ميساء صابرين: حاكماً لمصرف سوريا المركزي
في خطوة تاريخية وغير مسبوقة في تاريخ سوريا، تم تعيين ميساء صابرين في منصب حاكم مصرف سوريا المركزي. بهذا التعيين، تصبح صابرين أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخ المصرف الذي يعود إلى أكثر من 70 عامًا. وقد خلفت ميساء صابرين محمد عصام هزيمة الذي شغل منصب حاكم المصرف المركزي في عام 2021 بعد تعيينه من قبل الرئيس المخلوع بشار الأسد. هذا التعيين لاقى اهتمامًا كبيرًا في الأوساط المالية والمصرفية، حيث أثار تساؤلات حول تأثير هذا التغيير على الوضع الاقتصادي في سوريا، في وقت تشهد فيه البلاد تحديات اقتصادية كبيرة.
نبذة عن ميساء صابرين ومسيرتها المهنية
ميساء صابرين تتمتع بخبرة مهنية طويلة تمتد لأكثر من 15 عامًا في المجال المصرفي والمالي. قبل تعيينها في منصب حاكم المصرف المركزي، شغلت عدة مناصب هامة، حيث كانت تشغل منصب النائب الأول لحاكم المصرف المركزي منذ أكتوبر 2018. هذا المنصب منحها فرصة كبيرة للاطلاع على السياسات النقدية والمالية لسوريا عن كثب، مما أكسبها معرفة عميقة في إدارة الاقتصاد الوطني.
إضافة إلى ذلك، كانت ميساء صابرين عضوًا في مجلس إدارة سوق دمشق للأوراق المالية، ممثلة عن المصرف المركزي. هذا الدور أتاح لها التعرف على سوق المال السوري وكيفية إدارة الأصول والاحتياطات في بلد يعاني من أزمة اقتصادية حادة. بالإضافة إلى ذلك، صابرين شغلت منصب مدير مديرية مفوضية الحكومة لدى المصارف، وهو ما أتاح لها التأثير بشكل مباشر في سياسات التمويل والإقراض في القطاع المصرفي السوري.
المؤهلات الأكاديمية لميساء صابرين
فيما يخص التعليم، حصلت ميساء صابرين على إجازة وماجستير في المحاسبة من جامعة دمشق، وهي الشهادة التي تعتبر من المؤهلات الأساسية التي أهلتها لتولي المناصب القيادية في القطاع المالي. بالإضافة إلى هذه المؤهلات الأكاديمية، حصلت على شهادة محاسب قانوني، وهو ما يتيح لها القدرة على فحص وتحليل الوضع المالي للمؤسسات الاقتصادية بشكل دقيق. هذه الخلفية الأكاديمية والعملية تجعلها شخصية مؤهلة تمامًا لتولي القيادة في مصرف سوريا المركزي في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد.
التحديات الاقتصادية التي تواجه ميساء صابرين
تولي ميساء صابرين منصب حاكم المصرف المركزي يأتي في وقت بالغ التعقيد للاقتصاد السوري. فمنذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، يعاني الاقتصاد السوري من تدهور كبير، حيث فقدت الليرة السورية أكثر من 97% من قيمتها السوقية. ففي عام 2010، كان سعر الدولار الأمريكي يعادل نحو 50 ليرة سورية، بينما وصل السعر اليوم إلى أكثر من 13,500 ليرة للدولار. هذا الانخفاض الكبير في قيمة العملة المحلية دفع الكثير من السوريين إلى اللجوء إلى العملات الأجنبية كوسيلة للحفاظ على قيمة أموالهم.
إن تحديات الاقتصاد السوري لا تقتصر على تراجع قيمة العملة، بل تشمل أيضًا نقصًا حادًا في الاحتياطيات النقدية، والتضخم المرتفع، بالإضافة إلى الانخفاض الكبير في الإنتاج المحلي بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية غير المستقرة. ميساء صابرين ستواجه تحديات كبيرة في محاولة استعادة الثقة في الاقتصاد الوطني وإعادة استقرار الليرة السورية.
الليرة السورية: أولويات حاكم المصرف المركزي
من أبرز أولويات ميساء صابرين هي إعادة استقرار الليرة السورية التي تعتبر أحد أبرز القضايا الاقتصادية الملحة في سوريا. تواجه الليرة منذ أكثر من 13 عامًا ضغوطًا كبيرة بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد. فقد فقدت الليرة أكثر من 97% من قيمتها، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وزيادة الأعباء المعيشية على المواطنين. ومن المرجح أن تولي ميساء صابرين اهتمامًا كبيرًا لمواجهة هذه الأزمة وإيجاد حلول لمعالجة الانهيار الكبير الذي أصاب العملة المحلية.
صابرين ستحتاج إلى تطوير سياسات نقدية قادرة على التعامل مع التضخم المستمر والسيطرة على ارتفاع أسعار السلع الأساسية. كما أن تحسين احتياطيات المصرف المركزي سيكون خطوة مهمة لاستعادة بعض الثقة في الليرة.
التحديات السياسية والاقتصادية في سوريا
على الرغم من الجهود المبذولة في إعادة بناء الاقتصاد، تواجه سوريا تحديات اقتصادية ضخمة. فالحرب المستمرة منذ أكثر من عقد تركت البلاد في حالة من التدهور الاقتصادي، بالإضافة إلى العقوبات الدولية التي فرضت على النظام السوري. هذه العقوبات ساهمت في تقييد الحركة التجارية والمالية في البلاد، مما جعل من الصعب على الحكومة السورية استيراد العديد من المواد الأساسية.
بالإضافة إلى هذه التحديات الاقتصادية، تواجه سوريا تحديات سياسية كبيرة. فالوضع السياسي في البلاد لا يزال غير مستقر، حيث تتواجد مناطق تحت سيطرة قوى متعددة، بما في ذلك القوات الكردية، وقوات المعارضة المسلحة، بالإضافة إلى النظام السوري. هذا الوضع يزيد من تعقيد القدرة على تطبيق السياسات الاقتصادية بفعالية، خاصة في ظل وجود تحديات أمنية مستمرة.
ما هي الخطوات المستقبلية لميساء صابرين؟
من المتوقع أن تبدأ ميساء صابرين فترة حكمها في المصرف المركزي بتحديد استراتيجيات واضحة للتعامل مع الأزمات المالية في البلاد. ستكون الخطوة الأولى هي محاولة إعادة استقرار الليرة السورية من خلال سياسات نقدية قادرة على تقليل التضخم وتحقيق استقرار العملة. وقد يتطلب هذا تحسين علاقات المصرف المركزي مع المؤسسات المالية الدولية، رغم التحديات الناتجة عن العقوبات.
بالإضافة إلى ذلك، قد تسعى صابرين إلى تطوير النظام المصرفي في سوريا من خلال تحديث التشريعات المالية وتشجيع الاستثمارات. سيكون من المهم أيضًا تحسين الشفافية المالية في البلاد لتقوية الثقة بين المواطنين والمصارف السورية.
أهمية التعيين في السياق الاجتماعي والسياسي
تعيين ميساء صابرين في منصب حاكم المصرف المركزي يمثل أيضًا خطوة هامة في سياق تعزيز دور النساء في المناصب القيادية في سوريا. فصابرين تصبح بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في مؤسسة هامة مثل المصرف المركزي، مما يعكس توجهات جديدة في السياسة السورية تتعلق بتعزيز دور النساء في المجالات القيادية.
إلى جانب ذلك، يبرز هذا التعيين في وقت حساس حيث يحاول النظام السوري التعامل مع الأزمة الاقتصادية من خلال إدخال تغييرات في الأجهزة الحكومية. التعيين قد يساهم في جذب انتباه المجتمع الدولي، خاصة في ظل الحديث عن إعادة بناء سوريا بعد سنوات من النزاع.
ميساء صابرين أمام تحديات كبيرة
تعيين ميساء صابرين في منصب حاكم مصرف سوريا المركزي هو حدث تاريخي في مسيرة المصرف والمؤسسة الاقتصادية السورية بشكل عام. ولكن مع هذا التعيين تأتي تحديات كبيرة، سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي. سيكون من الضروري أن تعمل صابرين على تطوير سياسات نقدية قادرة على إعادة استقرار الاقتصاد الوطني في وقت يعاني فيه الشعب السوري من ضغوط اقتصادية شديدة. كما ستكون هناك حاجة ماسة إلى تعزيز ثقة المواطنين في النظام المالي والمصرفي السوري لتحقيق استقرار اقتصادي مستدام في المستقبل.
اقرأ كذلك: ما هي شروط واشنطن للتعامل مع الإدارة الجديدة في دمشق؟