اقتصاد

هل تشرّع تركيا قانونًا لتنظيم العملات الرقمية؟

درس من قصة فاروق فاتح أوزير: الحاجة الملحة لإجراءات تنظيمية صارمة لحماية سوق العملات الرقمية في تركيا

شهدت العملات الرقمية توسعًا كبيرًا على مستوى العالم في السنوات الأخيرة. إذ باتت تجذب المزيد من المستثمرين بفضل ميزاتها العديدة. تشمل هذه الميزات السرعة والأمان وقلة التكاليف المرتبطة بالمعاملات.

ومع تزايد الاعتراف الدولي بالعملات الرقمية كمصدر للقيمة وأداة للاستثمار، أصبحت هذه العملات جزءًا لا يتجزأ من النظام المالي العالمي. وفي هذا السياق، تشهد تركيا طفرة غير مسبوقة في عدد المتداولين في **العملات الرقمية** المشفرة.

أعلن وزير المالية التركي محمد شيمشك الأسبوع الماضي عن قفزة كبيرة في عدد الحسابات الشخصية في منصات العملات الرقمية. فقد ارتفع العدد من 1.2 مليون في عام 2022 إلى 18 مليون حساب خلال العام الجاري.

وأضاف شيمشك أن هناك 8.6 ملايين شخص يستثمرون في سوق الأوراق المالية، و12 مليونًا يتداولون في أسواق رأس المال. مشيرًا إلى أهمية هذه الأرقام، خاصة وأن عدد المستثمرين في سوق الأوراق المالية كان 1.9 مليون شخص في عام 2020.

وأشار شيمشك إلى أن البنك المركزي التركي ووزارة التعليم يعملان على إدراج محو الأمية المالية في المناهج الدراسية. ووفقًا لصحيفة “ذا كوبيسي ليتر” الأسبوعية الأميركية، تمتلك تركيا أكبر حصة عالمية في ملكية البيتكوين بنسبة 8.3%. تليها فيتنام ونيجيريا وفنزويلا.

قانون جديد لتنظيم العملات الرقمية

يستعد البرلمان التركي، الخميس المقبل، لمناقشة مشروع قانون جديد قدمه حزب العدالة والتنمية الحاكم. يتضمن هذا المشروع تنظيمات شاملة للأصول المشفرة ومقدمي خدماتها. يهدف القانون إلى حماية العملاء من المخاطر المرتبطة بهذا السوق.

جاء هذا المشروع بعد دراسة مستفيضة للتجارب العالمية في هذا المجال. يشتمل المشروع على تعريفات واضحة للأصول المشفرة وإجراءات لتأسيس وتشغيل مقدمي خدمات الأصول المشفرة. يشترط الحصول على إذن من هيئة سوق رأس المال.

ينص المشروع على أن الأسعار ستكون حرة على المنصات، مع وضع قواعد تضمن الشفافية والمنافسة العادلة. كما يفرض على مقدمي الخدمات الاحتفاظ بسجلات آمنة تتيح تتبّع عمليات تحويل الأصول المشفرة.

تشمل التنظيمات ضرورة حصول مقدمي خدمات الأصول المشفرة على موافقة من البنك المركزي التركي. يجب عليهم الامتثال لمعايير مجلس البحوث العلمية والتكنولوجية. يحدد المشروع عقوبات صارمة على الأنشطة غير المرخصة، قد تصل إلى السجن والغرامات المالية.

يلزم القانون مقدمي الخدمات بدفع رسوم خدمة سنوية تقدر بنسبة 1% من إيراداتهم للبنك المركزي. تساهم هذه التنظيمات في خلق بيئة آمنة وشفافة لسوق **العملات الرقمية** في تركيا.

تقييدات سابقة على العملات الرقمية

حذرت المصارف التركية عملاءها مطلع العام الجاري من احتمال إغلاق بطاقات الائتمان الخاصة بهم. جاء هذا التحذير عند شراء الذهب أو العملات الأجنبية أو **العملات الرقمية** عبرها. الهدف كان الحد من الأقساط الشهرية وتقليل استخدام بطاقات الائتمان في إطار مكافحة التضخم.

كشفت هيئة التنظيم والرقابة المصرفية عن زيادة استخدام بطاقات الائتمان في يناير/كانون الثاني 2024 بنسبة 155% مقارنة بالشهر نفسه من العام 2023. بلغ حجم الإنفاق عبر هذه البطاقات خلال ديسمبر/كانون الأول 2023 نحو 1.2 تريليون ليرة، أي حوالي 39 مليار دولار.

نهاية أبريل/نيسان 2021، حظر البنك المركزي التركي استخدام **العملات الرقمية** والأصول المشفرة في شراء السلع والخدمات. أشار البنك إلى أضرار محتملة “غير قابلة للإصلاح” ومخاطر كبيرة في تلك التعاملات.

تأثير العملات الرقميه على الاقتصاد التركي

سجلت معدلات التضخم في تركيا ارتفاعًا جديدًا لتصل إلى 69.8% في أبريل/نيسان الماضي. جاءت هذه النسبة مقارنة بـ68.5% في الشهر الذي قبله، بالتزامن مع سياسة التشديد النقدي التي تتبعها الحكومة التركية لكبح جماح التضخم.

أعلنت الحكومة الأسبوع الماضي عن خطة تمتد لثلاث سنوات تهدف إلى خفض الإنفاق العام. تسعى هذه الخطة للخروج من دوامة التضخم. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة لضبط وتنظيم تداول **العملات الرقمية**. تعتبر هذه الخطوة ضرورية لضمان استقرار الأسواق المالية وحماية الاقتصاد التركي من التقلبات الشديدة.

وفيما يتعلق بارتفاع عدد الحسابات الشخصية التركية في منصات **العملات الرقمية**، لفت الباحث الاقتصادي محمد العبادلة من جامعة غازي بأنقرة إلى أن هذا الارتفاع يعود إلى ميل فئة الشباب للمجازفة. يوضح العبادلة أن الشباب غالبًا ما يسعون لتحقيق أرباح كبيرة في وقت قصير دون حساب المخاطر المالية.

تطرق العبادلة إلى دورات **العملات الرقمية**، متوقعًا ارتفاعات كبيرة للعملات حتى الانتخابات الأميركية. يتوقع ارتفاع الأسواق قبل أن تدخل في سلسلة تصحيحات تنهي السوق الصاعد في نهاية الربع الرابع من 2025. سيؤدي هذا إلى هبوط كبير في الأسعار وانصراف الشباب عن التداول.

وأوضح أن زيادة استخدام **العملات الرقمية** تؤثر على الاقتصاد التركي بإحداث أزمة سيولة. تنجرف الأموال ورؤوس الأموال بعيدًا عن المشاريع الحقيقية نحو مشاريع التداول. يؤدي ذلك إلى فقدان الاقتصاد للأيدي العاملة والعقول الشابة التي يمكن أن تسهم في التنمية الاقتصادية.

وأضاف أن الأرباح الناتجة عن التداول تؤثر بشكل شخصي على المتداولين ودوائرهم المقربة. في حين أن المشاريع الحقيقية تعود بالفائدة على المجتمع ككل وتسهم في تحريك عجلة الاقتصاد. بيّن العبادلة أن تداول **العملات الرقمية** يزيد الثروة الشخصية للمتداولين على حساب زيادة ثروة أفراد المجتمع بشكل عام. يؤدي ذلك إلى ظهور فجوات كبيرة بين طبقات المجتمع.

إجراءات احترازية لحماية العملات الرقمية

أعاد مشروع القانون الجديد إلى الأذهان قصة فاروق فاتح أوزير، الشاب التركي صاحب منصة “ثوديكس”. اشتهر أوزير كـ”أكبر محتال في تاريخ تركيا”. في 31 مارس/آذار 2022، قضت المحكمة التركية بسجنه لمدة 11,196 سنة. تضمنت العقوبة أيضًا غرامات مالية ضخمة تجاوزت 26 مليار ليرة تركية، بتهمة الاحتيال الخطير وتأسيس منظمة إجرامية.

تعود الأحداث إلى فرار أوزير خارج تركيا بعد إعلان شركته – التي ضمت 400 ألف مشترك واستثمارات بقيمة ملياري دولار – أنها ستوقف تعاملاتها لمدة 5 أيام لإجراء إصلاحات تقنية. عقب هذا الإعلان، بدأ المواطنون في تقديم الشكاوى للجهات الحكومية.

أدى هذا الضغط إلى فتح تحقيق انتهى بجلب أوزير من ألبانيا لمحاكمته. تسلط هذه الحادثة الضوء على أهمية وضع إجراءات احترازية وتنظيمية صارمة لسوق **العملات الرقمية** في تركيا، لحماية المستثمرين وضمان استقرار السوق.

اقرأ كذلك: البيتكوين تسجل ارتفاعًا تاريخيًا وتتخطى حاجز 72 ألف دولار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات