السنوار بين القسّام و جيفارا: مقارنة غير عادلة
فور الإعلان عن استشهاد يحيى السنوار، قائد المقاومة الفلسطينية، وهو يقاتل ممسكًا بسلاحه. انتشرت منشورات عديدة على وسائل التواصل الاجتماعي تستحضر اسم تشي غيفارا. هذه المقارنة أثارت اهتماماً واسعاً، وكأننا بصدد استدعاء نموذجٍ مثاليٍّ للمناضل، يُقاس من خلاله كفاح السنوار بمقياس تشي غيفارا. ولكن، هل هذه المقارنة منصفة؟ وهل تجربة السنوار مطابقة لتجربة غيفارا؟
غيفارا: أيقونة عالمية ضد الإمبريالية
تشي غيفارا، الطبيب الأرجنتيني، أصبح رمزًا عالميًا للنضال ضد الإمبريالية والرأسمالية. في خمسينيات القرن الماضي. قاد غيفارا ثورة في أميركا الجنوبية، متنقلًا من الأرجنتين إلى كوبا ثم إلى بوليفيا. ثورته وموته جعلاه أيقونة للثوار والمثقفين في جميع أنحاء العالم. لا يمكن لأحد أن ينكر دوره الكبير في مقاومة الظلم والاستبداد. أو تأثيره على الحركات التحررية حول العالم.
لكن استدعاء حكايته عندما نتحدث عن أسطورة كفاح يحيى السنوار من أجل تحرير وطنه يحمل شيئًا من التعسف. فالسنوار، الذي كرّس حياته للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. يختلف في تجربته ومنطلقاته وظروفه عن غيفارا. المقارنة بين الاثنين قد تكون ظالمة، بل تحمل إجحافًا بحق الشهيد السنوار.
الظروف العالمية: عالم غيفارا المزدوج القطبية
في عهد غيفارا، كان العالم ثنائي القطبية. كان هناك دعم من المعسكر الشرقي للثورات المناهضة للإمبريالية في أميركا اللاتينية وغيرها. حصل غيفارا على دعم مادي وإعلامي وسياسي من الاتحاد السوفيتي وحلفائه. هذا الدعم سهّل عليه تحركاته وأعطاه القدرة على السفر والتنقل بين الدول. حيث كان يستقبله رؤساء دول وزعماء بحفاوة.
أما السنوار، فقد عاش في عالم مغاير تمامًا. لم يكن هناك دعم من قوى عالمية مماثلة. على العكس، حاربته القوى الكبرى في الشرق والغرب معًا. لم يكن هناك دعم لوجستي أو سياسي، بل واجه الحصار والهجمات العسكرية من كل الجهات. مشروعه الوطني كان محاصَرًا ليس فقط من الاحتلال الإسرائيلي، بل من الإمبريالية العالمية. السنوار لم يجد طريقًا سهلاً، بل حارب من داخل زنازين الاحتلال، وقاد المقاومة من تحت الأرض في أنفاق غزة.
الخذلان العربي: السنوار يواجه الخيانة
واحدة من أهم النقاط التي تجعل مقارنة السنوار بغيفارا غير عادلة هي الخذلان الذي تعرض له السنوار من بعض الدول العربية. بينما كان غيفارا يحظى بدعم عالمي وإعلامي، بل وحتى تعاطف من بعض الحكومات، كان السنوار يواجه الخيانة من بعض الدول العربية التي كان من المفترض أن تدعمه. هذه الدول لم تكتفِ بالسكوت، بل شاركت في المؤامرة ضده وضد المقاومة. في الوقت الذي قُتل فيه آلاف الفلسطينيين في غزة على يد الاحتلال الإسرائيلي، كان بعض الحكام العرب يتعاونون مع هذا الاحتلال، سرًا أو علنًا، لتحقيق أهداف مشتركة.
الخذلان العربي وصل إلى درجة لم تجرؤ فيها أي عاصمة عربية على إعلان نعي رسمي للسنوار، أو السماح للشعب العربي بالخروج في جنازة رمزية لتوديعه، أو حتى إقامة ندوة لتكريم ذكراه. هذه المواقف تظهر الفارق الكبير بين تجربة السنوار وتجربة غيفارا، الذي كان يحظى بتأييد واسع النطاق.
السنوار: قائد مقاومة محلي لا عالمي
غيفارا كان قائدًا أمميًا، قاد الثورات في العديد من الدول، وكان هدفه تحرير القارة الأمريكية الجنوبية من الإمبريالية. أما السنوار، فقد كان قائداً محلياً، حارب لتحرير وطنه فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي. السنوار لم يغادر أرضه أبدًا، بل قضى معظم حياته إما سجينًا في زنازين الاحتلال، أو مقاتلاً في أنفاق غزة. لم تكن له الفرصة للسفر أو التنقل بين الدول كما فعل غيفارا، بل حُصر في بقعة صغيرة من الأرض محاطة بالحصار من جميع الجهات.
لم يستطع السنوار أن ينقل تجربته أو ثورته إلى دول أخرى، لكن تأثيره كان كبيرًا على الشعب الفلسطيني وعلى المقاومة الفلسطينية. كان رمزًا للصمود والمقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وقاد حماس في مراحل حرجة من الصراع.
المقارنة المجحفة: غيفارا والسنوار وجهان مختلفان
بالرغم من الاحترام الكبير الذي يُكنُّه العالم لغيفارا، إلا أن استخدامه كمعيار لتقييم تجربة السنوار يعتبر ظلمًا للشهيد الفلسطيني. تجربة السنوار كانت مختلفة من عدة نواحٍ، بدءًا من الظروف السياسية المحيطة به، مرورًا بالدعم أو الخذلان الذي واجهه، وصولاً إلى الأهداف التي كان يسعى لتحقيقها.
السنوار لم يكن يحارب من أجل قضية أممية أو ثورة عالمية، بل كان يقاتل من أجل تحرير وطنه وشعبه من احتلال استمر لعقود. لم يكن لديه دعم إعلامي أو سياسي من القوى العالمية، بل واجه التحالفات الإمبريالية الكبرى، التي سعت إلى تدمير مشروعه المقاوم.
القسّام وغيفارا: النضال الأممي في تجارب مختلفة
عند الحديث عن النضال والكفاح، قد يكون من الأجدر مقارنة غيفارا بعز الدين القسّام، المجاهد السوري الذي قاد المقاومة ضد الاستعمار في العالم العربي. القسّام كان نموذجًا أمميًا في نضاله، حيث حارب الاستعمار الإيطالي في ليبيا، ثم الفرنسي في سوريا، وأخيراً البريطاني والصهيوني في فلسطين.
القسّام، مثل غيفارا، كان يؤمن بأن النضال ضد الظلم يجب أن يكون عالميًا، وأن تحرير الأرض والشعب هو واجب على الجميع. لكن الفارق الكبير هو أن القسّام سبق غيفارا بربع قرن على الأقل، وكان يحارب في ظروف أكثر تعقيدًا وصعوبة، حيث كانت القوى الاستعمارية أكثر قوة وجبروتًا.
تجربة القسّام قد تكون أكثر مناسبة للمقارنة مع غيفارا من تجربة السنوار، فالأخير كان يقاتل من أجل قضية وطنية محددة، بينما كان القسّام وغيفارا يتطلعان إلى تحرير شعوب بأكملها من الاستعمار.
أبطالنا لا يحتاجون لنماذج مستوردة
في النهاية، لسنا بحاجة إلى استيراد نموذج كفاح أممي لتقييم أبطالنا الوطنيين. السنوار، القسّام، وغيرهما من أبطال النضال الفلسطيني والعربي، هم نماذج كافية بحد ذاتها لتعليم الأجيال معنى التضحية والصمود. ملاحمهم البطولية ستظل تُدَرَّس ليس فقط في فلسطين، بل في كل الدول التي عانت من الاستعمار والاحتلال.
يحيى السنوار كان قائداً مقاوماً، لم يركب الطائرات ولم يلقَ الترحيب في العواصم العالمية، لكنه حارب حتى آخر لحظة من حياته على أرض وطنه. هذه الحقيقة تجعل من المقارنة بينه وبين غيفارا مجحفة وغير منصفة.
اقرأ كذلك: 5 أعراض واضحة تشير إلى قرب انتهاء إسرائيل