القادة والملوك
يعتبر عرق السوس من النباتات التي حظيت بمكانة مميزة في عدة ثقافات عبر التاريخ. حيث يعود استخدامه إلى عصور ما قبل التاريخ. يذكر موقع “ريدرز دايجست” أن هذا النبات كان جزءًا من الوصفات الطبية المتداولة في الثقافات الآشورية والمصرية والصينية والهندية القديمة. في الصين. اعتبره الإمبراطور شينونغ في العام 2300 قبل الميلاد نبتة سحرية تقوي المسنين وتعزز مناعتهم.
في مصر القديمة، كان عرق السوس يُعتبر مشروبًا مقدسًا محصورًا للملوك والأمراء. كما كان يستخدم لإبعاد الأرواح الشريرة وطمأنة المتوفى حديثًا. يشير التاريخ إلى العثور على بعض جذوره في مقبرة توت عنخ آمون، مما يظهر قيمته الثقافية والدينية.
في العصور اليونانية والرومانية، كان الجنود يستخدمون جذور عرق السوس خلال المسيرات الطويلة والمعارك لإرواء العطش وترطيب أجسامهم. كما وزعه الإسكندر الأكبر على جنوده كحصص إعاشة. واتبعه في ذلك نابليون بونابرت الذي أوصى جنوده باستخدامه. يُقال إنه استخدمه شخصيًا لتهدئة أعصابه في ساحة المعركة. وكانت آثار استخدامه واضحة حتى على أسنانه التي اتسمت باللون الأسود.
عرق السوس، هذا الشراب الفريد. لم يكن مجرد مشروب للعطش بل كان جزءًا من تراث الحضارات القديمة وأداة للقادة والملوك للحفاظ على صحتهم وقوتهم في ساحات المعركة وفي حياتهم اليومية.
مهنة بيع شراب العامة
تحول عرق السوس إلى مشروب شعبي في مصر خلال العصر الفاطمي. حيث أصبح متاحًا للفقراء والأغنياء، وانتشر بين جميع الطبقات الاجتماعية.
الأسر العربية كانت تقوم بتحضيره في شهر رمضان كجزء من مجموعة المشروبات الباردة الرمضانية. وكان يقدم إلى جانب قمر الدين والتمر الهندي والخروب والسوبيا، لتعويض الجسم عن السوائل المفقودة خلال فترة الصيام.
لا يقتصر استهلاك شراب العرق سوس على شهر رمضان، بل يشربه الناس طوال العام في العديد من الدول العربية. حيث يقوم الباعة الجائلون ببيعه في الشوارع. انتشرت مهنة “بائع عرق السوس”. الذي يجوب الشوارع مع برميله النحاسي وعباراته المميزة “عرق سوس شفا وخمير”. مرتديًا ملابس تراثية تعبر عن تاريخ المهنة وأصول المشروب.
التذوق المتداخل
مع مرور الوقت، تلاشت شهرة عرق السوس وتقلصت مهنة بيعه. ولم يعد منتشرًا إلا بشكل نادر في المناطق التراثية القديمة، مثل وسط العاصمة المصرية القاهرة. خاصة في شارعي الحسين والمعز لدين الله الفاطمي. ومع ذلك، فإن بعض الخيام الرمضانية والفنادق السياحية لا تزال تستخدمه كجزء من التراث الشعبي.
الأجيال الجديدة قد لا تفهم طبيعة مذاق عرق السوس المتداخل الذي يجمع بين الطعم المر والحلاوة في آن واحد. قد يكون ذلك بسبب مادة الغليسيرهيزين، المحلي الطبيعي الموجود في جذور عرق السوس. والتي تدوم لفترة في الفم وتشبه مذاق السكرين، المحلي الصناعي. والذي يعد أكثر حلاوة من سكر المائدة بنحو 30 إلى 50 مرة.
طريقة تحضير مشروب عرق السوس
يمكن تحضير مشروب عرق السوس بسهولة عن طريق نقع جذور نبتته المجروشة في قليل من الماء مع إضافة كمية من كربونات الصوديوم، ومن ثم تركه للتخمير لبضع ساعات. ويفضل وضع الخليط في مكان مشمس للتخمير الجيد. بعد ذلك، يُخفف الخليط بالماء ويُصفى باستخدام قطعة من قماش الشاش القطني، ويُصب في الأكواب للتقديم.
مؤخرًا، بدأت شركات الأغذية في إنتاج عبوات جاهزة من مسحوق عرق السوس، يكفي خلطها بالماء للتحضير السريع.
ويرجى ملاحظة أنه على الرغم من فوائد عرق السوس، يُنصح دائمًا بعدم تناوله بكميات كبيرة أو لفترات طويلة. حيث إن الإفراط في تناوله قد يسبب العديد من المشكلات والآثار الجانبية.
منذ عام 2004، يتم الاحتفال باليوم العالمي لعرق السوس في 12 أبريل/نيسان من كل عام.
وفي عام 2009، أطلقت السويد مهرجانًا لتذوق عرق السوس بكل أشكاله. ويشهد عرق السوس زيادة في الطلب في أوروبا وأميركا الشمالية. حيث يُشير تقرير لشركة “ترانسبيرنسي” لأبحاث المستهلك إلى أنه بفضل حلاوته الطبيعية. يمكن أن يحل عرق السوس محل المنتجات المحلاة لتحقيق صحة أفضل.
اقرأ كذلك: القهوة التركية … ثقافة عريقة ومذاق فريد