شراكة تركية أفريقية: أنقرة تعزز نفوذها الاقتصادي في القارة السمراء
مراجعة شراكة تركيا مع أفريقيا: تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والأمن والاستثمار لتحقيق تنمية مستدامة وتوسيع التبادل التجاري
شراكة تركية أفريقية.. أنقرة تعزز حضورها الاقتصادي بالقارة السمراء استضافت جيبوتي يومي السبت والأحد الماضيين فعاليات مؤتمر المراجعة الوزاري الثالث لشراكة تركيا-أفريقيا، الذي جمع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع نظرائه من 14 دولة أفريقية. هذا الحدث يأتي في إطار تعزيز التعاون بين تركيا والدول الأفريقية، حيث تم مناقشة قضايا عديدة تتعلق بتوسيع الشراكة الاقتصادية والسياسية والثقافية بين الطرفين. كان المؤتمر فرصة لتركيا لتسليط الضوء على استثماراتها في القارة السمراء واستعراض النجاحات التي حققتها في السنوات الأخيرة.
تعد هذه الشراكة جزءًا من استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى بناء علاقات اقتصادية ودبلوماسية متينة مع الدول الأفريقية، التي تشهد نموًا اقتصاديًا سريعًا، فضلاً عن كونها تشكل سوقًا واعدًا للمستثمرين الدوليين. في ظل التحديات الجيوسياسية العالمية، تسعى تركيا إلى تأكيد وجودها في القارة الأفريقية عبر الاستثمار في مختلف المجالات وتعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأفريقي.
قمة الشراكة في 2026
من المقرر أن تُعقد قمة الشراكة التركية الأفريقية، التي تنظم كل خمس سنوات على مستوى القادة، في إحدى الدول الأفريقية عام 2026. هذه القمة ستكون فرصة أخرى لتعزيز التعاون بين تركيا والاتحاد الأفريقي، ومناقشة الخطوات المستقبلية لتوسيع الشراكة في مختلف المجالات. تمثل هذه القمة منصة هامة لتبادل الأفكار والخطط المستقبلية التي تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة في القارة الأفريقية.
في إطار المؤتمر الصحفي المشترك الذي عُقد في جيبوتي، حضر وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في جيبوتي محمود علي يوسف، ووزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي محمد. جميعهم أكدوا على أهمية التعاون بين تركيا وأفريقيا في مجال تعزيز السلام والاستقرار في القارة، بالإضافة إلى أهمية التعاون في مجالات التنمية الاقتصادية.
تعميق الشراكة مع الاتحاد الأفريقي
خلال المؤتمر، شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على ضرورة توسيع وتعميق الشراكة بين تركيا والاتحاد الأفريقي. وأشار إلى أن تركيا تعمل على تطوير شراكتها مع الاتحاد الأفريقي كركيزة أساسية في سياستها تجاه القارة، وهو ما يعكس التزام أنقرة المستمر في دعم استقرار ونمو القارة الأفريقية. هذا التعاون لا يقتصر على المجالات السياسية فقط، بل يشمل أيضًا التعاون الاقتصادي، الثقافي، والعلمي.
تركيا تسعى إلى أن تكون جزءًا من الحلول التي تحتاجها أفريقيا في مواجهة التحديات التي تواجهها. وتستثمر أنقرة في مجموعة من القطاعات المهمة مثل الطاقة، النقل، البنية التحتية، والتعليم، فضلاً عن دورها في العمل الإنساني. تسعى تركيا إلى تحقيق تكامل حقيقي مع القارة الأفريقية من خلال توفير فرص العمل وتحقيق تنمية مستدامة.
شراكة استراتيجية متنامية
منذ تصنيف تركيا “شريكًا استراتيجيًا” للاتحاد الأفريقي في عام 2008، شهدت العلاقات بين الطرفين تطورًا كبيرًا. هذه الشراكة تعكس التزام تركيا بتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية، وذلك من خلال بناء شراكات استراتيجية مع الدول الأفريقية. تركيا تعتبر الاتحاد الأفريقي منصة هامة لتحقيق هذا الهدف، حيث تركز على تطوير العلاقات مع الدول الأعضاء لتحقيق مصالح مشتركة في مختلف المجالات.
منذ عام 2013، تغيرت سياسة تركيا تجاه القارة لتصبح “سياسة الشراكة الأفريقية”. في هذا السياق، أصبحت تركيا واحدة من الشركاء الاستراتيجيين للاتحاد الأفريقي، حيث تسعى إلى تكثيف التعاون مع الدول الأفريقية في مختلف المجالات. وزير الخارجية التركي فيدان أشار إلى أن تركيا تتمتع بحضور دبلوماسي قوي في القارة، حيث تمتلك 44 سفارة و6 قنصليات عامة في أنحاء أفريقيا. كما بلغ عدد السفارات الأفريقية في أنقرة 38، مما يعكس مدى الاهتمام المتزايد الذي توليه تركيا للتعاون مع أفريقيا.
الاستثمارات التركية في أفريقيا
تعتبر الاستثمارات التركية في أفريقيا جزءًا أساسيًا من سياستها الخارجية. فقد شهدت السنوات الأخيرة نموًا ملحوظًا في الاستثمارات التركية في القارة، حيث تجاوزت قيمتها السوقية 10 مليارات دولار. الشركات التركية نفذت أكثر من 1800 مشروع في مختلف الدول الأفريقية، باستثمارات تجاوزت قيمتها الإجمالية 85 مليار دولار. هذه المشاريع شملت بناء بنية تحتية، تحسين شبكات النقل، وتطوير قطاعات الطاقة والاتصالات. الاستثمارات التركية ساهمت بشكل مباشر في توفير حوالي 100 ألف فرصة عمل في القارة.
الاستثمار التركي في أفريقيا ليس فقط في المشاريع التجارية، بل يمتد أيضًا إلى المجالات الإنسانية. تركيا تقدم الدعم في العديد من المجالات مثل التعليم والصحة، حيث تقوم بتقديم المنح الدراسية للأفارقة، وتدريب الكوادر الطبية، وكذلك تقديم المساعدات الإنسانية في حالات الطوارئ. هذه الجهود تعكس التزام تركيا بمساندة القارة السمراء في تطوير قدراتها البشرية والمادية.
التجارة بين تركيا وأفريقيا
شهدت العلاقات التجارية بين تركيا وأفريقيا نموًا ملحوظًا في العقدين الماضيين. ارتفعت صادرات تركيا إلى القارة من 2.1 مليار دولار في 2003 إلى 22 مليار دولار في 2023. في المقابل. بلغت واردات تركيا من أفريقيا 15 مليار دولار. ما يعكس توجه البلدين نحو شراكة تجارية متوازنة. خلال نفس الفترة. ارتفع إجمالي حجم التجارة بين الجانبين من 5.4 مليارات دولار في عام 2003 إلى 35 مليار دولار في 2023.
في حديثه خلال النسخة الثالثة من منتدى الاقتصاد والأعمال التركي-الأفريقي عام 2021. وضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هدفًا إستراتيجيًا لزيادة حجم التبادل التجاري مع أفريقيا. هذا الهدف يتمثل في الوصول إلى 50 مليار دولار في المرحلة الأولى. ثم إلى 75 مليار دولار في المستقبل القريب. يوضح هذا التوجه استثمار تركيا في تعزيز علاقتها التجارية مع أفريقيا وتوسيع شراكتها الاقتصادية.
التحديات التي تواجه الشراكة
على الرغم من هذه النجاحات. تواجه تركيا تحديات كبيرة في تطوير علاقتها الاقتصادية مع أفريقيا. التحديات تشمل عدم الاستقرار السياسي والأمني في بعض المناطق الأفريقية. الصراعات الداخلية. الإرهاب. والانقلابات العسكرية هي من بين القضايا التي تساهم في خلق بيئة استثمارية غير مستقرة. هذه التحديات تضعف الثقة لدى المستثمرين. مما يعوق تطور العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا وأفريقيا.
أحد العوائق الأخرى التي تواجه الشركات التركية في القارة هو ضعف البنية التحتية في بعض المناطق الأفريقية. خصوصًا في مجالات النقل والشحن. هذا الأمر يرفع تكاليف الاستثمار ويصعب من قدرة الشركات التركية على تعزيز حضورها الاقتصادي في تلك المناطق.
الفرص الاقتصادية في أفريقيا
على الرغم من التحديات. تعتبر القارة الأفريقية واحدة من أسرع المناطق الاقتصادية نموًا في العالم. هذا النمو يتجسد في تحسن البيئة الاستثمارية ووجود فرص جديدة في قطاعات مثل الطاقة. التعدين. والبناء. تركيا تسعى للاستفادة من هذه الفرص من خلال توقيع اتفاقيات تعاون مع العديد من الدول الأفريقية في مجالات الهيدروكربونات والتعدين.
تركيا تدرك جيدًا أن الثروات الطبيعية الغنية في أفريقيا يمكن أن تشكل دافعًا رئيسيًا لتعزيز التعاون بين الطرفين. وفي هذا السياق. وقعت تركيا العديد من اتفاقيات التعاون في قطاعات استراتيجية مثل الطاقة المتجددة والمياه.
التعاون العسكري والدفاعي
لا يقتصر التعاون التركي الأفريقي على الجوانب الاقتصادية فقط. بل يمتد أيضًا إلى التعاون العسكري والدفاعي. تركيا تقدم تدريبات عسكرية وتبيع معدات دفاعية للعديد من دول القارة. هناك تركيز خاص على تعزيز قدرات الدول في غرب أفريقيا لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف. وهو التهديد الذي يزداد بشكل متسارع في العديد من المناطق الأفريقية.
تركيا تعتبر أفريقيا شريكًا إستراتيجيًا في سياستها الخارجية، وتسعى لتطوير هذه العلاقة وتحويلها إلى شراكة طويلة الأمد تحقق المصالح المشتركة وتساهم في مواجهة التحديات التي تعيق التنمية في القارة. تركيا تعمل بشكل مستمر على تعزيز حضورها في أفريقيا من خلال الاستثمارات. التعاون الاقتصادي. والإنساني. بالإضافة إلى تطوير علاقاتها مع الاتحاد الأفريقي. ومع هذه الجهود. من المتوقع أن تشهد الشراكة بين تركيا وأفريقيا مزيدًا من النمو في السنوات المقبلة. رغم التحديات التي قد تواجهها.
اقرأ كذلك :ما دلالة ارتفاع أسعار الذهب في ظل عالم مليء بالمخاطر؟