العالم

نيوزويك: هل يمكن لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله أن يدوم؟

التحديات السياسية والضغوط الإقليمية تهدد استمرارية وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله وسط توقعات متباينة حول فرص نجاح الاتفاق

هل يصمد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله؟ في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله حيز التنفيذ. جاء هذا الاتفاق بعد 14 شهراً من الصراع العنيف الذي أوقع خسائر بشرية ومادية فادحة على كلا الجانبين. تم التوصل إلى الاتفاق بوساطة مشتركة بين الولايات المتحدة وفرنسا، ويهدف إلى توفير فترة هدوء تمتد 60 يوماً، مما يمنح الطرفين فرصة لإعادة ترتيب أوضاعهما.

ينص الاتفاق على مجموعة من التدابير العملية، منها انسحاب حزب الله بمقاتليه من المناطق المحاذية لنهر الليطاني شمالاً. بالمقابل، ستقوم إسرائيل بسحب قواتها تدريجياً من جنوب لبنان، وهو ما سيسمح بانتشار الجيش اللبناني في المناطق التي ستخليها إسرائيل. لضمان الامتثال لهذه البنود، ستشرف لجنة متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة على تنفيذ الاتفاق، مما يعكس الطبيعة الحساسة لهذه الترتيبات.

آثار الحرب الأخيرة

كانت الحرب الأخيرة بين الطرفين الأكثر تدميراً منذ سنوات. فقد قُتل خلالها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، مما شكّل ضربة قاسية لقيادة الحزب. إلى جانب ذلك، تعرّضت البنية التحتية العسكرية لحزب الله لضربات موجعة. ألحقت إسرائيل خسائر كبيرة بمخازن الأسلحة وشبكات الأنفاق التابعة للحزب، مما أثّر على قدرته القتالية.

على الجانب الإسرائيلي، عانى السكان في شمال إسرائيل من قصف صاروخي مكثف أدى إلى تشريد الآلاف. كان الضرر النفسي والمادي عميقاً، ما جعل التوصل إلى وقف إطلاق النار أولوية سياسية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.


دوافع الطرفين للقبول بوقف إطلاق النار

حاجة حزب الله إلى التقاط الأنفاس يرى العديد من المحللين أن قبول حزب الله بالاتفاق يعكس حاجته الماسة إلى الراحة وإعادة البناء. يشير يزيد صايغ، المؤرخ في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إلى أن الحزب كان منهكاً جراء الهجمات الإسرائيلية الواسعة التي ألحقت به خسائر جسيمة.

أوضح صايغ أن حزب الله يحتاج إلى فترة هدوء لإعادة تنظيم صفوفه واستعادة موارده. ورغم أن الحزب لطالما صوّر نفسه على أنه المدافع عن لبنان، إلا أن تزايد الاستياء الشعبي بسبب الدمار الاقتصادي والاجتماعي الذي سببه الصراع أجبره على إعادة النظر في استراتيجياته.

الحسابات السياسية لنتنياهو

من الجانب الإسرائيلي، بدا واضحاً أن قبول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوقف إطلاق النار جاء مدفوعاً باعتبارات سياسية داخلية. يواجه نتنياهو معارضة قوية داخل إسرائيل، لا سيما من اليمين المتطرف، الذي يرى في أي تسوية مع حزب الله تنازلاً غير مقبول.

يشير صايغ إلى أن نتنياهو قد يكون قبل الاتفاق تحت ضغط أميركي، خاصة مع قرب تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. وأضاف صايغ: “من المحتمل أن يكون نتنياهو قد تلقى رسائل واضحة من واشنطن بضرورة إنهاء الحرب قبل بدء الإدارة الأميركية الجديدة”.

رأي الخبراء في صمود الاتفاق

رغم الحذر الذي يبديه العديد من الخبراء، هناك من يرى أن وقف إطلاق النار لديه فرصة جيدة للصمود، حتى لو تخللته بعض الانتهاكات.

هنري جيه باركي: وقف إطلاق النار قد يصمد

يعتقد هنري جيه باركي، أستاذ العلاقات الدولية، أن وقف إطلاق النار يمتلك فرصة جيدة للاستمرار. ويرى أن الطرفين وصلا إلى نقطة منهكة، حيث تعرض حزب الله لخسائر كبيرة، في حين يواجه الجيش الإسرائيلي حالة من الإرهاق الميداني.

يضيف باركي أن نتنياهو بحاجة إلى تحقيق مكسب سياسي يظهر نجاحه في إعادة اللاجئين من شمال إسرائيل إلى منازلهم. هذا الإنجاز قد يساعده على مواجهة الانتقادات الداخلية وتعزيز مكانته السياسية.

جيمس غيلفين: عوامل تدعم استمرار الاتفاق

أما جيمس غيلفين، الباحث في قسم التاريخ بجامعة كاليفورنيا، فيرى أن هناك عدة عوامل تدعم صمود الاتفاق. أشار غيلفين إلى أن حزب الله لم يكن متحمساً لهذه الحرب من البداية، إذ جاءت مشاركته لدعم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في إطار محور المقاومة. ومع ذلك، فإن تداعيات الحرب على لبنان، الذي يعاني أزمة اقتصادية خانقة، جعلت استمرار الصراع خطوة غير واقعية.

بالنسبة لإسرائيل، يرى غيلفين أن الدولة العبرية حققت هدفها الأساسي بإبعاد حزب الله عن حدودها الشمالية. كما أن عودة 60 ألف إسرائيلي إلى منازلهم في الشمال يُعد نجاحاً سياسياً لنتنياهو.

تحديات تواجه الاتفاق

المعارضة الداخلية في إسرائيل. يواجه نتنياهو انتقادات شديدة من معسكر اليمين المتطرف داخل حكومته. يعتبر هؤلاء أن الاتفاق يمثل تنازلاً غير مبرر، ما يضع نتنياهو أمام معضلة سياسية صعبة. لتحقيق التوازن، قد يضطر إلى اتخاذ خطوات عدائية مستقبلية لإرضاء هذا المعسكر، مما قد يهدد استقرار الاتفاق.

الضغوط الإقليمية والدولية

على الصعيد الإقليمي، لا يزال هناك العديد من العوامل التي قد تعرقل استقرار الاتفاق. من بين هذه العوامل، دور إيران الداعم لحزب الله، ورغبتها في الحفاظ على نفوذها الإقليمي. في المقابل، تواجه إسرائيل تحديات على جبهات أخرى، خاصة في الجنوب مع قطاع غزة، مما قد يؤدي إلى تحويل مواردها العسكرية وتخفيف الضغط عن حزب الله.

السيناريوهات المستقبلية

رغم التحديات الواضحة، يرى العديد من الخبراء أن هناك سيناريوهات إيجابية يمكن أن تدعم استمرار وقف إطلاق النار. يشير البعض إلى أن الحاجة الملحّة لإعادة الإعمار في لبنان قد تجعل حزب الله أكثر حرصاً على تجنب تصعيد جديد.

من جهة أخرى، قد تكون إسرائيل أكثر ميلاً للحفاظ على الهدوء شمالاً، لتتمكن من التركيز على التهديدات الأمنية في الجنوب. كما أن وجود لجنة متعددة الجنسيات للإشراف على تنفيذ الاتفاق قد يساهم في تقليل فرص الانتهاكات.

يظل وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله محط أنظار العالم، خاصة مع التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط. ورغم أن الاتفاق يمثل خطوة إيجابية نحو التهدئة، إلا أن استمراره يعتمد على التزام الطرفين ببنوده، وقدرتهما على تجاوز الضغوط السياسية والعسكرية.

من المؤكد أن صمود هذا الاتفاق سيكون اختباراً حقيقياً للإرادة السياسية والإقليمية، ومدى استعداد الأطراف لتقديم التنازلات من أجل تحقيق استقرار طويل الأمد.

اقرأ كذلك :صعوبات تعرقل عملية اعتقال نتنياهو وغالانت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات