تستعد تركيا لاتخاذ خطوة محورية في سياستها النقدية مع اقتراب البنك المركزي من تنفيذ أول خفض لسعر الفائدة منذ ما يقرب من عامين. هذه الخطوة تأتي في ظل انقسام واضح بين المحللين والمؤسسات المالية حول حجم هذا الخفض ومدى تأثيره على الاقتصاد التركي.
توقعات خفض سعر الفائدة
وفقًا لتقرير وكالة بلومبيرغ، من المتوقع أن يقوم البنك المركزي التركي بتخفيض معدل الفائدة الرئيسي، وهو معدل “الريبو” لأسبوع واحد، من 50% إلى 48.25%. ويأتي هذا التقدير بناءً على متوسط توقعات استطلاع أجرته الوكالة بين المحللين الماليين.
ومع ذلك، تتفاوت التقديرات بين المؤسسات المالية الكبرى. يتوقع كل من “جيه بي مورغان تشيس” و”دويتشه بنك” أن يتم خفض سعر الفائدة بمقدار 150 نقطة أساس. بينما ترى مؤسسات أخرى مثل “سيتي غروب” و”بنك أوف أميركا” أن الخفض قد يصل إلى 250 نقطة أساس. هذا التباين يعكس عدم وضوح الرؤية بسبب غياب توجيه محدد من البنك المركزي التركي.
المخاوف من ردود فعل المستثمرين
يشير بعض المسؤولين في البنك المركزي إلى ضرورة التعامل بحذر مع خفض سعر الفائدة. فالمستثمرون قد ينظرون إلى أي تحركات كبيرة على أنها “عدوانية”، مما قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية في الأسواق. ورغم الحاجة إلى تحفيز النمو الاقتصادي، يبقى التحدي الرئيسي هو تحقيق التوازن بين تحفيز الاستثمار والسيطرة على التضخم.
التضخم وتأثيره على قرارات البنك المركزي
رغم التوقعات بخفض أسعار الفائدة، تعتقد مؤسسات مالية مثل “غولدمان ساكس” أن القرار قد يكون مبكرًا بسبب استمرار ارتفاع معدلات التضخم ونمو القروض. وأوضحت غولدمان ساكس أن البنك المركزي قد يُبقي على سعر الفائدة دون تغيير للمرة التاسعة على التوالي، في محاولة للحفاظ على استقرار الأسعار.
ومع ذلك، عززت تصريحات محافظ البنك المركزي فاتح كاراهان الآمال بخفض الفائدة. حيث أشار إلى تباطؤ التضخم في قطاعات الطلب والخدمات، وهو ما دفع الأسواق إلى ترجيح تنفيذ الخفض في الاجتماع المقبل للبنك.
خطوات تكميلية لتعزيز الاقتصاد
بالإضافة إلى خفض الفائدة، قد يتخذ البنك المركزي إجراءات تكميلية لتحسين المناخ الاستثماري. أشار محللون من “دويتشه بنك” إلى أن تضييق “نطاق أسعار الفائدة” قد يكون من بين هذه الإجراءات. هذه الخطوة قد تُعتبر إشارة إيجابية للمستثمرين، خصوصًا أن النطاق الحالي بين معدلي الإقراض والاقتراض لليلة واحدة يبلغ 600 نقطة أساس، وهو نطاق واسع يحتاج إلى تقليص لتحسين التوقعات المستقبلية.
تأثير سياسات الأجور على الاقتصاد
في سياق متصل، أعلنت الحكومة التركية عن رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 30% في عام 2025. ورغم أن هذه الخطوة تُعتبر إيجابية لدعم القوة الشرائية للأسر، إلا أنها تشكل تحديًا أمام السيطرة على التضخم. حيث إن أكثر من ثلث القوى العاملة في تركيا يتقاضون الحد الأدنى للأجور، مما يجعل التضخم تحديًا مستمرًا.
توقعات التضخم للأعوام القادمة
وفقًا لتقديرات البنك المركزي التركي، من المتوقع أن ينخفض معدل التضخم السنوي إلى 44% بحلول نهاية العام الجاري. وبحلول نهاية عام 2025، يُتوقع أن يصل التضخم إلى 21%. ورغم هذا التراجع المتوقع، لا يزال المعدل الحالي البالغ 47.1% بعيدًا عن الهدف الرسمي للبنك، والذي يبلغ 5%.
الاستمرار في خفض أسعار الفائدة
تشير توقعات “بلومبيرغ إيكونوميكس” إلى أن البنك المركزي التركي قد يستمر في خفض أسعار الفائدة خلال الاجتماعات الشهرية المقبلة. الهدف النهائي هو الوصول إلى معدل فائدة يبلغ 25% بحلول نهاية عام 2025. ومع ذلك، فإن هذا المسار يتطلب إدارة دقيقة لتجنب تأثيرات سلبية على الاستقرار المالي.
التحديات الاقتصادية الراهنة
رغم المؤشرات الإيجابية لبعض الإجراءات الحكومية، لا تزال تركيا تواجه تحديات اقتصادية كبيرة. ارتفاع التضخم يمثل عقبة رئيسية أمام استقرار الاقتصاد، إضافة إلى تأثير خفض أسعار الفائدة على قيمة العملة الوطنية والقدرة الشرائية للمواطنين.
ردود أفعال المستثمرين المحليين والدوليين
ينتظر المستثمرون المحليون والدوليون بفارغ الصبر القرار المقبل للبنك المركزي. فنجاح البنك في تنفيذ هذه الخطوة بطريقة متوازنة سيعزز الثقة في الاقتصاد التركي. أما في حال حدوث تقلبات غير متوقعة، فقد تواجه الأسواق ضغوطًا إضافية تزيد من حالة عدم اليقين.
الرؤية المستقبلية
مع اقتراب موعد خفض أسعار الفائدة، يبدو أن تركيا على أعتاب مرحلة جديدة من السياسات الاقتصادية. التحدي الرئيسي يكمن في تحقيق التوازن بين تحفيز النمو وضبط التضخم. وعلى الرغم من التحديات، فإن الإدارة الاقتصادية التركية تُظهر استعدادًا لاتخاذ قرارات جريئة تهدف إلى تحسين الأداء الاقتصادي على المدى الطويل.
اقرأ كذلك: كيف تؤثر عودة اللاجئين السوريين في تركيا على الاقتصاد؟
