حي الشجاعية في غزة .. عسكر فيه نابليون، وتسميته نسبة لكردي
حي الشجاعية في غزة يعتبر مثالًا للقوة البشرية وروح المقاومة. بنسبة الإنجاب القياسية والتاريخ المهم الذي شهدته تلك الأرض، يتجلى تصميم الأهالي على الحفاظ على تراثهم ومستقبلهم. الحي كان مقرًا تاريخيًا للعديد من الفصائل والحركات الفلسطينية، وشهد تضحيات كبيرة وانطلاق العديد من الشخصيات المهمة.
يعد حي الشجاعية واحدًا من أكبر الأحياء في قطاع غزة، ويحتل موقعًا استراتيجيًا كمفتاح شرقي للقطاع. لقد شهد هذا الحي العديد من الصراعات على مر العصور. بدءًا من الحروب الصليبية وانتهاءً بالحرب العالمية الأولى، وصولاً إلى الحروب الإسرائيلية التي شهدها قطاع غزة. بالإضافة إلى ذلك، كان الشجاعية مركزًا حضريًا حيويًا حيث نشأت ونمت العديد من الأحزاب والمنظمات الفلسطينية. مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من تاريخ وثقافة المنطقة.
حي الشجاعية في قطاع غزة: مكان ذو أهمية جغرافية وحياتية
يقع حي الشجاعية شرق قطاع غزة على مساحة تبلغ 14 ألفا و305 دونمات. حيث يمثل الدونم ألف متر مربع. وقد تجاوز عدد سكان الحي 110 آلاف نسمة وفقًا لإحصائيات عام 2015.
يتميز هذا الحي بأنه يحتضن أكبر سوق للملابس والسلع المنزلية في قطاع غزة. المعروف باسم “ساحة الشجاعية”. وكل أسبوع يتم إقامة سوق “الجمعة” في هذا المكان. حيث يأتي تجار المواشي والأغنام بكثرة لتقديم منتجاتهم وسلعهم، مما يضيف للحيوية والتنوع إلى هذا الحي المهم في حياة قطاع غزة.
جذور تاريخية عميقة: تأسيس حي الشجاعية وتسميته
تعود جذور تأسيس حى الشجاعية إلى عهد الأيوبيين، وتحديداً إلى العام 1239 ميلادي. حيث وقعت معركة غزة الكبرى بين الأيوبيين والصليبيين. وقد سُمي الحي نسبةً إلى “شجاع الكردي”. الذي كان جزءًا من هذا الصراع الهام.
حي الشجاعية يتألف من قسمين رئيسيين: حي التركمان في الجنوب. الذي سُمي نسبةً إلى العشائر التركمانية التي استقرت في هذا المكان خلال حكم السلطان الأيوبي الصالح أيوب في القرن الـ13 ميلادي. وحي الأكراد في الشمال، حيث استقر الأكراد في المنطقة، قادمين بشكل خاص من الموصل. وساهموا في تاريخ وتطوير هذا الحي الذي يحمل تراثًا ثقافيًا واجتماعيًا غنيًا.
تلة المنطار ومعاركها: شاهدة على تأريخ حي الشجاعية
تلعب تلة المنطار، التي ترتفع 85 متراً فوق سطح البحر، دورًا حاسمًا في تاريخ حي الشجاعية ومكانتها الاستراتيجية. فقد جعلت هذه التلة الحي موقعًا عسكريًا حيويًا ومفتاحًا أساسيًا لمدينة غزة.
شهدت تلة المنطار عسكرة من قبل قوات نابليون بونابرت وكانت موقعًا حيث قُتل آلاف الجنود الحلفاء أثناء الحرب العالمية الأولى، وتم دفنهم جميعًا في مقبرة في هذه المنطقة.
حي الشجاعية لعب دورًا بارزًا أيضًا في الأحداث التاريخية، حيث شهد معارك هامة خلال عام 1967. وأصبح مكانًا حيويًا لانطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى في عام 1987. وفي أكتوبر 1987. تحول الحي إلى ساحة مواجهات مسلحة بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال. وتم خلال هذه الاشتباكات قتل ضابط إسرائيلي واستشهاد 4 من أعضاء المقاومة. يُعرف هذا اليوم باسم “معركة الشجاعية”. واستمر صمود الحي حتى أجبر الاحتلال الإسرائيلي على الدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني. وهو حدث يشهد على تصميم وإرادة سكان الشجاعية.
المعالم الثقافية والدينية في حى الشجاعية
يُعتبر جامع أحمد بن عثمان، المعروف أيضًا بـ “الجامع الكبير”، واحدًا من أبرز المعالم الدينية في حي الشجاعية. يتواجد هذا الجامع عند مدخل المدينة القديمة ويضم قبرًا يعود لأحد مماليك السلطان برقوق والذي يُعرف باسم “يلخجا”.
إلى جانب الجامع الكبير، يوجد في الحي العديد من المساجد التاريخية الأخرى، منها مسجد “الهواشي”. ومسجد “السيدة رقية”، ومسجد “علي بن مروان”، والتي تمثل معالم دينية هامة في المنطقة.
تتميز حي الشجاعية أيضًا بوجود مقبرتين تاريخيتين:
مقبرة الحرب العالمية الأولى التي تقع إلى الشمال على بعد مسافة ألفي متر من الشجاعية. ومقبرة “التونسي” التي تقع إلى الشرق. وفي الحي يُشاع وجود قبر يُعتقد أنه ينسب إلى الشخص الشهير “شمشون” الجبار. تلك المعالم الثقافية والدينية تضيف طابعًا فريدًا إلى تاريخ حي الشجاعية.
مجازر حي الشجاعيه: تاريخ مأساوي من الاحتلال الإسرائيلي
تاريخ حي الشجاعية في قطاع غزة مليء بمأساوي وجرائم ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي. حيث كان الحى عرضة لسلسلة من المجازر الوحشية. تحول الحي إلى هدف دائم للاجتياحات الإسرائيلية البرية. وكان موقعًا يتعرض للهجمات المتكررة والغارات الجوية القاسية.
في أول من مايو/أيار 2003، ارتكب جيش الاحتلال مجزرة مروعة في حي الشجاعية بعد تسلل قوات إسرائيلية إلى الحى. خلال هذه الهجوم، تصدت المقاومة الفلسطينية للقوات الإسرائيلية، وأوقعت خسائر فادحة بصفوفهم. ورغم الحصار الذي فُرض على المنطقة، فاستمرت المعركة لأكثر من 16 ساعة.
وفي فبراير 2004، شهد الحي مجزرة أخرى أسفرت عن سقوط العديد من الضحايا، بما في ذلك الأطفال والفتيات. ومع مرور الوقت، تعرض الحي لهجمات متكررة خلال عدة حروب إسرائيلية على قطاع غزة. مما ترك آثارًا وخسائر فادحة في حياة السكان وبنيتهم التحتية.
حتى حرب عام 2023 لم تكن استثناءًا، حيث شهد حي الشجاعيه غارات عنيفة ومجازر مروعة. وصفت بأنها “حرب إبادة جماعية”. قامت قوات الاحتلال بقصف العديد من المباني السكنية والبنية التحتية. مما أسفر عن مقتل وإصابة المئات من المدنيين الأبرياء وتدمير منازلهم وممتلكاتهم. مأساة حي الشجاعية تظل تجربة مروعة تشهد على العنف والظلم الذي تعانيه الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
القوة البشرية والتضحيات: حي الشجاعية في فلسطين
حي الشجاعية في فلسطين يشكل مثلاً بارزًا للقوة البشرية وروح المقاومة. حيث تتجلى هذه القوة في نسبة الإنجاب القياسية التي تعد من بين الأعلى في العالم. يبلغ معدل الأسرة الواحدة في الحي ما بين 8 أفراد و16 فردًا، ويستقبل الحي نحو 10 آلاف مولود جديد كل عام. مما يعكس رغبة الأهالي في الحفاظ على تراثهم ومستقبلهم.
حي الشجاعية يحتل كذلك مكانة مهمة في التاريخ الفلسطيني. حيث كان مقرًا تاريخيًا لانطلاقة أغلب الفصائل والحركات الفلسطينية. كان الحي شاهدًا على البدايات الأولى لمنظمة التحرير الفلسطينية، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، بالإضافة إلى دوره الرئيسي كمقر للحركات الإسلامية. بما في ذلك حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
من بين أبناء الحي البارزين قادة كتائب القسام، مثل أحمد الجعبري الذي اغتيل في عملية إسرائيلية. وكان الحي أيضًا موطنًا لشخصيات مثل مريم فرحات الملقبة بـ”خنساء فلسطين” وشاعر الثورة الفلسطينية معين بسيسو. عائلات الحي أيضًا قدمت العديد من التضحيات، سواء بتقديم الشهداء أو المعتقلين. وكانوا دائمًا في الصفوف الأولى في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، مما يظهر تمسكهم بأرضهم وثقافتهم وقضيتهم الوطنية.
اقرأ كذلك : كيف أثرت الحرب على حياتك؟