كيف تنجو إسرائيل من العقاب في كل مرة
الاحتلال الإسرائيلي واستهداف الإعلاميين: لماذا يستمر الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الصحفيين رغم القوانين الدولية ودور الحماية الغربية في تعطيل المساءلة؟
كيف تنجو إسرائيل من العقاب في كل مرة… كيف يفلت الاحتلال الإسرائيلي من العقاب على جرائمه بحق الصحفيين؟ دعا الاتحاد الدولي للصحفيين المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته بشأن الاغتيالات التي استهدفت الصحفيين. خاصة في فلسطين ولبنان وإسرائيل وسوريا. شدد الاتحاد على ضرورة محاسبة مرتكبي هذه الجرائم من أجل تحقيق العدالة وحماية الصحفيين حول العالم (السيو).
أشار الاتحاد إلى أن إسرائيل تخالف القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، لاسيما القرار 2222 لعام 2015 والقرار 1738 لعام 2006. هذان القراران يدينان أي اعتداءات على الصحفيين خلال النزاعات المسلحة. ويؤكدان على حمايتهم بموجب القانون الدولي الإنساني. والذي تنص عليه اتفاقية جنيف الرابعة. ورغم ذلك. فإن هذه الحماية لا تُطبق فعليًا في الأراضي الفلسطينية ولبنان وسوريا. ما يُبرز إشكالية الإفلات من العقاب.
منذ بداية حربها على الفلسطينيين في غزة. ثم توسيعها ليشمل استهداف عناصر “حزب الله” اللبناني وقادته. ازدادت الانتهاكات الإسرائيلية ضد الإعلاميين بشكل ملحوظ. يستهدف الجيش الإسرائيلي الإعلاميين والصحفيين بشكل متكرر. مما يعرقل قدرتهم على نقل الحقيقة للعالم. يعتبر الاتحاد الدولي للصحفيين هذا التصرف جزءًا من سياسة طويلة الأمد لإسرائيل تجاه الإعلام. وهو ما يدعو إلى القلق والغضب على حد سواء.
إن عامًا آخر يمضي دون محاسبة المسؤولين الإسرائيليين على استهدافهم المتعمد للصحفيين. فقد راح ضحيتهم صحفيون ومدنيون عزل في فلسطين ولبنان وسوريا. رغم أن القانون الدولي الإنساني يُلزم بحماية الصحفيين والمدنيين أثناء الحروب والنزاعات المسلحة. يُعطي هذا الوضع انطباعًا بأن القوانين والمواثيق الدولية مجرد أدواتٍ غير فاعلة. في ظل عدم الالتزام بها وعدم وجود عقوبات على من يخترقها.
بذل الحقوقيون والمشرعون الدوليون جهودًا كبيرة عبر عقود من الزمن لتأسيس قواعد القانون الدولي الإنساني التي تحمي المدنيين خلال النزاعات المسلحة. ومنها حماية الصحفيين. لكن عدم التزام العديد من الدول بتلك القوانين أدى إلى استمرار الانتهاكات. مما دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2014 لإعلان الثاني من نوفمبر يومًا عالميًا لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين.
الحماية والدعم الأمريكي والأوروبي لإسرائيل
يُلاحظ أن إفلات إسرائيل من العقاب أصبح ظاهرة راسخة. بالنظر إلى الدعم الذي تتلقاه من قادة الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى. يُعتبر هذا الدعم أحد الأسباب الأساسية لاستمرارها في انتهاكاتها دون خوف من المحاسبة. ويرى كثير من المراقبين أن هذه الحماية السياسية والدبلوماسية تمنح إسرائيل الجرأة لمواصلة سياساتها العدائية ضد الإعلاميين (السيو).
ومنذ بداية حربها على غزة. بذلت إسرائيل جهودًا كبيرة لحجب الحقيقة. عبر استهدافها المباشر للإعلاميين. يأتي ذلك ضمن سياسة منهجية لإسكات الأصوات التي تسعى لنقل الواقع المرير الذي يعيشه الفلسطينيون تحت الحصار والقصف المتواصل.
وفقًا لتقارير لجنة حماية الصحفيين، قتلت إسرائيل حتى 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي ما لا يقل عن 180 صحفيًا وعاملًا في وسائل الإعلام في غزة. والضفة الغربية ولبنان منذ بداية عدوانها على غزة. تجعل هذه الحصيلة الفترة الأخيرة من أكثر الفترات دمويةً للصحفيين منذ أن بدأت اللجنة في جمع البيانات عام 1992.
استهداف مباشر للصحفيين والإعلاميين
في تصعيد خطير. قصفت المقاتلات الإسرائيلية في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مقرًا في بلدة حاصبيا بالجنوب اللبناني. كان يشغله 18 صحفيًا من سبع مؤسسات إعلامية مختلفة. محلية وعربية. أسفر هذا الهجوم عن مقتل ثلاثة صحفيين وإصابة آخرين بجروح بليغة. يشكل هذا الهجوم انتهاكًا واضحًا لحقوق الصحفيين الذين يجب أن يتمتعوا بحماية خاصة أثناء النزاعات. وفقًا للمواثيق الدولية.
لا يعد استهداف إسرائيل للصحفيين والعاملين في الإعلام أمرًا جديدًا. إذ إن سجلها حافل بالعديد من الجرائم الموثقة ضد الإعلاميين على مدى السنوات. قامت منظمات وهيئات دولية كثيرة بتوثيق تلك الجرائم، إلا أن هذه التوثيقات لم تصل إلى تحقيق نتائج ملموسة تضع حدًا لتلك الانتهاكات.
تعطيل آليات العقاب الدولية
يُعتبر تعطيل آليات العقاب الدولية أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل إسرائيل تواصل انتهاكاتها دون ردع. يعرقل هذا التعطيل محاولات معاقبة إسرائيل على جرائمها. ويحول دون اعتماد اتفاقية ملزمة في الأمم المتحدة تضمن سلامة الصحفيين. هذا الوضع يُبقي الإعلاميين في مواجهة مفتوحة مع خطر الاستهداف. ويعكس غياب حماية دولية حقيقية.
نتيجة لذلك. يقتصر ممثلو الاتحاد الدولي للصحفيين واتحادات الصحفيين الأخرى على التنديد والاستنكار خلال مشاركتهم في الاحتفال الذي تقيمه الأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للإفلات من العقاب، المزمع عقده في 6 و7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في أديس أبابا. يبقى التحدي الأكبر أمامهم هو كيفية إنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين. خصوصًا مع تصاعد الاستهداف ضدهم.
التنديد لا يوقف الجرائم ضد الصحفيين
بينما تتوالى الإدانات الدولية لجرائم إسرائيل ضد الصحفيين. لا يبدو أن هذه الإدانات كافية لردعها. ففي مرات عديدة تقدمت المنظمات الدولية بشكاوى للأمم المتحدة. كما فعلت منظمة “مراسلون بلا حدود” التي قدمت ثلاث شكاوى لمحكمة الجنايات الدولية بخصوص استهداف إسرائيل للصحفيين الفلسطينيين في غزة. لكن المحكمة لم تتخذ إجراءات فعلية حتى الآن. وقصف منازلهم ومقار عملهم. تطلق إسرائيل أيضًا تهديدات متواصلة وتقوم باعتقالات تعسفية للصحفيين في غزة والضفة الغربية. في خطوة واضحة لفرض مزيد من الرقابة والسيطرة على نقل الأخبار والمعلومات (السيو).
القيود الإسرائيلية على الإعلام الدولي
لم تتوقف إسرائيل عند استهداف الصحفيين المحليين والعرب فقط. بل توسعت إلى فرض قيود على وسائل الإعلام الغربية كذلك. تلزم إسرائيل وسائل الإعلام الدولية بخضوعها لرقابة صارمة قبل نشر أي معلومات عن العمليات العسكرية في غزة والضفة الغربية. كما تمنع دخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة. مما يعيق قدرتهم على تغطية الأحداث ونقل الصورة الحقيقية للعالم.
هذه السياسات ليست سوى محاولات متعمدة لإخفاء الحقائق ومنع الصحفيين من توثيق الجرائم والانتهاكات. قد يساهم هذا الحجب في تأخير انكشاف الممارسات الإسرائيلية أمام الرأي العام العالمي. إلا أنه يزيد من احتقان الأزمة ويضاعف من معاناة الصحفيين الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين نار الحرب ونار تقييد الحريات.
المحكمة الجنائية الدولية وغياب المحاسبة
من الواضح أن إسرائيل لن تتوقف عن استهداف الصحفيين. طالما أن المحكمة الجنائية الدولية والمنظمات الأممية ذات الصلة لم تتحرك بشكل جدي للتحقيق في جرائمها. لقد أصبحت إسرائيل على دراية بأن الإفلات من العقاب يعزز من قوتها على الاستمرار في استهداف الصحفيين والمدنيين.
تعتبر حادثة اغتيال مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة. إحدى أبرز الأمثلة على غياب العدالة. رغم أنها كانت تحمل الجنسية الأمريكية. لم يتم اتخاذ أي إجراءات قضائية ضد المتسببين في مقتلها. يعكس ذلك مدى تعنت إسرائيل وثقتها بأنها قادرة على الإفلات من المحاسبة.
انحياز الإعلام الغربي لرواية إسرائيل
من المؤسف أن العديد من وسائل الإعلام الغربية تتبنى الرواية الإسرائيلية بشكل أعمى. دون تدقيق أو تمحيص. يبدو أن هذه المؤسسات تخلت عن حيادها واستقلاليتها المهنية. مما أفقدها مصداقيتها لدى جمهور واسع من الناس. أدى ذلك إلى تضييق خيارات الصحفيين في نقل الحقائق. وزاد من ضبابية المشهد الإعلامي. حيث بات يصعب التمييز بين الحقيقة والتضليل.
مستقبل الصحافة واستمرار التحديات
لم تكن القرارات الدولية كافية لوقف استهداف إسرائيل للصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام. تظل قضيتهم عالقة في ضمير العالم وتضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ كبير: إلى متى سيستمر دعم الغرب لإسرائيل وحمايتها من المحاسبة؟ وهل ستتحرك الحكومات والمؤسسات الدولية للحفاظ على حقوق الصحفيين وضمان سلامتهم؟ (السيو)
اقرأ كذلك :أرض النهاية: العلامات السبع لزوال إسرائيل