المسلم ومسؤوليته الفردية
"مسؤولية المسلم: دروس ونماذج من التاريخ الإسلامي لتحمل المسؤولية الفردية والجماعية"
نعني بالمسؤولية الفردية مسؤولية المسلم نفسه أمام ربه عن نيته وأقواله وأفعاله. المسلم يمضي في حياته فيعمل ويجتهد ويخطئ ويصيب ويطيع ويعصي ويعيش بين الناس. لكنه في النهاية مسؤول لوحده عما قام به واقترفه. سعيه وعمله هما اللذان سينجيانه أمام الله.
لقد كان إعلان القرآن الكريم واضحاً عندما تحدث عن تحمل المسلم لمسؤوليته الفردية أمام الله تعالى. قال الله: “وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠)” سورة النجم.
لا عذر لأحد في إلقاء التبعة على الآخرين. المسلم يتحرك في عبادته ودعوته بدافع ذاتي داخلي. لا يحتاج المسلم إلى محركات ودوافع خارجية. اعتقاده بأنه سيلقى الله وحده يوم القيامة يحركه ويدفعه للعمل حتى لو قعد أو تخلى الجميع.
المسؤولية الفردية للمسلم في الدين
وعن المسؤولية الفردية في الحساب فقال: “فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤). وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ أمرئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)” سورة عبس.
و عن المسؤولية الفردية في التفكير والاختيار فقال: “قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّـهِ مَثْنَى وَفُرَادَى. ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبَكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٤٦)” سورة سبأ.
وعن المسؤولية الفردية في الدعوة إلى الله فقال.: “وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣)” سورة فصلت.
و عن المسؤولية الفردية في العبادة وفعل المعروف والنهي عن المنكر: “يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأمُر بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ. وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧)” سورة لقمان.
وأكده حديث رسول الله ﷺ حين قال: “مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ”. صحيح مسلم.
وعن المسؤولية الفردية في الثبات على دينه فقال: “فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (٤٣). وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (٤٤)” سورة الزخرف.
دور المسلم في تحمل المسؤولية الفردية
فلا عذر لأحد في إلقاء التبعة على أحد. المسلم متحرك في عبادته ودعوته بدافع ذاتي داخلي. لا يحتاج لمحركات خارجية. اعتقاده بأنه سيلقى الله وحده يوم القيامة يدفعه للعمل ولو تخلى الآخرون. سيأتي النبي يوم القيامة وحده كما جاء في الحديث النبوي.
الإسلام يجعل المسلم متحركا وفاعلا لبناء أمته بناءً على ابتغائه رضا الله وجنة تحتوي على السماوات والأرض. محفزاته الداخلية تكفيه وتعتبر وقوداً لعمله المستمر.
حكى الله لنا عن هدهد سليمان واستشعاره المسؤولية عن العقيدة والدين، حيث قال الله: “أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السماوات وَالأرض وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (٢٥) اللَّـهُ لَا إِلَـهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٢٦)” سورة النمل.
المسلم مدرك للصواب والخطأ ويعمل بمسؤولية بغية رضا الله، دون انتظار تكليف أو تعلم خاص لفهم مسؤوليته.
دور المسلم في مواجهة التحديات الحالية
نحن نشهد محنة المسلمين الآن، مع تكالب أعدائهم من كل حدب وصوب. نرى الانحراف في كل صوره من كفر بواح، ومجاهرة بالمعاصي، وضياع للأخلاق، واستهداف للقيم، وتدمير للإنسانية، وإراقة للدماء البريئة، وظلم واستباحة للحرمات. هل لنا أن نتجاهل شعور المسؤولية الفردية؟
لدينا نموذج القمة في استشعار المسؤولية في الأمم التي سبقتنا، كما في مؤمن آل فرعون الذي جهر بالحق.
المسلم ليس معفواً عن مسؤوليته في نصرة الدين والحق. نحن بحاجة اليوم لمراجعة جادة مع أنفسنا للوقوف على حقيقة الدور الذي نؤديه. المسؤولية فردية ابتداءً وجماعية انتهاء.
دور المسلم في تحمل المسؤولية الفردية والجماعية
ولو جئنا للنماذج العملية التي أدت مسؤوليتها الفردية على أتم وجه نجد منها مثلا، الأنبياء والرسل -عليهم الصلاة والسلام- حيث بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة ونصحوا الأمة بمفردهم وربما لم يستجب لهم أحد.
ولدينا نموذج القمة في استشعار المسؤولية في الأمم التي سبقتنا وهو مؤمن آل فرعون الذي جهر بالحق وقال: “رَبِّيَ اللَّـهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ” سورة غافر.
و لدينا المؤمن الذي قص الله علينا خبره، حيث انتدب نفسه دفاعاً عن الرسل الذين أرسلهم الله إلى القوم المكذبين المعاندين: “يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ” سورة يس.
ولدينا في الصحابة نماذج فذة منها: الصديق، وعثمان بن عفان، وأبو ذر الغفاري، ومصعب بن عمير، الذين أدينوا دورهم بكل إخلاص وإيمان.
وأخيراً، فلا أبلغ من أن ننهي كلامنا بقول الله تعالى: “وَكُلُّهُم آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا” سورة مريم.
اقرأ كذلك: أم على قلوب أقفالها؟ تأثير القرآن في الحياة وعلى الفرد والمجتمع