غرام واحد يحل محل 7500 غالون بنزين.. وقود يعد بثورة في مجال الطاقة النظيفة
الثوريوم: البديل الآمن والواعد للطاقة النووية التقليدية في المستقبل، مع إمكانيات ضخمة لتحقيق نقلة نوعية في عالم النقل والطاقة النظيفة
غرام واحد يعوّض 7500 غالون بنزين.. وقود يعد بثورة في الطاقة النظيفة. في الوقت الذي يسعى فيه العالم بشكل متزايد نحو مصادر طاقة نظيفة ومستدامة، تأتي الحاجة الملحة لإيجاد بدائل للوقود الأحفوري. هذه الحاجة تعكس اهتمامًا متزايدًا في إيجاد حلول تساهم في تقليل الانبعاثات الكربونية والحد من آثار التغير المناخي. من بين هذه الحلول التي بدأت تظهر في الأفق، يبرز الثوريوم كبديل واعد للوقود النووي التقليدي. وفقًا للأبحاث التي تجريها شركة “ليزر بوير سيستمز” في ولاية كونيتيكت الأميركية، فإن الثوريوم يمتلك إمكانيات ضخمة لمكافحة تغير المناخ، ويمكن أن يمثل قفزة نوعية في عالم الطاقة.
الثوريوم: بداية واعدة لتقنيات جديدة في الطاقة
يُعتبر الثوريوم عنصرًا كيميائيًا مشعًا يوجد بشكل طبيعي في قشرة الأرض. وهو مادة تتسم بوجودها بكميات أكبر من اليورانيوم بحوالي ثلاث مرات، ويعد خيارًا مثاليًا لاستخدامه كوقود في المفاعلات النووية. يعتمد العلماء والمطورون على الثوريوم كبديل مستدام وآمن عن اليورانيوم، وذلك بفضل خصائصه الفريدة التي تجعله أكثر فعالية في إنتاج الطاقة وتخفيف الآثار السلبية للمفاعلات النووية التقليدية.
ومع أن فكرة استخدام الثوريوم في توليد الطاقة النووية قد بدأت في السنوات الماضية، فإنَّ الأبحاث والدراسات المستمرة في هذا المجال قد أحدثت تغييرات كبيرة في كيفية تطويع هذه المادة لاستخدامات المستقبل. ومع زيادة الاهتمام الدولي بتقنيات الطاقة النظيفة، يبدو أن الثوريوم سيكون جزءًا أساسيًا في المستقبل القريب، ليس فقط في مجال الطاقة النووية، بل حتى في مجال النقل المستدام.
الثوريوم: خيار آمن ومستدام
أحد الجوانب المميزة التي تجعل من الثوريوم خيارًا مثاليًا هو الأمان النسبي الذي يقدمه عند استخدامه مقارنة باليورانيوم. فقد أظهرت الدراسات أن الثوريوم ينتج نفايات مشعة أقل خطورة من تلك التي تنتج عن اليورانيوم. كما أنَّ الثوريوم يُصدر إشعاع ألفا الذي لا يخترق الجلد البشري. وهذا يعني أنَّه يمكن احتواؤه بسهولة باستخدام حاويات فولاذية سميكة دون التأثير على البيئة أو صحة الإنسان.
علاوة على ذلك، فإن تكلفة استخراج الثوريوم وتجهيزه أقل بكثير من تكلفة اليورانيوم. وهذا يجعل من الثوريوم مصدرًا اقتصاديًا لتوليد الطاقة، خاصة في ظل الحاجة الملحة لخفض التكاليف المرتبطة بالطاقة النووية. بالإضافة إلى ذلك. من الصعب تحويل الثوريوم إلى مواد قابلة للاستخدام في صناعة الأسلحة النووية. هذا يجعل الثوريوم خيارًا آمنًا في عالم يشهد تنافسًا متزايدًا على السيطرة على التكنولوجيا النووية.
تطبيقات الثوريوم في النقل: ثورة جديدة
من أبرز التطبيقات التي يتوقع أن تحدث ثورة حقيقية في عالم الطاقة والنقل هو استخدام الثوريوم كوقود نووي في السيارات. وفقًا للأبحاث التي أجرتها شركة “ليزر بوير سيستمز”، فإن غرامًا واحدًا من الثوريوم يحتوي على طاقة تعادل 7500 غالون من البنزين. وهذا يعني أنَّ سيارة تعمل بـ8 غرامات فقط من الثوريوم يمكنها السفر لمسافة مليون ميل (حوالي 1.6 مليون كيلومتر) دون الحاجة للتزود بالوقود.
تكمن أهمية هذه الميزة في أنَّها قد تُمكِّن السيارات من السفر لمسافات طويلة دون القلق من توقف محطات الوقود أو الحاجة إلى إعادة شحن البطاريات كما يحدث في السيارات الكهربائية. مع الثوريوم، يمكن تقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري بشكل كبير، مما يساهم في تقليل الانبعاثات الكربونية التي تساهم في الاحتباس الحراري.
كيف يعمل الثوريوم في السيارات؟
تعتمد التقنية التي تطورها شركة “ليزر بوير سيستمز” على تسخين الثوريوم باستخدام ليزر عالي الكثافة. يعمل هذا الليزر على توليد حرارة كبيرة، يتم استخدامها لتسخين الماء وتحويله إلى بخار. هذا البخار، بدوره، يُشغّل توربينات صغيرة تولد الكهرباء التي تُشغل السيارة. وبفضل هذه التقنية، تصبح كل سيارة تعمل بالثوريوم بمثابة محطة طاقة متنقلة.
النظام بأكمله يزن حوالي 227 كيلوغرامًا، مما يعني أنَّ السيارة التي تعمل بالثوريوم ستكون مجهزة بمكونات توليد الطاقة الخاصة بها. لكن تطوير هذه التقنية يتطلب تقنيات متقدمة وبنية تحتية ضخمة، بالإضافة إلى استثمار كبير. ورغم هذه التحديات، إلا أنَّ الباحثين في “ليزر بوير سيستمز” يواصلون العمل على تطوير هذه التكنولوجيا لتصبح جاهزة للاستخدام التجاري.
مقارنة بين الثوريوم والسيارات الكهربائية
فيما يخص الطاقة النظيفة، قد يتساءل البعض عن مقارنة الثوريوم مع السيارات الكهربائية التي تزداد شعبيتها في جميع أنحاء العالم. رغم أنَّ السيارات الكهربائية تتمتع بقدرة على تقليل الانبعاثات الكربونية، فإنَّها تعتمد بشكل أساسي على البطاريات التي تحتاج إلى إعادة شحن بشكل متكرر. إضافة إلى ذلك، فإنَّ البطاريات تعتمد على معادن نادرة مثل الليثيوم، التي يُحتمل أن تواجه مشاكل في المستقبل من حيث التوريد والتكلفة.
من ناحية أخرى، يوفر الثوريوم طاقة نظيفة ومستدامة تدوم لفترات طويلة. وبفضل خصائصه، لا يحتاج الوقود النووي المصنوع من الثوريوم إلى إعادة الشحن المتكرر كما هو الحال في السيارات الكهربائية. وهذا يعني أنَّ السيارات التي تعمل بالثوريوم ستتمتع بميزة استدامة كبيرة، مما يجعلها خيارًا واعدًا في المستقبل القريب.
العودة إلى الماضي: فكرة الطاقة النووية في السيارات
الفكرة الخاصة باستخدام الطاقة النووية في السيارات ليست جديدة. ففي خمسينيات القرن الماضي. قدمت شركة فورد نموذجًا لسيارة تعمل بالطاقة النووية. كان النموذج يعتمد على مفاعل انشطاري يعمل باليورانيوم، مع نظام بخار مشابه للتقنية التي يعمل عليها اليوم “ليزر بوير سيستمز” باستخدام الثوريوم. وقد توقعت فورد آنذاك أنَّ هذه السيارة يمكنها السفر لمسافة 5000 ميل قبل الحاجة لإعادة التزود بالوقود.
لكن مع مرور الوقت، تم تعليق هذه الفكرة في وقت كانت فيه تقنيات الطاقة النووية لم تبلغ بعد المرحلة التي يمكن فيها استخدامها بشكل آمن ومستدام. ولكن مع التقدم التكنولوجي الذي نشهده اليوم. وإمكانية تطوير وقود أكثر أمانًا مثل الثوريوم. يمكن أن نرى عودة لهذه الفكرة في المستقبل.
الثوريوم في المستقبل: الطاقة النظيفة للمستقبل
في ظل خطة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتطوير تقنيات الطاقة النووية. من المتوقع أن يُفتح الباب أمام المزيد من الأبحاث والتطوير في هذا المجال. قد يُساهم الثوريوم بشكل كبير في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتوفير طاقة نظيفة ومستدامة، مما يُساهم في مواجهة التحديات البيئية وتغير المناخ.
لقد أظهرت الأبحاث أنَّ الثوريوم يمكن أن يوفر طاقة نظيفة. غير ملوثة للبيئة. ويُقلل بشكل كبير من الانبعاثات الكربونية مقارنة بالتقنيات الحالية. هذه الميزة تجعل من الثوريوم الخيار الأمثل لمستقبل الطاقة. سواء في مجال النقل أو في إنتاج الكهرباء.
بينما تتزايد الحاجة إلى حلول طاقة نظيفة ومستدامة في ظل التحديات البيئية العالمية. يعد الثوريوم بديلاً واعدًا للطاقة النووية التقليدية. من خلال إمكانياته في توفير طاقة نظيفة، وتقليل الانبعاثات الكربونية، فإن الثوريوم قد يُحدث ثورة في عالم النقل والطاقة. ورغم التحديات التقنية واللوجستية التي قد تواجهه. فإنَّه يحمل وعدًا كبيرًا لمستقبل الطاقة المستدامة.
اقرأ كذلك :سوريا تدشن بئر غاز جديدة في ريف حمص لدعم قطاع الطاقة