توحيد الله “لا إله إلا الله” في الإسلام .. المفتاح لدار السلام والنجاة من النار
أهمية الحذر من الشرك والابتعاد عن وسائله في الإسلام: نصائح للمسلمين للمحافظة على التوحيد وسلامة الإيمان

في الإسلام، تكمن أهمية التوحيد “لا إله إلا الله” في كونها كلمة الإسلام نفسه، ومفتاح دار السلام والبراءة من الشرك. وسبيل النجاة من النار. تعني هذه العبارة الإيمان بوحدانية الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته. وأسمائه وصفاته، حيث لا شريك له في ملكه وتدبيره. وهو الوحيد الذي يستحق العبادة بحده واحترامه.
قد خلق الله تعالى الخلق وأرسل الأنبياء والرسل لتعليمهم التوحيد ودعوتهم للعبادة الصحيحة. كما جاء في القرآن الكريم: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (الذاريات:56). وبهذا يُفهم أن الإنسان خلق للعبادة والتوحيد.
الشرك بالله هو أعظم المنكرات، حيث قال الله تعالى: “إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” (لقمان:13). وعاقبته هي حرمان الإنسان من الجنة وإبقائه في النار. كما ذكر في كتاب الله: “إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ” (المائدة:72).
لهذا السبب، أنذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الشرك ونهى عن كل ما يقودهم إلى الوقوع في هذه الخطيئة العظيمة. يجب على المسلمين الالتزام بتوحيد الله والحفاظ على بعد أي أثر للشرك بالله في أقوالهم وأفعالهم.
في مسار توحيد الله والحفاظ على براءة الإيمان من الشرك. يُعتبر التنبيه على وسائل الشرك أمرًا بالغ الأهمية. تعرَّف وسائل الشرك على أنها جميع الأسباب والوسائل القولية والفعلية التي تساهم في توجيه الإنسان نحو الشرك بالله والتصديق به.
1- الحلف بغير الله عز وجل
من بين هذه الوسائل الضارة، يأتي الحلف بغير الله تعالى كواحدة منها. إذ يُعتبر الحلف بغير الله تعالى عملًا يؤدي إلى تعظيم المخلوق، ويرتفع به إلى منزلة لا تجوز إلا لله عز وجل. كما صرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن: “مَنْ حلفَ بغيرِ اللَّه فقد أشرَك”، وهذا حديث رواه أبو داود. توضيحًا لهذا الأمر. قال المناوي: “أي أن الشخص الذي يقسم بغير الله، يكون قد انسلخ عن التوحيد وتوجه نحو الشرك. مما يُعدُّ فعلاً شركيًا أو يشبه به أصحاب الشرك. إنَّهم كانوا يُقسِمون بآبائهم وبالآلهة التي يعبدونها مع الله، وهذا أمر غير مقبول”. وفي سياق مماثل، أوضح السيوطي: “في هذا النهي عن الحلف بغير الله يكمن السبب في عدم جواز تعظيم المخلوقات. فالتعظيم بالحقيقة ينبغي أن يكون حصرًا لله وحده”.
إن هذا النهج يُظهِر الأهمية القصوى للتوحيد وضرورة الحفاظ عليه. حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: “إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم. فمَنْ كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت”. وهذا النهي يظهر بوضوح أن الحلف بغير الله لا يجوز تطبيقه بأي حال من الأحوال.
2 ـ الألفاظ التي ظاهرها التسوية بين الخالق والمخلوق:
في مجال الالتزام بتوحيد الله والحفاظ على الفهم الصحيح للإيمان. يعتبر توجيه الانتباه إلى الألفاظ التي تجعل تسوية بين الخالق والمخلوق أمرًا بالغ الأهمية. القاعدة الأساسية هي عدم تسوية الله مع أي مخلوق في الأقوال والأفعال.
من بين هذه الألفاظ الضارة تأتي “ما شاء الله وشاء فلان”، وقد نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم بوضوح. قال في حديث أبو داود: “لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان”. يُظهِر هذا النهي أهمية عدم مجاراة إرادة الله بإرادة المخلوق.
في تفسير هذا النهي، يُشير الطيبي إلى أن الواو كانت تُستخدم كحرف جمع وتشبيه. ومنع النبي صلى الله عليه وسلم الانصهار بين إرادة الله وإرادة المخلوق بواسطة الحرف “وَ”. وهو أمر يظهر أهمية إعطاء الأولوية لإرادة الله وتأخير إرادة المخلوق بحرف “ثم”.
وفي معناه، أوضح ابن القيم في “زاد المعاد” أهمية اختيار الألفاظ بحذر. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يختار أفضل الكلمات للخطبة والتعبير. ومن هنا جاء نهيه عن قول “ما شاء الله وشاء فلان” ودعوته لاستخدام الكلمات الصحيحة التي لا تجعل المخلوق نِدًّا لله.
3 ـ التبَرُّك:
في سياق الإيمان والتوحيد، يجب أن نتجنب الوقوع في الخطأ و التبَرُّك، حيث تُعتبر البركة نعمة وفضلًا من الله تعالى. يتعين علينا أن نعلم أنها لا تأتي إلا من خلال إرادة الله وأنه ليس هناك أي مخلوق قادر على منح البركة بنفسه.
التبَرُّك هو الطلب من الله للبركة في الأمور الحياتية. وهذا يعني أنه يجب أن يستند التبَرُّك إلى الأمور التي تمثل الشريعة (الكتاب والسنة النبوية الصحيحة)، وليس بناءً على آراء الناس.
في الحقيقة، التبَرُّك يعبر عن اعتقاد المُتَبَرِّك أن المخلوق يمكن أن يمنح البركة بنفسه. سواء كان هذا المُتَبَرَّك به نبيًا أو وليًّا أو صالحًا. وهذا الاعتقاد يمثل شكلاً من أشكال الشرك بالله. فالبركة والنعمة تأتي فقط من الله تعالى، وهذا ما أكده النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: “البركة من الله”.
لذا، يجب أن نحذر من الانجراف في هذا الخطأ ونتجنب التصديق بأن أي مخلوق آخر يمكن أن يمنح البركة بنفسه. الأشياء المباركة والنعم تأتي من الله تعالى وهو من يجعل فيها البركة. إنه من الأهمية القصوى أن نفهم هذه الحقيقة ونحترمها في إيماننا وعبادتنا.
الغُلو في الصالحين
في السياق الشرعي، يشير مصطلح الغلو إلى مجاوزة حدود ما شرعه الله عز وجل. سواء كان هذا التجاوز يتعلق بالاعتقادات أو الأقوال أو الأعمال. إن الغلو يأتي عندما يتجاوز الإنسان الحدود المحددة للحمد أو الذم على ما يستحقه الشخص أو الشيء.
وفي سياق الاعتقاد الديني، يعتبر الغلو في الأنبياء والصالحين من أخطر السلوكيات التي تقود إلى الشرك بالله. إن بداية الشرك بالله نشأت من الغلو في الصالحين ورفعهم إلى منازل لا تناسبهم. يتضمن هذا الغلو الاعتقاد بأن الصالحين يملكون معرفة بالغيب وأنهم قادرون على تحقيق النفع والخير بأنفسهم. هذا الاعتقاد يمثل تجاوزًا خطيرًا لحدود الاعتقاد الصحيح.
لمثال، في تفسير قصة قوم نوح وأصنامهم، تبين أن الناس كانوا يعبدون أصنامًا تمثل صالحين من بينهم. ولكن عندما مات هؤلاء الأصنام واكتشف الناس حقيقة الأمور، أُنزِلَ الشرك بالله. إن الغلو في الصالحين يمكن أن يؤدي إلى هذا الشرك بسهولة.
نبينا صلى الله عليه وسلم قد حذرنا بشدة من التجاوز والغلو في مدحه. حتى لا نقع في نفس الخطأ الذي وقعت فيه اليهود والنصارى بسبب غلوهم وتجاوزهم في مدح أنبيائهم.
عندما نتناول قول الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. نجد أنهما أكدا على ضرورة عدم رفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مرتبة أعلى مما يستحق. وعلى عبادته لله وإخلاصها له وحده. قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تُطْروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد. فقولوا عبد الله ورسوله”، وأيضًا قال: “أيُّها الناس! لا تَرْفَعُونِي فَوْق قدْري، فإنَّ الله اتَّخذني عبداً قبل أنْ يَتَّخِذَني نبيّا”.
هذا الحذر الشديد يأتي للحفاظ على توحيد الله وعدم الانزلاق إلى الشرك بالله عز وجل. ولذلك. يجب علينا أن نأخذ هذا الدرس ونتجنب التجاوز والغلو في مدح أي شخص. حتى لا نخالف التعاليم الإسلامية ونحافظ على وحدانية الله تعالى.
التحذير من بناء المساجد على القبور
نهى النبي صلى الله عليه وسلم بشدة عن بناء المساجد على القبور. وذلك لأن هذا العمل يمكن أن يؤدي إلى الشرك بالله تعالى. في حديث عائشة رضي الله عنها وهي أم المؤمنين. ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بالحبشة وكانت تحتوي على تماثيل. فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: “إنَّ أُولَئِكَ، إذَا كانَ فِيهِمُ الرَّجُل الصَّالح فمات، بَنَوْا على قبْرِهِ مَسْجِدًا. وصَوَّروا فيه تلك الصُّوَر، أولئك شِرَارُ الخَلْق عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَة”. وهذا الحديث يُظهر بوضوح تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين.
إن الهدف من تصوير تلك الصور في المساجد القائمة على القبور كان لتذكير الناس بأعمال الصالحين وفعالياتهم الصالحة. لكن مع مرور الزمن، فقد أُحِطَت هذه الصور بعبادة غير مشروعة والتي يُمكن أن تؤدي إلى الشرك بالله عز وجل.
لذا، يجب على المسلمين أن يتحلى بالحذر ويتجنبوا بناء المساجد على القبور. وذلك للحفاظ على توحيد الله تعالى وعبادته الخالصة، وللمحافظة على نقاء الإيمان والتوجه الصحيح في العبادة.
وقال القاضي عياض: “النبي صلى الله عليه وسلم نهى بشدة عن تحويل قبره إلى مسجد. وذلك لما خشيه من تفاقم الأمور والانحراف عن الطريق الصحيح إلى الطريق الخاطئ. وكذلك قصد الحفاظ على التوحيد والعبادة الخالصة لله. هذا التحذير جاء ليقطع أي ذريعة تؤدي إلى ما هو مذموم.
في العصور السابقة، كانت الأمم تقوم بصنع تماثيل للأنبياء والصالحين الذين عاشوا في وسطهم، وعندما مات أحدهم. بنوا مسجداً على قبره وصوروا تلك التماثيل في المسجد ليتذكروا أعمالهم الصالحة ويعبدوا الله في مكانهم. ولكن مع مرور الزمن، فقد فُهِمت هذه العبادة بشكل غير صحيح، وأصبح الناس يعبدون تلك التماثيل وينحرون على أمور لا ترضي الله.
لذا، يجب على المسلمين أن يتحلوا بالحذر ويتجنبوا تحويل قبر النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسجد. إن تحويل القبور إلى مساجد يمكن أن يؤدي إلى الشرك بالله تعالى وتشويه العبادة الصحيحة. لذا، يجب أن نتذكر دائماً تحذير النبي صلى الله عليه وسلم وأن نحترم الحدود الموضوعة من قبل الشرع للمحافظة على توحيد الله وعبادته الخالصة.
التوسل
التوسل في الشرع يمثل وسيلة للتقرب إلى الله تعالى من خلال أداء الواجبات والأعمال المستحبة. أو من خلال ترك المحرمات، وهذه الوسيلة يمكن أن تكون مشروعة ومقبولة في الإسلام. فما يتوافق مع الكتاب الشريف والسنة النبوية الصحيحة من أعمال التوسل، مثل التوسل بأسماء الله تعالى وصفاته. والتوسل بالأعمال الصالحة، والتوسل إلى الله من خلال دعاء المسلم الصالح الحي، فهي جميعها مشروعة ومقبولة.
ومع ذلك، هناك أشكال من التوسل تكون ممنوعة في الشرع، وتؤدي إلى الشرك بالله تعالى. هذا التوسل يتعلق بمحاولة العبد للتقرب إلى الله بما لم يُثبت في الكتاب الشريف أو في السنة النبوية الصحيحة كوسيلة للتواصل مع الله.
على سبيل المثال، التوسل إلى الله بواسطة شخص آخر أو ميت. سواء كان ذلك باعتباره وسيلة للشفاعة أو لطلب الدعاء منه، يعد من التوسل الممنوع ويشكل انحرافاً عن التوحيد الصحيح. هذا التحذير من التوسل الممنوع جاء ليجنب المسلمين أي مخاطر تتعلق بالشرك بالله تعالى.
إذاً، يجب على المسلمين أن يفهموا الفرق بين التوسل الشرعي الذي يعزز التوحيد والعبادة الصحيحة. وبين التوسل الممنوع الذي يمكن أن يؤدي إلى الانحراف والشرك. هذا الفهم يساعد في الحفاظ على العبادة الصحيحة والتقرب إلى الله تعالى بالطرق السليمة والمشروعة.
وقال السعدي في تفسيره للآية “{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}” أي: اعتمدوا على غير الله في عبادتهم ودعائهم. ولكنهم اعتذروا عن أنفسهم وقالوا: “{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}” أي: نعبدهم فقط لكي يسهلوا لنا الوصول إلى الله. ويشفعوا لنا لديه، وإلا فإننا ندرك تماماً أن هؤلاء الآلهة لا تخلق ولا ترزق، ولا تمتلك أي سلطة في الأمور. إنهم تركوا تعاليم الله والإخلاص الذي أمر به، وجرأوا على ارتكاب أعظم المحرمات، وهو الشرك.
قد قاموا بمقارنة الله تعالى بملوك الدنيا، معتقدين أنه كما يمكن الوصول إلى الملوك من خلال الوسطاء والشفعاء. يمكن الوصول إلى الله بنفس الطريقة. هذا القياس الخاطئ يعد من أسوأ الاجتهادات. ويشبه التسوية بين الخالق العظيم والمخلوقات الضعيفة.
وقد أوضح ابن تيمية أن دعاء الملائكة والأنبياء بعد وفاتهم واستشفاع الناس بهم ليس من الدين الذي شرعه الله. ولم يبعث به رسول، ولم يُنزل به كتاب، ولم يقم به أحد من الصحابة والتابعين والأئمة المعتبرين. إن هذه الأفعال تعتبر انحرافاً عن الإيمان بالتوحيد الصحيح وتوجيه العبادة إلى الله وحده.
فمن الواجب على المسلم أن يكون حذرًا بمراتب عالية من الشرك بالله تعالى، سواء كان هذا الشرك كبيرًا أو صغيرًا. ينبغي له أن يبتعد عن أي وسيلة أو أسباب قولية أو فعلية تقود إلى الشرك أو تؤدي إليه. يجب عليه أن يتوخى الحذر والابتعاد عن كل ما يمكن أن يجعله يشرك مع الله. وينبغي له أن يكثر من الدعاء لربه سبحانه وتعالى، يطلب منه أن ينجيه من هذا الخطر.
كما علمنا إبراهيم عليه السلام الدعاء والابتعاد عن الشرك حين قال: “{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ}” (إبراهيم: 35). أي: ابعدنا عن عبادة الأصنام واجعلنا نبتعد عنها بعيدًا. إبراهيم التيمي قال: “مَنْ يستطيع أن يتجنب الشرك بعد إبراهيم؟!”.
نبينا صلى الله عليه وسلم حذرنا ونهانا عن استخدام أي وسيلة تقود إلى الشرك بالله تعالى. هذا التحذير يأتي من منطلق حماية لمكانة التوحيد وتوجيه للأمة وشفقة عليها.