تاريخ وثقافة

لغز الحشاشين: أكثر الجماعات تشويشاً وعنفاً في تاريخ الإسلام

تأثير الحشاشين النزاريين في الشام: تاريخ الصراعات والاغتيالات على الحصون في المنطقة

طوال ألف عام، لم تزل فرقة الحشاشين من المواضيع الأكثر إثارة وغموضاً في تاريخ الإسلام. حيث تم نسج ما يشبه الأساطير حولها، خصوصاً فرقة الحشاشين الباطنية الإسماعيلية النزارية.

تعود الحكايات القديمة لتصف هذه الفرقة بأنها مجموعة من القتلة الخطرين، يتحصنون في القلاع فوق الجبال. يرعبون الحكام ويثيرون الهلع في قلوبهم. حتى أصبحت خناجرهم تهدد أسر الخلفاء المسلمين والأباطرة. ويرجع اسمهم “الحشاشين” إما للحشيش الذي يتخفون به. أو لمخدر الحشيش الذي يروج له البعض.

انتشرت هذه الروايات حتى بلغت ملوك أوروبا، فأصبحت مادة لرسائل قناصلهم. ومع تطور الدراسات. كشفت التحقيقات العلمية عن حقائق أكثر دقة حول تاريخهم.

هل كانوا فرقة دينية دموية كما روجت الأساطير؟ أم كانوا دعوة سياسية دافعت بالدم لضمان بقائها؟ هذا ما لا يزال قيد النقاش والبحث.

تفحص الدراسات التاريخ بدقة وتضع كل حقبة ضمن سياقها السياسي والديني. وعلى الرغم من تعقيد المواقف. فإن فرقة الحشاشين لا تزال تلقي بظلالها على التاريخ الإسلامي حتى اليوم.

تشكيل فرقة الحشاشين: رحلة ثورية منذ القرن الأول للدولة

تعتبر فرقة الحشاشين واحدة من الظواهر التاريخية البارزة في الإسلام. حيث يمكن مقارنتها بغرزة حياكة تطرّز لوحة تاريخية شامخة. يعود تشكل هذه الفرقة إلى القرن الأول لتأسيس الدولة الإسلامية. وتحديداً إلى فترة تشكّل الطبقات المجتمعية في هذه الدولة.

في تلك الفترة الحرجة، كانت الإمبراطورية الإسلامية تشهد انقسامات وتوترات كبيرة. حيث تمثلت هذه الانقسامات في تباين بين المسلمين من مختلف الأعراق والطبقات الاجتماعية. وهذه التباينات ساهمت في زيادة حدة الصراعات والمعارك الداخلية.

ومن خلال تحليل السياق التاريخي لتلك الفترة، نجد أن الفكر الشيعي كان له تأثير كبير على تشكيل الفرق الثورية. خصوصاً بعد حوادث مثل مقتل الحسين بن علي وثورة المختار الثقفي. وفي القرن الثامن. برزت فِرق وجماعات متعددة ضمن أنصاف الشيعة، وكان لكل منها نظرياتها الخاصة وأهدافها المحددة.

تقدم المصادر الإسلامية أسماءاً للدعاة والجماعات التي شهدت نشاطاً كبيراً خلال تلك الفترة. والتي تشير إلى أصول محتملة لفرقة الحشاشين فيما بعد. على سبيل المثال. كانت إحدى الجماعات تروج لفكرة القتل كوسيلة دينية وهامشية لتحقيق أهدافها. مما يجعلنا نتساءل عما إذا كانت هذه الأفكار المبكرة قد ألهمت تشكيل الحشاشين في العصور اللاحقة.

ميلاد الإسماعيلية: رحلة الحشاشين نحو الباطنية

في القرن الثامن الميلادي، شهدت الحركات النضالية في الإسلام تطورات هامة. حيث بدأت العناصر المتطرفة تظهر داخل الأنظمة الشيعية. خاصة بعد انقسام حاد بين أتباع الإمام جعفر الصادق وابنه إسماعيل. تأثير هذا الانقسام كان واضحاً في تشكل الإسماعيلية. وهم فرقة تدين بأهمية الإمام المعصوم في فهم القرآن والسنة بشكل باطني.

تاريخياً، استمرت الإسماعيلية في الظلام لفترة طويلة. حيث وظهرت فيهم مفكرون دينيون يعتمدون على الفلسفة اليونانية في تطوير نظرياتهم. يعتبر الإسماعيليون الإمام مركزًا لفكرهم. ويرى البعض منهم أن التاريخ البشري يتألف من فترات تبدأ كلها بإمام ناطق وتتبعها فترات بصمت من قبل أئمة مستترين.

تشتهر الإسماعيلية بتأويلهم الباطني للقرآن والسنة، حيث يؤمنون بأن الإمام الباطني هو الوحيد الذي يعرف المعنى الحقيقي وينقله لأتباعه. ويقوم دعاة الفرقة بنشر هذه التعاليم. ويعتبرون الإمام “منبعًا للمعرفة والسلطة”.

تتمحور فلسفة الإسماعيلية حول التأويل الباطني والسلطة المطلقة للإمام. وهي فرقة لا يعلم بواطنها القرآن إلا إمامها المعصوم. تأسست هذه الفرقة على أساس الاعتقاد في أن الحقيقة الدينية تكمن في الفهم العميق للنصوص. وهو ما جعلها تحتل مكانة هامة في تاريخ الفكر والدين الإسلامي.

تمزق الخلافة: توسع الفكر الإسماعيلي في فترة الضعف

بعد وفاة إسماعيل، بدأت الأئمة الإسماعيليون في الخروج من خفاءهم. مستفيدين من ضعف الخلافة العباسية التي تعثرت بعد خلافاتها الداخلية. تشير دراسات كتاب “الحشاشون فرقة ثورية في تاريخ الإسلام” إلى أن ذلك الضعف أتاح للشيعة، بما فيهم الإسماعيلية. الفرصة لتعزيز نفوذهم وتوسع دعوتهم.

في القرن التاسع الميلادي، شهدت الإمبراطورية الإسلامية تحولات كبيرة اجتماعية واقتصادية. جلبت الثراء والسلطة لبعض الجماعات والفقر والتشتت لآخرين. هذه التغيرات الملحوظة أثرت على الفكر والثقافة. حيث ازداد الاهتمام بالعلم والفلسفة، وأصبحت هناك حاجة ماسة لحلول جديدة تناسب العصر.

في هذا السياق، برزت الشخصيات الإسماعيلية كقوة مؤثرة.  حيث استطاع دعاتهم ومفكروهم تقديم رؤى جديدة وحلول مبتكرة للمشاكل الاجتماعية والدينية. تركزت جهودهم في مناطق مثل جنوب العراق وخليج فارس. حيث نجحوا في توسيع نفوذهم وجذب المؤمنين والباحثين عن الحقيقة.

ومن خلال كتابات مثل رسائل إخوان الصفا، برزت فلسفة الإسماعيلية بوضوح. حيث يؤمنون بأهمية الإمام المعصوم كمركز للمعرفة والسلطة. وفي فترة الضعف والاضطرابات. استطاع الإسماعيليون توجيه رسالتهم بثقة وإشعاع، مما أدى إلى زيادة نفوذهم وتأثيرهم في المنطقة وتأسيس بيئة مهمة لتمدد أغصان فكرهم ودعوتهم.

صعود الإسماعيليين وتحديات النشر في إيران

صعد الإسماعيليون إلى الحكم في الغرب الإسلامي بتأسيس الدولة الفاطمية. ثم امتد تأثيرهم إلى الشرق. وفي دراسة بعنوان “حشاشو أَلَموت”، يشير الباحث أنتوني كامبل إلى أن الدعاة والمثقفين الإسماعيليين في القاهرة كانوا بغالبيتهم من الإيرانيين، مما دفعهم لبذل جهد كبير في نشر فكرهم في إيران. ومع ذلك. واجهوا صعوبات جمة بسبب الغزو التركي السلجوقي، الذي كان معادياً بشدة للإسماعيلية.

رغم تلك التحديات، بقي الإسماعيليون عزماء وطموحين. حيث استمرت خلاياهم في النشر والدعوة في العديد من المدن والبلدات. ورغم تخطيطهم لثورة ضد السلاجقة. إلا أنهم لم ينووا تشكيل جيش واحد للسيطرة على السلطة، كما حدث مع الفاطميين في مصر.

التحدي الرئيسي كان في استدراج الإيرانيين لفكرة الإسماعيلية وتغيير التوجه الديني للمنطقة. خصوصاً مع تعقيدات الوضع السياسي والثقافي والديني في العصور الوسطى. ورغم أن السلاجقة كانوا معاديين لهم. إلا أن تراثهم وإرثهم الثقافي استمر في تحدي الظروف والمواقف الصعبة، مما يجسد تحديات الحشاشين في مسيرتهم نحو النفوذ والتأثير في تلك الفترة الزمنية المهمة.

تطور الحشاشين في الشرق: الإسماعيلية تحت قيادة حسن الصباح

عندما واجه الإسماعيليون تحديات من قبل السلاجقة، لم يفقدوا شجاعتهم بل أصبحوا أكثر طموحًا. كانت الخلايا الإسماعيلية متواجدة في العديد من المدن والبلدات وكانت تدعو للثورة ضد السلاجقة. ولكنهم لم يخططوا لتشكيل جيش واحد للسيطرة على السلطة كما حدث مع الفاطميين في مصر.

في إيران، كانت الظروف تختلف، ولم يكن الإسماعيليون قادرين على تشكيل جيش كبير. بدلاً من ذلك. كانوا يسعون لحدوث تعدد في الانتفاضات المخطط لها في وقت واحد. وهذا النهج كان يهدف إلى حرمان السلاجقة من قاعدة الدعم الشعبي.

في القرن الحادي عشر، حدث تغير كبير بفضل حسن الصباح. الذي استغل الوضع السياسي في الشرق للصعود إلى الحكم. استخدم الإسماعيلية إستراتيجية ثورية جديدة وفعالة. من خلال تقديم نقد للمعتقدات التقليدية، خاصةً في ظل ضعف الحكم الإسلامي وسط حكم السلاجقة.

وتحت قيادة حسن الصباح، تمكنت الفرقة الإسماعيلية من الصعود والتأثير في الشرق. مما جعلهم لا يزالون حاضرين في تاريخ الإسلام بتلك الفترة المهمة.

الحشاشين: حسن الصباح ورحلة الولاء والتحول

حسن الصباح، الذي وُلد في مدينة قم الشيعية، جاء على الدنيا وهي تحمل طموحاته وهدفه الرئيسي في الحياة. وهو أن يكون عالمًا بارعًا في الدين. ترعرع في مدينة الري الإيرانية. التي كانت تشتهر بنشاط الدعاة الإسماعيليين منذ القرون الوسطى. تأثر حسن بشدة بتعاليم الإسماعيلية. وكان يعلق آمالًا كبيرة على تحقيق أهدافه في هذا الفخ المعرفي والروحي.

بعد وفاة معلمه العزيز عليه، انطلق حسن الصباح في رحلة المعرفة العميقة، يبحث ويدرس في كتب الإسماعيلية. مطمئنًا إلى العقيدة التي تجسدت في قلبه. لكن الانقلاب الفاجع نحو الإسماعيلية لم يأتِ حتى بعد أن جاءته الصعوبات الجسيمة والمرض القاسي الذي حال دونه. في تلك اللحظات الأخيرة، تجلى تضحيته وحبه للحقيقة. ورغبته القوية في أن يعيش ويموت وهو يمتثل للعقيدة التي يعتقدها صحيحة.

إن قصة حسن الصباح تعكس رحلة الولاء والتحول. وكيف يمكن للأفراد أن يبنوا مسارهم الروحي والفكري بتفانٍ وإيمان. ومع رحيل حسن الصباح. تبقى تلك الصفحات من التاريخ معلمة وملهمة لكل من يسعى للبحث عن الحقيقة والتمسك بالمبادئ التي يؤمن بها بإخلاص.

الحشاشين: حسن الصباح ورحلة الولاء والتوجه نحو القاهرة

بعد شفائه من المرض. التف حسن الصباح حول البحث عن معلم جديد في الإسماعيلية. قطع وعد الولاء للإمام الفاطمي المستنصر. أمام داعية بارز، عبد الملك بن عطاش، والذي كان يعد من كبار الدعاة الإسماعيليين في مناطق غرب العراق وإيران. وتقريبًا في العام 1072م. التقى حسن الصباح بابن عطاش الداعية الأكبر في مدينة الري، وتكلف بمهمة الدعوة في القاهرة. ولكنه تأخر في تنفيذ هذه المهمة لعدة سنوات.

وفي مقدمة ترجمته لرباعيات الخيام، يشير إدوارد فيتزجرالد إلى سبب تأخر الصباح في السفر إلى القاهرة. حيث يذكر أن عمر الخيام وحسن الصباح ونظام الملك الطوسي كانوا أصدقاءً دراسيين. لكن خلافات نشبت بين الصباح ونظام الملك عندما أصبح وزيرًا، مما دفع حسن الصباح للسفر إلى القاهرة.

ومع ذلك، يناقض هذه الرواية المؤرخ برنارد لويس، الذي يشكك في صحة تلك القصة. نظرًا لعدم وضوح تواريخ ميلاد ووفاة الشخصيات المعنية. يُذكر أن نظام الملك وُلد سنة 1018م وتوفي في عام 1092م تقريبًا. بينما توفي حسن الصباح في عام 1124م، وكان عمر الخيام بعد وفاته بسنوات.

هذه التناقضات تجعل القصة المتداولة عن خلاف حسن الصباح مع نظام الملك وعدم سفره للقاهرة محل شكوك. حيث يبقى تاريخ تلك العلاقات وتطورها قابلة للنقاش والبحث التاريخي المستقبلي.

الحشاشين: حسن الصباح وعودته المحملة بالآمال إلى الشرق

في العام 1078م (471هـ)، شرع حسن الصباح في رحلة مهمة إلى القاهرة، حيث استقبل بحفاوة في بلاط الخليفة الفاطمي المستنصر، ومكث في مصر لثلاث سنوات. وفي تلك الفترة، وفقًا للروايات المتعددة، تداخلت الآراء وانقسمت بين مؤيد ومعارض لولي العهد نزار، وكان حسن الصباح من المؤيدين، الأمر الذي أثار خلافًا بينه وبين بدر الجمالي، أمير الجيوش، وأدى ذلك إلى دخوله السجن ثم طرده من مصر.

بعد طرده من مصر، أُبعد حسن الصباح إلى الغرب، لكن سفينته التي كان على متنها تحطمت، ولكنه نجا وتحوّلت رحلته إلى الشام بدلاً من الغرب. وفي الفترة بين عامي 1081م و1090م (473-483هـ)، تركز حسن الصباح جهوده الدعوية على إيران.

ويذكر المؤرخ برنارد لويس أن حسن الصباح ركز على الشمال الفارسي، خاصة في إقليم الديلم، وهو إقليم شهد نشاطًا شيعيًا بارزًا بعدما لجأ إليه أحد أتباع آل بيت علي. تمكن سكان الديلم من فرض سيطرتهم على مناطق عديدة، وأصبحوا في بعض الأحيان أوصياء على خلفاء بغداد.

لم يكن حسن الصباح مجرد داعية ديني، بل كان رجلًا بصيرًا وذكيًا، حيث وضع خطة لاستخدام قلعة ألَموت في إقليم الديلم كمعقل له، لتكون مركزًا لحربه ضد السلاجقة ومقرًا آمنًا له بعد تهديدات الاعتقال.

الحشاشين: قلعة ألموت وخطة استيلاء حسن الصباح على معقله الجديد

تقع قلعة ألموت في منطقة صعبة الوصول في جبال البورغ، ولا يمكن الوصول إليها إلا من خلال طريق صعب وضيق. اختار حسن الصباح بعناية تلك القلعة كمركز له، وبدأ خطته بتقديم الدعوات للسكان المحليين للانضمام إليه، ونجح في جذب بعض الرجال لعقيدته. وعلى الرغم من محاولات العلوي، صاحب القلعة، للتحالف مع الإسماعيليين، إلا أنه فجأة أغلق أبواب القلعة وأبدى رفضه لإرسالهم خارجها. بعد مناقشات طويلة، تم السماح للإسماعيليين بالدخول، ولكنهم رفضوا الخروج مرة أخرى.

بعد تحضير أنصاره داخل القلعة، جاء الوقت للهجوم النهائي. استطاع حسن الصباح إدخال أنصاره إلى القلعة بسرية، وبهذا سيطر عليها بشكل كامل. وعرض على صاحب القلعة المغادرة مقابل مبلغ مالي كبير، وبذلك أصبح حسن الصباح سيدًا للقلعة.

كانت هذه القلعة ليست سوى جزء من خطته الأكبر للاستيلاء على قلاع أخرى في المنطقة. استخدم حسن الصباح كل الوسائل الممكنة، سواء بالدعوات الدعائية أو بالقوة، للسيطرة على هذه الأماكن الصعبة الوصول. ومن خلال تلك الخطة الاستراتيجية، نجح في بناء قلاع جديدة على أي موقع صخري يجده.

الحشاشين: حسن الصباح وممارسة القتل السياسي

حسن الصباح، الحاكم الصارم والمتشدد، يظهر في التاريخ بصورة قائد دموي لا يعف عن دماء أبنائه، حيث يروى أنه أمر بإعدام ولديه، أحدهما بتهمة شرب الخمر، والآخر بتهمة القتل. ويصف المؤرخ فون هامر فرقة الحشاشين التي كان يقودها بأنها جماعة دموية.

وفي سياق مشابه، يشير الباحث أنتوني كامبل إلى أن استخدام القتل كأداة سياسية لم يكن ابتكارًا إسماعيليًا فقط، بل كانت عدة جماعات في إيران تمارسه في ذلك الزمن. ولكن يلاحظ أن الإسماعيليين انتهجوا هذه الطريقة بشكل أكبر، ربما لأنهم رأوا فيها أنها أقل إنسانية من مواجهة الأعداء في معارك ضروس. وبالنظر إلى التفوق العددي الكبير لأعدائهم، فإن القتل الاستهدافي كان خيارًا منطقيًا.

وقد تجسدت هذه الإستراتيجية في أولى عمليات الاغتيال التي قامت بها فرقة الحشاشين تحت قيادة حسن الصباح، والتي استهدفت الوزير نظام الملك الطوسي بعد وفاة السلطان السلجوقي ملكشاه في العام 1092.

الحشاشين: الصراع على عرش القاهرة وانقسام الإسماعيليين

بداية القرن الثاني عشر الميلادي شهدت بروز الإسماعيلية بقيادة حسن الصباح، حيث استولوا على قلاع في إيران بوساطة الشراء والتفاوض، مما جعلهم قوة مهمة في المنطقة وجعل الصباح زعيمًا للإسماعيليين هناك.

لكن هذا التقدم لم يمر مرور الكرام، ففي العام 1092م تعرضت قلعة ألموت التي كان يتمركز فيها الصباح لحصار شديد من قبل السلاجقة، وبالرغم من صعوبة إقناع أتباعه بعدم الاستسلام، إلا أن خبر وفاة السلطان السلجوقي ملك شاه جاء لينقذ الوضع ويمكنهم من الانسحاب بسلام.

مع كل تلك النجاحات والتحديات، فإن الحشاشين لم يكونوا معزولين عن المشهد السياسي في القاهرة. بالعكس، دخلوا في الصراع السياسي بقوة خاصة في نهاية القرن الحادي عشر، حيث نشأ خلاف حول خلافة المستنصر. الخلاف بين تأييد الابن نزار وتأييد المستعلي أشعل نار الانقسام داخل الإسماعيلية، فانقسموا إلى فرقتين؛ النزارية والمستعلية.

يشير الباحث أنتوني كامبل إلى أن الإسماعيليين في القاهرة واختيارهم للمستعلي كإمام، لكن الإسماعيليين في إيران بقيادة الصباح تبنوا الموقف المعارض لنزار، وبذلك انفصلوا عن الفاطميين وأصبحوا معروفين بالنزاريين.

على الرغم من أسباب الانقسام القائمة على العقائد، فإن هناك تفاصيل أخرى تدعو للتأمل، فقد يكون الصباح دخل في صراع شخصي مع بدر في القاهرة، مما دفعه لاختيار الانفصال. بالإضافة إلى ذلك، كانت الإسماعيليين في إيران يرفضون الولاء لقوات تحتل أراضيهم، وربما كانوا يرون في نزار رمزًا للثورة ضد الأتراك، الذين كانوا يشكلون الجزء الأكبر من قوات بدر.

الحشاشين: صراعات الإمامية ومأزق حسن الصباح

بعد مقتل نزار بن المستنصر وصعود الحشاشين إلى السلطة، انتقلت العصور إلى مرحلة مأزق عقَدي بالنسبة للإسماعيلية. لم يبقَ عندهم خليفة، وبالتالي اختلفت مفاهيمهم الدينية والسياسية، خاصة في ما يتعلق بالإمام المخفي.

سؤال يطرحه الباحث أنتوني كامبل: لماذا لم يتولّى حسن الصباح الإمامة على الرغم من تأييده وموقعه المرموق؟ يجيب عن هذا السؤال بالتأكيد ويشير إلى رغبة الصباح في دور الخادم للإمام بدلاً من الإمامة نفسها. فالصباح كان يُلقب بالحجة وكان الممثل الرسمي للإمام، مما يظهر ولاءه واحترامه للنظام الديني.

بعد وفاة حسن الصباح في عام 1124، استمرت قصة الحشاشين ولم تنتهِ بموته. كانوا مسؤولين عن عدد من الاغتيالات، بما في ذلك اغتيال الخليفة المسترشد، وقد استقرت الدولة النزارية بنمط وجودها الخاص، وكانت تُحكَم بنظام تعاقب وراثي للحكام.

أما من الأحداث المبكرة، فكانت محاولات اغتيال المنصور الراشد بالله ابن الخليفة المسترشد، وقد تم اغتياله في أصفهان بعد أن كان رهن الإقامة الجبرية هناك. ورغم الاحتفالات الكبيرة بمقتله في قلعة ألموت، فقد تبعتها موجة انتقامية من أهل أصفهان ضد الإسماعيليين.

الحشاشين: رحلة الإمام الإلهي وحماسة المريدين

في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي، تعززت مكانة الإسماعيليين النزاريين، حيث أصبحوا مجتمعًا مستقرًا ومحصنًا ضد التهديدات الخارجية، خاصة بعد فشل محاولات السلاجقة في التغلب عليهم، وعدم وجود قوى كبرى تشكل تهديدًا في ذلك الوقت. وعلى الرغم من قيادة القادة الذين خلفوا حسن الصباح، لم يكونوا على مستوى مواهبه الفكرية، ولكن ظهر حسن الثاني بن محمد الأول كقائد جدير بالثقة ومتعلمًا بعمق الأدب الإسماعيلي والصوفية.

تحتوي الفترة على حماسة ونشوة كبيرة بين المريدين، حيث اعتقد حسن الثاني أنه قادر على أن يكون الإمام المخفي الذي سيظهر. ورغم غضب والده، فقد خلفه بعد وفاته عام 1162م، وبدأ في تغيير نمط التطور النزاري بتخفيف القيود القمعية وإبراز العدالة.

وفي العام 1164م، بدأ الإمام المخفي يلمح إلى وجوده، لكنه قُتل بعد فترة قصيرة، وخلفه ابنه محمد الثاني. ترك هذا الحدث تأثيرًا كبيرًا على المريدين الذين شعروا بحالات نشوة تجاوزت حدود الوعي العادي، مما دفعهم إلى الالتهام بأنهم استخدموا المخدرات لتحقيق هذه الحالات المتغيرة.

في الوقت نفسه، بدأت التحديات الخارجية تتسع مع توسع المغول على يد جنكيز خان وزعيم الحشاشين علاء الدين محمد وابنه ركن الدين. تصاعدت التوترات وانتهت بقتل ركن الدين بعد استسلامه للمغول، مما أدى إلى انتهاء نهاية مأساوية لفترة مهمة في تاريخ الحشاشين والإسماعيلية النزارية.

هذه الحلقة الفاصلة في تاريخ الحشاشين تعكس حماسة وانتظارًا عقديًا كبيرًا لظهور الإمام المخفي، وتداعيات الأحداث كانت عميقة وتركت أثرًا كبيرًا على المجتمع والمريدين، مما يبرز تعقيدات وروح التحدي التي كانت تحكم الحشاشين وفلسفتهم الدينية المميزة.

الحشاشين في الشام: تاريخ من الاغتيالات والصراعات على الحصون

في الأراضي الشامية، بدأ تأثير الإسماعيليين النزاريين منذ فترة طويلة، تزامنًا مع سيطرة الفاطميين في القرن العاشر. أرسل حسن الصباح بعض مبعوثيه لنشر التعاليم الجديدة في المنطقة، ونجحت دعايته هناك، حيث انفصل الإسماعيليون السوريون عن القاهرة وبقوا موالين لنزار، مما جعلهم يعترفون بسلطة ألموت وينقسمون عن المدن.

لكن مع تغييرات الزمن، واجه الإسماعيليون تحديات جديدة، خاصة مع استيلاء الصليبيين على القدس، مما دفعهم للانسحاب إلى المعاقل الجبلية. استمرت الصراعات والاغتيالات، حيث شهدت الفترة بعض الهجمات والاغتيالات التي نُفّذت ضد السلاجقة والفاطميين، مما جعل النزاريين يركزون أكثر على تعزيز مواقعهم في الجبال.

تحت قيادة أبا محمد وثم سنان، استحوذ الحشاشين على عدد من الحصون في الشام، وسجلوا عمليات اغتيال معروفة، بما في ذلك قتل القائد الأعلى والخليفة الفاطمي نفسه. وعلى الرغم من بعض الانتكاسات، فإن تأثيرهم بقي ملموسًا في المنطقة.

ومع دخول القرن الثالث عشر، واجه الحشاشين تحديات أخرى، خاصة مع وصول المغول إلى الشام، حيث تسببت سيطرتهم في انقسام المنطقة وتقليص نفوذ الحشاشين في حلب وغيرها من المدن.

تاريخ الحشاشين في الشام يمثل فصلاً هاماً في تاريخ المنطقة، حيث تلاحقهم الصراعات والمعارك على الحصون، وبالرغم من تحدياتهم، فإن تأثيرهم وإرثهم الثقافي لا يزالان يؤثران في المنطقة حتى اليوم.

اقرأ كذلك: العالم الموسوعي أبو الريحان البيروني .. اختصمت فيه عدة دول إسلامية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات