مدونات

ما هي الآثار المترتبة على الكشف المتواصل لعمليات الموساد في تركيا؟

تحديات متعددة الأبعاد: تداعيات الأنشطة الاستخباراتية الإسرائيلية على الأمن القومي التركي والعلاقات الثنائية في ظل التوترات الإقليمية

في خطوة أثارت الكثير من الجدل، كشفت تركيا عن اعتقال سبعة أشخاص في كل من إسطنبول وإزمير. تم القبض عليهم يوم الجمعة الماضي بتهم تتعلق ببيع معلومات للموساد الإسرائيلي. جاء هذا التطور بناءً على تقارير استخباراتية تفيد باستخدام الموساد لمحققين خاصين لتتبع أهدافه داخل تركيا. استخدمت تكتيكات عدة مثل جمع البيانات الشخصية والاستطلاع والتوثيق المرئي والمصور، بالإضافة إلى المراقبة وتركيب أجهزة تتبع.

هذا الحدث فتح الباب أمام تساؤلات حول الصراع الاستخباراتي بين تركيا وإسرائيل. في وقت سابق من هذا العام، أعلنت السلطات التركية عن اعتقال 34 شخصًا في ثماني ولايات مختلفة بتهمة القيام بأنشطة تجسسية لصالح الموساد. بعد التحقيق، تم اعتقال 15 شخصًا منهم وترحيل 8، فيما أُفرج عن 11 بشروط.

تأتي هذه التطورات في أعقاب تهديدات من إسرائيل بتنفيذ عمليات ضد قادة حماس في عدة دول، بما في ذلك تركيا ولبنان والأردن. هذه الأحداث أضافت زخمًا لما يُعرف بـ”دبلوماسية الاستخبارات”، مما يشير إلى تصاعد جديد في النشاط الاستخباراتي بين البلدين. الاستخبارات التركية لم تعد تكتفي بالمراقبة، بل انتقلت إلى مرحلة الانخراط في تحركات استخباراتية فعالة.

تركيا والموساد: لعبة الاستخبارات والتحركات الدقيقة

منذ التسعينيات، كانت العلاقة بين الموساد والاستخبارات التركية في فترة ذهبية. لكن، بعد عام 2010، بدأت الشكوك تتصاعد حول تركيا وجهاز استخباراتها، خاصة بعد أن نفذت تركيا أربع عمليات نوعية منذ عام 2021. هذه العمليات استهدفت أشخاصًا يُشتبه في تورطهم بأنشطة تجسس دولية لصالح الموساد الإسرائيلي.

في أكتوبر 2021، ارتفعت حدة التوتر بين الطرفين. أعلنت تركيا عن اعتقال 29 فردًا، بما في ذلك مواطنين إسرائيليين، في عملية أطلقت عليها اسم “موتيني”. هذه العملية، التي استغرقت عامًا كاملاً من المراقبة الدقيقة. كشفت عن شبكة تجسس تابعة للموساد كانت تهدف إلى جمع معلومات عن الطلاب السوريين والفلسطينيين في الجامعات التركية.

تلا ذلك عملية “نيوبلاز” في ديسمبر 2022، حيث اعتقلت السلطات التركية 68 عميلا. ثم جاءت عملية “نيكبت” في أبريل 2023، التي استهدفت 17 عميلا. بينهم التركي سلجوق كوجوكايا الذي كان قد أسس شبكة استخبارات تعمل داخل تركيا، متورطة في تبادل المعلومات السرية مقابل المال.

مع بداية عام 2024، أطلقت الاستخبارات التركية عملية “مدينة الموتى”. هذه العملية استهدفت 46 شخصًا وأدت إلى توقيف 34 منهم، بينما فر الـ12 الآخرون، ومن المحتمل أنهم غادروا البلاد.

على الرغم من هذه المعركة الاستخباراتية المستمرة، لم تغفل تركيا عن حماية الرعايا الإسرائيليين. في فبراير 2022، أحبطت محاولة اغتيال استهدفت رجل أعمال يهودي يحمل كلا من الجنسية التركية والإسرائيلية ويقيم في إسطنبول. بالإضافة إلى ذلك، ألقت السلطات القبرصية القبض على إيرانيين اثنين. وكشفت التقارير أن الاستخبارات التركية لعبت دورًا مهمًا في إحباط مخططهما لشن هجمات ضد الإسرائيليين في قبرص

تركيا في مرمى الموساد: استراتيجيات التجسس والمواجهة

الموساد يضع تركيا في صلب أولوياته، خاصةً الفلسطينيين المقيمين فيها. وبالأخص الطلاب الدارسين في التخصصات الهندسية والأشخاص ذوي الصلات المحتملة بحركة حماس. يهدف الموساد من خلال هذه الاستراتيجية إلى جمع معلومات استخباراتية ذات قيمة عالية. معززًا بذلك أنشطته الاستخباراتية في تركيا.

وفقًا لتقارير إعلامية تركية مبنية على نتائج التحقيقات، يتبع الموساد أساليب متعددة لغرس جواسيسه في الأراضي التركية. الأكثر شيوعًا وفعالية هي إعلانات الوظائف الزائفة عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي. وكذلك إعلانات المنح الدراسية المغرية للطلاب، ذات التفاصيل الشحيحة أو المعدومة.

يقتصر التواصل بين الضباط الإسرائيليين والمجندين على المحادثات النصية عبر تطبيقات المراسلة كـ”تليغرام” و”واتساب”. أما عمليات الدفع وتسليم الأموال فيتم تنفيذها عن طريق وسطاء وبشكل مباشر. بعد ذلك، تتطور المهام إلى مستويات تكتيكية أكثر تعقيدًا، تتطلب من العملاء تنفيذ مهام متقدمة كالاجتماعات الشخصية. جمع المعلومات، البحث الميداني، تصوير الأهداف. تسجيل فيديوهات، إدارة مجموعات “واتساب” ومواقع إلكترونية لنشر معلومات مغلوطة. والعمل تحت ستار شركات استشارية.

تركيا وإسرائيل: تحديات جيوسياسية واستخباراتية متصاعدة

في خضم التقلبات الجيوسياسية المتشابكة، تبرز الأهمية المتزايدة لرصد تطورات الأنشطة الاستخباراتية للموساد الإسرائيلي، وبخاصة على الأراضي التركية التي تعتبر نقطة إستراتيجية رئيسية في الألعاب الإقليمية.

الخبير الأمني عبد الله داغ يُبرز في حديثه للجزيرة نت أن إسرائيل. المتخبطة بين أزمات داخلية وخارجية متعددة وتحت ضغط شعبي متصاعد يطالب بوقف إطلاق النار في غزة وإعادة الأسرى. تسعى جاهدة لتحقيق انتصارات استخباراتية وأمنية لتحسين صورتها في الداخل.

يرى داغ أن تركيا، بموقفها المتفهم لقضايا المقاومة وعدم تصنيف حماس كمنظمة إرهابية. تُعد بيئة خصبة لعمليات الموساد، وخاصة تلك المتعلقة باغتيال القيادات. يعتبر داغ أن هذه العمليات لا تستهدف إضعاف المقاومة فحسب. بل تهدف أيضاً إلى إرسال رسائل سياسية وأمنية معقدة إلى القوى الفاعلة في المنطقة.

وفقاً لداغ، فإن التأثيرات السلبية لنشاط الموساد على الأراضي التركية لا تقتصر على البُعد الأمني فحسب. بل تمتد لتشمل الجوانب الاقتصادية والسياحية، حيث يؤثر جعل تركيا مسرحاً لعمليات الاغتيال والتجسس سلباً على صورتها الدولية كوجهة آمنة ومستقرة، مما قد يؤدي إلى تراجع الاستثمارات والسياحة، وبالتالي الإضرار بالاقتصاد التركي. كما يشير إلى أن هذه الأنشطة قد تفجر توترات داخلية بسبب تأثيراتها السياسية والاجتماعية.

داغ يشدد على أنه رغم التحسن الملحوظ في العلاقات الثنائية بين تركيا وإسرائيل مؤخراً، إلا أن استمرار العمليات الإسرائيلية على الأراضي التركية قد يسبب توترات جديدة، ليس فقط على الصعيد الدبلوماسي، بل أيضاً في التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين.

 

اقرأ كذلك: هذه رسالة المخابرات التركية إلى الموساد !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات