ذكرى انقلاب عام 1997 في تركيا: تفسيرات متضاربة بين الإسلاميين والعلمانيين
تأثير انقلاب 1997 في تركيا: خطوات التحرك العسكري غير المباشر وتبعاته الدائمة على الساحة السياسية
رغم تعدّد الانقلابات العسكرية في تركيا، يبقى انقلاب 1997 نقطة تحول في تاريخها. فما حدث والتداعيات التي تبعته والتغييرات التي أحدثها، كلها أشكال جعلت منه لحظة فارقة.
وقع الانقلاب في فبراير بتواطؤ مع القصر الجمهوري ضد حكومة ائتلافية شكلها حزب الرفاه الإسلامي وحزب الطريق القويم.
هذا الانقلاب زاد التوتر بين العلمانيين والإسلاميين وقد كاد يؤدي إلى صراعات تهدد السلم الاجتماعي. حيث أظهر بوضوح أن أي شيء متعلق بالإسلام يُعتبر تهديداً لقيم العلمانية التي تقوم عليها تركيا الحديثة.
انقلاب 1997 تركيا: شباط الأسود وتأثيراته
هي ذكرى تحرص التيار الإسلامي والمحافظ على إحيائها. فهي تعتبر أكثر الانقلابات العسكرية تأثيرًا على الحياة السياسية والاجتماعية في المجتمع التركي. تظل أحداثها حية في الذاكرة الجماعية، حيث يصرّ الشعب على الاحتفاظ بتفاصيلها واستخلاص العِبر والدروس منها. لضمان استمرار المسيرة والحفاظ على المكتسبات التي تحققت تحت ظل السلطة المدنية.
بالمقابل، يتجاهلها العلمانيون واليساريون عن قصد. نظرًا للدور المشبوه الذي لعبته أحزابهم والمؤسسات الإعلامية التابعة لهم في تلك الفترة. كانوا الأداة التي استخدمتها المؤسسة العسكرية للنيل من حكومة أربكان المنتخبة، وإثارة الشارع ضدها، وإسقاطها.
انقلاب 1997 تركيا: أربكان رئيسًا للوزراء وكشاهدة على الأحداث والإرهاصات التي كانت بمثابة صفارات إنذار،
أرى أن هناك بعض الأمور التي يتم إغفالها. على سبيل المثال عدم إبراز حجم المعاناة التي واجهها الراحل نجم الدين أربكان في سبيل تشكيل حكومته. وتولي منصب رئيس الوزراء. رغم فوز حزبه الرفاه بالمرتبة الأولى في الانتخابات التي أُجريت عام 1996. لكنها أغلبية لم تمكنه من تشكيل الحكومة منفردًا، ليبدأ مهمة مستحيلة لإقناع الأحزاب الأخرى بالائتلاف مع حزبه.
تعليمات المؤسسة العسكرية لرؤساء هذه الأحزاب برفض التحالف معه كحجر عثرة أمامه. لإجباره على الاعتذار عن عدم تشكيلها، وهو ما كانت المؤسسة العسكرية تنتظره. حتى يتم التخلص من الرجل وحزبه سريعًا في هدوء ودون التدخل الفعلي منها مما قد يؤثر على حالة الاستقرار في البلاد.
حنكة أربكان ومثابرته حققتا له ما بدا في نظر الجميع مستحيلًا. إذ نجح في إقناع تانسو تشيلر بتحالف حزبها الطريق القويم معه. واتفقا على أن يتولى أربكان منصب رئيس الوزراء لمدة عامين. على أن تتولى تشيلر خلالهما منصبَي نائب رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية. وتخلفه بعد ذلك في منصب رئاسة الوزراء العامين التاليين.
الاتفاق الذي مثّل صدمة حقيقية آنذاك لكل من رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية. اللتين اتفقتا على العمل سويًا من أجل إسقاط أربكان، ومعاقبة شريكته تشيلر الابنة المدللة للرئيس سليمان ديميرل. الذي ساعدها بكل قوة لتخلفه في رئاسة حزبه الطريق القويم.
بعد تشكيل الحكومة وتولي أربكان رئاسة الوزراء، بدأ الرجل في ممارسة مهامه دون أن يخفي توجهه الإسلامي. لتبدأ المؤسسة العسكرية في وضعه تحت الرقابة الصارمة، لرصد تحركاته والتنصت على اتصالاته. انتظارًا لفرصة مناسبة للإطاحة به.
انقلاب 1997 تركيا: تشويه صورة أربكان
تعرّض نجم الدين أربكان، رئيس وزراء تركيا في تلك الفترة. لحملة شرسة من التشويه أمام مؤيديه وأنصاره من التيار الإسلامي. تم تصويره بمظهر الخاضع للمؤسسة العسكرية. حيث تم إجباره على التوقيع على اتفاقيات عسكرية متتالية مع إسرائيل والسماح للولايات المتحدة باستخدام قاعدة إنجرليك لضرب العراق. عمل على تعزيز التوجه الإسلامي في البلاد، بزيادة عدد المدارس الإسلامية ودعم تأسيس مدارس تحفيظ القرآن.
قام بمحاولات لربط تركيا بالعالم الإسلامي والتخلص من تقاربها مع الغرب. من خلال تأسيس مجموعة الثمانية الاقتصادية ودعوته لإقامة سوق إسلامية مشتركة. تعرّض لانتقادات شديدة بعد دعوته لموظفي الحكومة للعمل خلال وقت الراحة في رمضان ودعوته للمشايخ للإفطار في مقر الحكومة.
زيارته لطرابلس وتلقيبه بـ”الخائن” من قبل العقيد معمر القذافي أثارت غضب الشعب التركي وزادت من الضغط عليه.
تحولت تلك الحملة الإعلامية والسياسية ضد أربكان إلى تحريض شعبي. حيث بدأت التظاهرات الشعبية تطالب باستقالته وانسحابه من الحياة السياسية. استخدمت وسائل الإعلام العلمانية والفضائيات العلمانية كأداة لتأجيج الشعب ضد أربكان. محاولةً تشويه صورته وتقليل شعبيته.
على الرغم من محاولاته للحفاظ على موقعه السياسي وتحقيق أهدافه الإسلامية. تصاعدت الضغوط عليه حتى أصبحت لا تُحتمل. في النهاية، تم إجباره على التنحي عن منصبه كرئيس وزراء لتركيا. وقد وُضِعَ تحت الإقامة الجبرية ومثل أمام المحكمة بتهمٍ مختلفة.
انتهت فترة حكم أربكان بشكل مفاجئ ومؤلم لمؤيديه، ومع ذلك، استمرت تأثيراته على المشهد السياسي والاجتماعي في تركيا لفترة طويلة بعد ذلك، وظلت حادثة انقلاب 1997 تشكل نقطة تحول في تاريخ البلاد.
انقلاب 1997 تركيا: إرهاصات الانقلاب
قبل وقوع انقلاب 1997 في تركيا، حدثت سلسلة من الأحداث التي أشعلت فتيل التوتر السياسي. في أكتوبر 1996. نظمت جماعة صوفية تظاهرة تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، مظهرة عداءها لمبادئ العلمانية التي أرساها أتاتورك.
في يناير 1997، نظمت بلدية سنجان مسيرة للاحتفال بيوم القدس والتضامن مع الفلسطينيين. مما أثار غضب المؤسسة العسكرية التي رأت في هذه الأحداث فرصة للتدخل.
بعد هذه الأحداث، توجهت الدبابات إلى شوارع سنجان، وأُغلقت الطرق استعدادًا لما يبدو كانقلاب ضد الحكومة المنتخبة. العسكر بدأوا بإطلاق التصريحات التي تدين التيارات الرجعية وتصف الحكومة بالداعمة لها. مما أشعل أجواء الاحتقان في البلاد.
هذه التصريحات لم تكن سوى بداية الأزمة، حيث شهدت تركيا تصاعدًا في التوترات السياسية والاجتماعية. تبع ذلك سلسلة من الإجراءات القمعية من قبل السلطات العسكرية. بما في ذلك حملات اعتقال وتضييق على الحريات العامة والإعلامية.
تزايدت المطالب بتنحي حكومة أربكان، وزادت الضغوط عليه للاستقالة. في النهاية. أجبرت المؤسسة العسكرية أربكان على تقديم استقالته، مما أدي إلى إطاحته بشكل نهائي من السلطة.
انتهى حكم أربكان وسط استياء من جانب الأتراك المؤيدين للعمل الإسلامي. وفتحت تلك الأحداث بابًا لتدخلات الجيش في السياسة في المستقبل.
تلك الخطوات كانت مرحلة أولى في سلسلة من التحركات التي أدت في النهاية إلى انقلاب 1997 في تركيا. من خلال تحريض الشعب والضغط على الحكومة. نجحت المؤسسة العسكرية في تحقيق أهدافها بدون الحاجة إلى تدخل مسلح مباشر.
هذه الأحداث سرعان ما أثارت موجة من الاستياء داخل تركيا وخارجها. مما جعلها واحدة من أكثر الانقلابات تأثيرًا في تاريخ البلاد، ولا تزال آثارها تؤثر على السياسة والمجتمع التركي حتى اليوم.
اقرأ كذلك: نهاية الخلافة العثمانية قبل مئة عام: كيف حدثت؟