الاسلام والحياة

تصفيد الشياطين في رمضان: لماذا تكثر المشاكل والنزاعات قبل الإفطار؟

يعتبر شهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة، حيث تكثر الطاعات وتسمو النفوس بالعبادة. ومن أبرز المفاهيم الدينية المتعلقة بهذا الشهر قضية تصفيد الشياطين. فقد ورد في الحديث النبوي الشريف:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين” (رواه البخاري ومسلم).

ورغم هذا التصفيد، يلاحظ الكثيرون زيادة المشاكل والمشاحنات، خاصة قبيل الإفطار. فما تفسير ذلك؟ وهل هناك أدلة أخرى من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح تؤكد هذه الظاهرة؟

ما معنى تصفيد الشياطين؟

المقصود بتصفيد الشياطين في رمضان هو تقييدهم وتقليل تأثيرهم على الإنسان. لكن هذا لا يعني اختفاء الشرور والمشاحنات تمامًا. فقد ذكر بعض العلماء أن التصفيد لا يشمل كل الشياطين، بل يشمل المردة منهم فقط. كما أن تصفيدهم لا يعني منع الوساوس بشكل كامل، لكنه يقلل من تأثيرهم المباشر.

وقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:

“كون الشياطين تصفد في رمضان لا يمنع وقوع الشرور والمعاصي، لأن لذلك أسبابًا غير الشياطين، كالنفس الأمارة بالسوء والعادات القبيحة”.

لماذا تحدث المشاكل رغم تصفيد الشياطين؟

هناك عدة أسباب تؤدي إلى زيادة المشاحنات في رمضان رغم تصفيد الشياطين، ومن أبرزها:

1. العادات والسلوكيات المتأصلة

الإنسان ليس مبرمجًا على الطاعة بشكل تلقائي. فهناك تأثير كبير لعاداته وسلوكياته المتراكمة عبر الزمن. فحتى لو تم تصفيد الشياطين، تبقى العادات السيئة مسيطرة على البعض.

وقد أشار الإمام ابن القيم رحمه الله إلى ذلك بقوله:

“النفس إذا لم تُعوَّد الطاعة فإنها تجنح إلى المعصية ولو لم يوسوس لها الشيطان”.

2. الضغوط النفسية والجسدية

خلال ساعات الصيام، يعاني الكثيرون من التعب والجوع والعطش. وهذا يؤدي إلى انخفاض مستوى الصبر والتحمل، مما يجعل الشخص أكثر عرضة للغضب والانفعال.

وقد قال النبي ﷺ:

“إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم” (متفق عليه).

3. تأثير النفس الأمارة بالسوء

ليس الشيطان هو المصدر الوحيد للشر. فالنفس البشرية قد تكون مصدرًا للمعاصي والمشاحنات. وقد قال الله تعالى:

﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي﴾ (يوسف: 53).

4. ضعف المجاهدة وترك الاستعاذة

الشيطان وإن كان مصفدًا، إلا أن بقايا وساوسه التي تراكمت في النفوس لا تزال تعمل. فالمسلم يحتاج إلى مجاهدة مستمرة، والاستعاذة بالله من شر نفسه ومن شر وساوس الشيطان.

وقد قال الإمام الحسن البصري رحمه الله:

“إذا لم يكن للعبد ورد من الذكر والطاعة، فإن نفسه تهلكه قبل أن يهلكه الشيطان”.

كيف نحد من المشاكل في رمضان؟

يمكن تقليل المشاكل والمشاحنات خلال رمضان عبر اتباع بعض السبل العملية، منها:

  1. تذكر فضل الصيام والصبر على المشقة، فقد قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ (البقرة: 45).
  2. التحكم في الغضب، كما جاء في الحديث: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” (متفق عليه).
  3. الانشغال بالطاعة وقراءة القرآن، فقد كان السلف الصالح يتركون الجدال في رمضان وينشغلون بالذكر والعبادة.
  4. تجنب الجدال والمشاحنات، والالتزام بقول النبي ﷺ: “إني صائم” عند وقوع الخلافات.
  5. الحرص على الدعاء والاستعاذة، فقد قال النبي ﷺ: “اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، وهمزه ونفثه ونفخه” (رواه أحمد).

رغم تصفيد الشياطين في رمضان، فإن النفس والعادات والضغوط النفسية تلعب دورًا في استمرار المشاحنات، خاصة قبل الإفطار. ولذلك، يجب على المسلم أن يسعى إلى التهذيب والتدريب على الصبر، وأن يحرص على الذكر والعبادة، حتى يكون رمضان شهرًا للسلام والرحمة، وليس للمشاحنات والتوتر.

نسأل الله أن يجعلنا من الصالحين الذين يغتنمون رمضان بالطاعة، وأن يعيننا على تهذيب نفوسنا، وأن يرزقنا القبول والتوفيق.

اقرأ كذلك: القلة والكثرة في القرآن الكريم.. بين المدح والذم وفق ميزان الحق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات