مدونات

وول ستريت جورنال: ترامب يزعزع النظام العالمي الذي أنشأته أميركا

كيف أدت سياسات ترامب إلى تآكل التحالفات التقليدية للولايات المتحدة وتحويل مكانتها العالمية من قوة خيرية إلى تهديد محتمل للأمن الدولي

وول ستريت جورنال: ترامب يقلب النظام العالمي الذي بنته أميركا رأسا على عقب. أفادت صحيفة وول ستريت جورنال في تقريرها أن احتضان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد دفع حلفاء أميركا التقليديين إلى إعادة تقييم موقفهم من الولايات المتحدة. لم يعد الحلفاء ينظرون إلى أميركا فقط كحليف غير موثوق به، بل أصبحوا يعتبرونها تهديدًا محتملًا لأمنهم. يروي التقرير الذي أعده ياروسلاف تروفيموف كيف أن السياسات التي تبناها ترامب قد ألقت بظلال من الشك على إرث أميركا كقوة عالمية مهيمنة، الأمر الذي غيّر صورة الولايات المتحدة في أعين حلفائها وفي نفوس الخصوم أيضًا.

الولايات المتحدة كقوة خيرية

تاريخيًا، كانت الولايات المتحدة خلال الـ80 عامًا الماضية قوة عالمية مهيمنة تقدم يد العون للعالم وتسعى للسلام والاستقرار. هذا الوضع جذب العديد من الشركاء والحلفاء الذين كانوا راغبين في التعاون مع واشنطن بسبب المبادرات الاستراتيجية التي أطلقتها بعد الحرب العالمية الثانية. هناك نوعان من المبادرات التي ساهمت بشكل كبير في بناء هذا النظام العالمي الذي ساد لعقود.

المبادرة الأولى: مؤتمر بريتون وودز

كانت المبادرة الأولى في عام 1944 عندما تم عقد مؤتمر بريتون وودز الذي قام بتأسيس مبدأ التجارة الحرة والتعريفات الجمركية المنخفضة. هذا المؤتمر كان بمثابة حجر الزاوية للاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية. نتج عن هذا الاتفاق ازدهار اقتصادي غير مسبوق للغرب. هذا النظام التجاري العالمي سمح للعديد من الدول بالاندماج في الاقتصاد العالمي، مما ساعد على تجنب الأزمات المالية الكبرى.

المبادرة الثانية: حلف شمال الأطلسي (الناتو)

أما المبادرة الثانية فكانت تأسيس حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي تم تأسيسه في عام 1949. هذا التحالف كان بمثابة ضمانة للسلام في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. لم يكن الناتو مجرد تحالف عسكري؛ بل كان أيضًا ضمانًا للحرية والديمقراطية في أوروبا. الناتو لعب دورًا محوريًا في الانتصار في الحرب الباردة وفي الحفاظ على السلام في أوروبا لفترة طويلة. الولايات المتحدة كانت في قلب هذا التحالف وكانت تعتبر الركيزة التي لا يمكن الاستغناء عنها.

إعادة تشكيل النظام العالمي تحت قيادة ترامب

ومع وصول ترامب إلى السلطة، بدأت هذه المبادرات العالمية تتعرض لتحديات هائلة. فقد اتخذ ترامب العديد من القرارات التي أضعفت التحالفات التقليدية التي بنتها الولايات المتحدة. واحدة من أبرز هذه القرارات كان تقارب ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في أعقاب هذا التقارب، بدأت أميركا تحت قيادة ترامب تبدو أكثر دعمًا للأنظمة الاستبدادية في العالم، ما أثار قلق الحلفاء التقليديين لأميركا.

الرسوم الجمركية العقابية

من بين السياسات التي أثارت القلق في العالم، كانت الرسوم الجمركية العقابية التي فرضتها إدارة ترامب على العديد من حلفائها، بما في ذلك كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي. هذه الرسوم التي فرضها ترامب كانت بمثابة تصعيد اقتصادي ضد حلفاء أميركا، مما أثر على العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين. وهذا التحول جعل العديد من الدول في العالم ينظرون إلى أميركا كداعم لمصالحها الخاصة، وليس كحليف يمكن الاعتماد عليه.

الانسحاب من الاتفاقيات الدولية

إضافة إلى ذلك، قرر ترامب الانسحاب من العديد من الاتفاقيات الدولية التي كانت تعد جزءًا من النظام العالمي الذي كانت الولايات المتحدة قد ساهمت في تشكيله. من أبرز هذه الاتفاقيات، كان الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، التي كانت تهدف إلى مكافحة التغير المناخي. هذا القرار أثار استنكارًا عالميًا، حيث اعتبرته العديد من الدول بمثابة تراجع من قبل الولايات المتحدة عن التزاماتها الدولية.

إلغاء المساعدات العسكرية لأوكرانيا

أيضًا، في سياق سياسته المثيرة للجدل، قرر ترامب إيقاف المساعدات العسكرية لأوكرانيا. ما جعل العديد من حلفاء أميركا في أوروبا يشعرون بالقلق. كان هذا القرار بمثابة تراجع عن دعم الولايات المتحدة لديمقراطيات الدول التي تتعرض لتهديدات من أنظمة استبدادية، مثل روسيا. هذا التحول في السياسة دفع العديد من الدول الأوروبية إلى البحث عن ردود فعل لمواجهة التحديات الجديدة في ظل غياب الدعم الأميركي المستمر.

الانفتاح على الأنظمة الاستبدادية

ترامب كان أيضًا يظهر إعجابه بالزعماء الاستبداديين مثل بوتين وكيم جونغ أون. هذا الأمر جعل الدول الغربية التي تعتمد على الديمقراطية كنظام سياسي تتساءل عن مكانة الولايات المتحدة في النظام العالمي الذي كانت قد ساهمت في تشكيله. في الوقت نفسه، دعا ترامب إلى إعادة تنظيم جيوسياسي يتضمن المزيد من التفاهم مع الأنظمة الاستبدادية مثل روسيا. وهو ما أثار قلقًا في العديد من العواصم الغربية.

ردود فعل الحلفاء الأوروبيين

نتيجة لهذه السياسات، بدأ حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون يشعرون بقلق متزايد. النائب الكندي إيفان بيكر، في تعليقه على سياسات ترامب، قال: “لقد تغيرت الولايات المتحدة من الوقوف مع الديمقراطيات مثل كندا وفرنسا واليابان، إلى الوقوف مع الدكتاتوريين مثل بوتين. يجب أن يشعر الناس في البلدان الحرة في جميع أنحاء العالم بالقلق الشديد”. هذا التصريح يعكس القلق الذي يشعر به العديد من الحلفاء التقليديين لأميركا في أوروبا وآسيا.

وفي خطاب دراماتيكي، طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتعزيز التسلح في أوروبا. قائلاً إن أوروبا لا يمكنها السماح لواشنطن وموسكو بتحديد مستقبلها. وأكد ماكرون على أن أوروبا بحاجة إلى أن تكون مستعدة لعصر جديد. حيث قد تجد نفسها مضطرة لمواجهة الولايات المتحدة التي لم تعد تقف إلى جانبها.

تحليل السياسات التجارية لترامب

بجانب التغيرات في السياسة الخارجية. كانت السياسة التجارية لترامب أيضًا محورية في تغيير العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها. في ولايته الأولى، اعتقد ترامب أن أميركا كانت ضحية للعديد من الاتفاقات التجارية الدولية التي كانت تستفيد منها الدول الأخرى على حساب الولايات المتحدة. لذلك. تبنى سياسة تقشفية شملت فرض رسوم جمركية على واردات العديد من الدول. هذا التصعيد في الحرب التجارية أثر على الاقتصاد العالمي وأدى إلى تغييرات جذرية في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأخرى.

ترامب وتهديداته لأراضي الدول الأخرى

على الرغم من أن ترامب كان قد أبدى إعجابه بالأنظمة الاستبدادية، فإنه لم يتوقف عند هذا الحد. فقد أطلق أيضًا مطالبات متزايدة بالسيطرة على أراضي دول أخرى. ومن بين هذه المطالبات كانت المطالبة بكندا، وغرينلاند، وقناة بنما، بل وحتى قطاع غزة. هذا التوجه يعكس نزعة إمبريالية سعى ترامب إلى فرضها في سياسته الخارجية، وهو ما جعل العديد من دول العالم تنظر إلى الولايات المتحدة كدولة توسعية تهدد سيادة الدول الأخرى.

التحولات في السياسة العالمية

بينما كانت الولايات المتحدة تعتبر حليفًا رئيسيًا للديمقراطيات الغربية خلال القرن الماضي، فإن سياسات ترامب قد حولت هذه الصورة. وفقًا لوزارة الدفاع السنغافورية، فإن الولايات المتحدة قد تحولت من دولة محررة إلى دولة هدامة. في آسيا. كان لهذه التحولات في السياسة الأميركية تأثير عميق على دول مثل سنغافورة واليابان وكوريا الجنوبية، حيث بدأ الحلفاء الآسيويون في التفكير فيما إذا كان بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة في المستقبل.

التهديدات الجديدة وتحديات الحلفاء الآسيويين

في سياق هذه التحولات. طرح العديد من الحلفاء الآسيويين السؤال الحاسم: هل ستسعى إدارة ترامب إلى تقاسم العالم مع الصين كما فعلت مع روسيا في أوروبا؟ وهل ستقبل الولايات المتحدة بتقسيم العالم بين قوى كبرى مثل روسيا والصين؟ هذا السؤال ظل يحيط بالعلاقات الدولية بعد أن خرجت الولايات المتحدة من العديد من الاتفاقيات الدولية الرئيسية.

وفي هذا السياق. رأى وزير الخارجية الصيني أن بلاده تعتزم تأكيد دورها في العالم على أساس السلام والصداقة. موضحةً أن تعامل ترامب مع حلفائه الأوروبيين لم يكن يتسم بالاحترام والتقدير.

اقرأ كذلك :ترامب يتراجع عن خطاب التهجير: ما الذي جرى؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات