عندما تقدَّم التضحية في شهر العبادة!
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا، لعلمت أنك بالعبادة تلعب. من كان يخضب خده بدموعه، فنحورنا بدمائنا تتخضب.
يستمر صدى أبيات ابن المبارك الرنانة، ترسم لوحة رمزية للتضحية والإخلاص. تلك الأبيات العذبة تنطلق من قلب مليء بالإلهام والتفاني، موجهة إلى الفضيل بن عياض، في تلك الفترة الأولى من عصر الإسلام. تناولها للحديث عن ميادين المقاومة وشرفها المتجلى في الدفاع عن الدين والأرض.
لقد جسّدت الأبيات الرفيعة الهمة العالية للمقاومة، واحترام الحياة الإنسانية. إنها تذكر بأهمية حماية الثغور والدفاع بالأرواح والأموال. كانت تلك الفترة تتطلب المرابطة بكل جسارة وإقدام، “بين طعن القنا وخفق البنود”.
وصلت رسالة ابن المبارك إلى الفضيل بن عياض بدفء، وقلبت دفاتين الصمود والاستجابة. لقد أعرب بإخلاص عن تأييده للمقاومين، مؤكداً على صدق رسالتهم ووفائهم للقضية.
وبهذا السياق، يتلاقى التقدير من مختلف الأطياف نحو الشجاعة والتضحية. إن المكانة التي حظي بها ابن المبارك تعكس هذا التقدير والاحترام، وذلك من خلال استمراره في مواجهة الصعاب والمخاطر، سواء كانت في ميادين القتال أو في غمار التحديات.
تأملات في روح المقاومة: فضيل ابن عياض
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا، وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه.
عرفاناً بهذا الدور، كان الأدب يومها مترجماً عن صورة ابن المبارك لدى الرأي العام، كما في البيتين:
إذا سار عبد الله من مرو ليلة، فقد سار منها نورها وجمالها.
إذا ذكر الأحبار في كل بلدة، فهم أنجم فيها وأنت هلالها.
تتألق شخصية الفضيل بن عياض بصورة مشرقة في أفق الوعي الجماعي، حيث يحتل مكانة مرموقة وسط النفوس. إنه نموذج للهدى والإنابة، فقد جمع بين الخشية والإخبات، ونابعاً منه جوهر إيماني لامع. لكن الأبيات تعكس مقارنة مثيرة للاهتمام بين المقاومة وسائر أوجه الانشغال الديني، حيث يبرز دور المقاومة وأهميتها الفاعلة في ساحة العمل والجهاد. فعندما يتعلق الأمر بالعمل الديني والمشاركة في المقاومة، يظهر تفوق المقاومة وتبرز قيمتها المتفردة. يظهر الفضيل بن عياض كرمز للتضحية والاستعداد للموت من أجل القضية العادلة، حاملاً راية الشجاعة والصمود بينما يسابق الزمان والمكان في سبيل نصرة الحق والعدل.
بهذا النهج، تتجسد روح المقاومة والتضحية في شخصية الفضيل بن عياض، محملة بالإيمان والقناعة، ومرفوعة على علم الحق. إنها روح تحمل الوعي والقدرة على التضحية، متجاوزة حدود الزمان والمكان، ومواكبة لجميع التحديات والمعارك التي تشهدها الحياة.
قصة إيمان وتضحية: سوح المقاومة والعبادة
ومن ضمن العناصر المشاركة في تفضيل سوح المقاومة، أن نماذجها قد جمعوا معها ما سواها من العبادات، فلم يكتفوا بالعبادة وحدها، بل وصلوا إلى السنام من دون الانتساب لغيره من المقامات. وهنا يطلعنا عبد الله ابن المبارك على محرابه وطبيعة الهم الروحي الذي يسيطر على وجدانه، حيث يقول:
“فكيف قرت لأهل العلم أعينهم، أو استلذوا لذيذ النوم أو هجعوا. والنار ضاحية لا بد موردها، وليس يدرون من ينجو ومن يقع. وطارت الصحف في الأيدي منشرة، فيها السرائر والجبار مطلع. إما نعيم وعيش لا انقضاء له، أو الجحيم فلا تبقي ولا تدع. تهوي بساكنها طورا وترفعه، إذا رجوا مخرجا من غمها قمعوا.”
وبالتالي، يقوم بتحويل هذا الشعور إلى اشتغال عملي بأعظم ما يراه منجياً، وهو هذه المقاومة والجهاد، ضماناً لسلامته وتجاوزه للقنطرة. ويختم أبياته بالقول:
“لينفع العلم قبل الموت عالمه، قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا.”
رحم الله ابن المبارك.. رحم الله الفضيل بن عياض، أول من احتفى بأبيات “يا عابد الحرمين” وأنزلها منزلتها تقديراً وتثميناً.
اقرأ كذلك: متى ستستيقظ الأمة وتنصر فلسطين ؟