ما هي شروط واشنطن للتعامل مع الإدارة الجديدة في دمشق؟
شروط واشنطن للتعامل مع الإدارة الجديدة في دمشق: بين الضغوط الدولية والمصالح الإقليمية
شهدت سوريا تحولات جذرية في السنوات الأخيرة، أبرزها انهيار نظام الأسد بشكل مفاجئ وسريع. مع دخول هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع إلى دمشق، أصبحت الإدارة الجديدة محور الاهتمام الإقليمي والدولي. في هذا السياق، تطرح واشنطن مجموعة من الشروط لقبول التعامل مع هذه الإدارة، بما يضمن حماية مصالحها واستقرار المنطقة.
فهم أحمد الشرع للموقف الأميركي
تتميز قيادة أحمد الشرع، القائد العام للإدارة السورية الجديدة، بقراءته الدقيقة للموقف الأميركي. لم يتحرك الشرع في قيادة الفصائل المسلحة من إدلب إلا بعد أن استوعب المؤشرات الأميركية التي تدعم تحركه. كان مدركًا لأهمية التوقيت والمكان في تنفيذ عملياته، مما مكّنه من قيادة الفصائل المسلحة نحو إسقاط نظام الأسد والوصول إلى دمشق.
الشرع استفاد من الغطاء الدولي الذي أتاح له التحرك ضمن إطار يتماشى مع التوجه الأميركي في المنطقة، خاصة في ما يتعلق بإخراج النفوذ الإيراني من سوريا. هذا التحرك أكسبه ثقة المجتمع الدولي، وبات طرفًا رئيسيًا في رسم مستقبل سوريا الجديد.
انهيار نظام الأسد وسقوط دمشق
لم يكن أحد يتوقع أن ينهار نظام الأسد بهذه السرعة، لكن التخطيط المحكم والتوقيت المناسب لعبا دورًا رئيسيًا في ذلك. دخول الفصائل المسلحة إلى دمشق بقيادة هيئة تحرير الشام شكّل نقطة تحول كبيرة، حيث أصبح أحمد الشرع، المعروف سابقًا بـ”أبو محمد الجولاني”، الشخصية التي تحاورها الولايات المتحدة بشأن مستقبل سوريا.
رفع الهيئة من قوائم الإرهاب كأداة تفاوضية
تعتبر مسألة رفع هيئة تحرير الشام وزعيمها عن قوائم الإرهاب من أبرز النقاط التفاوضية بين واشنطن والإدارة الجديدة في دمشق. هذا الإجراء يهدف إلى ضمان انضباط الإدارة الجديدة مع السياسات الأميركية. ومع ذلك، قد تستغرق هذه العملية وقتًا، حيث يمكن للولايات المتحدة أن تتعامل دبلوماسيًا مع السلطة السورية الجديدة دون الاعتراف الرسمي بالهيئة بشكل مباشر، على غرار تعاملها مع منظمة التحرير الفلسطينية لفترة طويلة قبل رفعها من القوائم.
دور العقوبات في الضغط على الإدارة الجديدة
العقوبات تُعتبر أداة رئيسية بيد الولايات المتحدة للسيطرة على الإدارة الجديدة. هذه العقوبات لا تستهدف الأفراد فقط، بل تشمل القطاعات الاقتصادية والمؤسسات الحكومية. التحكم بالعقوبات يتيح لواشنطن إبقاء الإدارة الجديدة تحت الرقابة، وضمان توافقها مع المصالح الأميركية.
على سبيل المثال، تستخدم الولايات المتحدة العقوبات بشكل مشابه في العراق منذ عام 2003، حيث تُستخدم كوسيلة تحذير أو عقاب لضمان امتثال الحكومات المتعاقبة هناك.
الشروط الأميركية للإدارة الجديدة
تضع واشنطن قائمة شروط واضحة أمام الإدارة الجديدة لضمان استقرار المنطقة وحماية مصالحها. تشمل هذه الشروط:
- حماية الأقليات: ضمان حقوق الأقليات الدينية والطائفية والإثنية.
- إشراك المكونات المختلفة: مشاركة جميع الفئات في إدارة شؤون البلاد.
- حقوق المرأة: احترام حقوق المرأة وضمان مشاركتها في الحياة العامة.
- الحريات العامة: توفير الحريات واحترام حقوق الإنسان.
إخراج إيران من سوريا كأولوية
تُعد قضية إخراج إيران من سوريا أولوية قصوى للولايات المتحدة. واشنطن تسعى إلى ضمان عدم عودة إيران إلى سوريا بأي شكل، سواء عسكريًا، سياسيًا، أو اقتصاديًا. الإدارة الجديدة مطالبة بمنع أي نوع من الامتداد الإيراني في المنطقة، وهو ما يُعتبر إنهاءً لمشروع “محور المقاومة والممانعة” الذي كان يُمثل تهديدًا للمصالح الأميركية والإسرائيلية.
العلاقة مع إسرائيل ومستقبل الجنوب السوري
العلاقة بين الإدارة الجديدة وإسرائيل ستكون محورية ومعقدة في الوقت نفسه. الجيش الإسرائيلي سيطر على مناطق جنوب سوريا، متجاوزًا المنطقة منزوعة السلاح المحددة باتفاقية 1974. الإدارة الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، أبدت موقفًا واضحًا بعدم التصعيد مع دول الجوار، بما في ذلك إسرائيل.
التخلص من الأسلحة الكيماوية
ملف الأسلحة الكيماوية يُعتبر من القضايا الحساسة التي ستُركز عليها واشنطن. النظام السابق راوغ كثيرًا في هذا الملف، مما جعله مصدر قلق كبير لإسرائيل. الإدارة الجديدة مطالبة بالتعاون بشكل جدي مع الولايات المتحدة وإسرائيل لضمان التخلص الكامل من هذه الأسلحة.
المصالح الأميركية والجيوسياسي السوري
الموقع الجيوسياسي لسوريا يجعلها محورًا رئيسيًا في الاستراتيجية الأميركية للمنطقة. الإدارة الأميركية تسعى إلى تحقيق استقرار يُلبي مصالحها ومصالح حلفائها. دمشق مطالبة بضبط الإدارة السياسية والاقتصادية بما يتوافق مع التوجه الأميركي.
تحديات الإدارة الجديدة
الإدارة الجديدة في دمشق تواجه مجموعة من التحديات، أبرزها:
- إعادة بناء البنية التحتية: بعد سنوات من الحرب، تحتاج سوريا إلى إعادة بناء مؤسساتها.
- التعامل مع القوى الإقليمية: ضمان علاقات متوازنة مع الدول المجاورة مثل تركيا.
- تحقيق الاستقرار الداخلي: توفير الأمن والخدمات الأساسية للسكان.
مستقبل سوريا تحت الإدارة الجديدة
مع تغير المعادلة السياسية والعسكرية في سوريا، أصبح مستقبل البلاد مرتبطًا بمدى توافق الإدارة الجديدة مع الشروط الدولية. واشنطن تسعى إلى تحويل سوريا إلى نموذج للاستقرار الإقليمي، بما يخدم مصالحها ويحقق توازنًا في الشرق الأوسط.
في النهاية، تبقى القرارات التي ستتخذها الإدارة الجديدة في دمشق محور الاهتمام الدولي. نجاحها في تحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والمتطلبات الدولية سيحدد مستقبل سوريا كدولة مستقرة ومؤثرة في المنطقة.
الآراء الواردة في المقال لا تعبّر بالضرورة عن الموقف التحريري لشبكة دينيز الإعلامية.
اقرأ كذلك: ما هي موارد سوريا التي استولت عليها عائلة الأسد؟