ما بعد الاحتفالات: ما هي التحديات الكبرى التي تواجه سوريا الآن؟
التحديات الكبرى التي تواجه سوريا بعد سقوط نظام الأسد: بين القوى الإقليمية والضغوط الدولية وآفاق العدالة الانتقالية وإعادة الإعمار
ما بعد الاحتفالات: ما هي التحديات الكبرى التي تواجه سوريا الآن؟ مضت سبعة أيام كاملة على انتهاء نظام الأسد وهروبه، وما تبع ذلك من أفراح وقصص وحكايات عن معاناة كثير من أهل سوريا، من التشريد والنزوح إلى السجون والتعذيب. هي قصص يندى لها جبين الإنسانية.
لكن، يجب أن نؤكد أن هذه الأفراح وحدها لن تغير واقع هذا البلد العربي الكبير. لن تقدم حلولًا عاجلة لما يرزح تحته من مشكلات كبيرة وعميقة، ولن تزيل من الطريق العديد من التحديات التي تحتاج إلى تصدي فوري وتعامل سريع. سورية الآن تمر بمرحلة دقيقة تحتاج فيها إلى الحكمة والقيادة السديدة لتجاوز أزماتها المستمرة وتحدياتها الكبرى.
لقد مرّت سوريا بفترة طويلة من الحرب والدمار، وكان هناك العديد من المآسي التي عايشها الشعب السوري في السنوات الأخيرة. فقد تسببت النزاعات والصراعات في فقدان الكثير من الأرواح وتدمير البنية التحتية للبلاد. إلى جانب ذلك، ظلت البلاد تشهد مستويات غير مسبوقة من التشرد والتهجير، حيث أصبح ملايين السوريين في الداخل والخارج يعانون من آثار الحرب. ولكن، ورغم هذه الظروف الصعبة، لا تزال سوريا بحاجة إلى تحديات جديدة للتعامل مع واقعها الراهن، ومن أبرز هذه التحديات نجد:
هوية وسمات قادة النظام الجديد
يعد أحد التحديات الكبرى التي تواجه سوريا في هذه المرحلة هو مسألة هوية وسمات قادتها الجدد. عند النظر إلى خلفياتهم الفكرية والأيديولوجية، نجد أن هناك تشكيكًا واسعًا في العالم الغربي وكذلك في المحيط العربي حول قدرة هؤلاء القادة على قيادة البلاد بشكل مستقر ومتوازن.
عند الحديث عن القادة الجدد، فإن السمات الشخصية وبعض الانتماءات الفكرية تبدو واضحة. فالكثير من هؤلاء القادة يرتبطون بحركات إسلامية معينة أو تنظيمات متطرفة، مثل تنظيم القاعدة أو هيئة تحرير الشام، وهذا يثير مخاوف كبيرة في العالم الغربي والدول العربية، التي تخشى من أن تكرر سوريا تجربة الإسلام السياسي في العالم العربي والإسلامي.
هذه المخاوف تتجسد في تصنيفات جاهزة تضعهم في خانة الإرهاب أو التطرف أو التشدد. أما بالنسبة للاحتلالات الخارجية والدول الغربية، فليس لديهم فقط مخاوف بشأن هذا الواقع، بل لديهم أيضًا حملات دعائية ضخمة لتشويه صورة هؤلاء القادة، استنادًا إلى هوياتهم السياسية والعقائدية، مما يزيد من تعقيد الوضع السياسي في سوريا.
القوى الإقليمية المتضررة
لا تقتصر التحديات على القادة الجدد فقط، بل تمتد أيضًا إلى القوى الإقليمية التي تضررت من سقوط الأسد ونظامه. هذه القوى تتمتع بقدرات وإمكانات كبيرة ولديها أسباب ومبررات قوية لتشويش الوضع في سوريا. هذه القوى قد تشمل دولًا إقليمية مثل تركيا وإيران والسعودية، التي كانت جميعها متورطة بطريقة أو بأخرى في النزاع السوري.
من الواضح أن هذه الدول ليست في وضع يسمح لها بتقبل التغيير في سوريا بسهولة، ولذا سيكون لها دور في محاولة التأثير على نتائج المرحلة المقبلة.
بالنسبة لسوريا الجديدة، ستكون مهمة الحفاظ على علاقات مستقرة مع هذه القوى أمرًا في غاية الأهمية. يتطلب ذلك قدرة على إدارة المصالح والتوازنات بين الدول الإقليمية، بدلًا من مواجهة هذه القوى أو تركها تعمل على حساب المصالح السورية. سوريا تحتاج إلى عزل أي مصادر تشويش قد تضر باستقرارها، وهذه نقطة أساسية في بناء استراتيجية مستقبلية.
تبدل الإدارات الأميركية
إحدى التحديات الأخرى التي لا يمكن إغفالها هي التبدلات المتوقعة في الإدارة الأمريكية. ففي الوقت الحالي، تشهد الولايات المتحدة الأمريكية مرحلة انتقال السلطة بين إدارة الرئيس بايدن وإدارة الرئيس السابق ترامب. كل إدارة تحمل معها نهجًا سياسيًا مختلفًا.
إدارة ترامب، التي لا يزال موقفها غير واضح، قد تكون أكثر تشددًا تجاه سوريا الجديدة. موقف ترامب المعارض يمكن أن يخلق توترات دبلوماسية، خصوصًا إذا كانت مواقفه تتعارض مع مصلحة القيادة السورية الجديدة.
من جهة أخرى، إدارة بايدن المغادرة قد تترك سوريا لمصير مجهول، ولا يبدو أن أمريكا مهتمة بما سيحدث في المنطقة بعد مغادرتها. هناك نوع من اللامبالاة في السياسة الأمريكية الحالية تجاه الشرق الأوسط بشكل عام، ما يجعل سوريا أكثر عرضة لتحديات سياسية ودبلوماسية كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
جمع الفصائل المسلحة
من التحديات الكبيرة التي ستواجه النظام السوري الجديد هو جمع الفصائل المسلحة. قد يعتقد البعض أن هذه المهمة ستكون سهلة في بداية الأمر، لكن الحقيقة أنها ستكون معقدة أكثر مع مرور الوقت. هناك العديد من الفصائل المسلحة التي أصبحت جزءًا من المشهد العسكري السوري، وكل فصيل له مصالحه الخاصة.
في المرحلة الراهنة، قد يكون جمع هذه الفصائل تحت إطار واحد أمرًا ممكنًا، لكن مع تطور الأحداث، سيكون من الصعب على هذه الفصائل أن تتوحد تحت قيادة واحدة. ومع ذلك، المنطق السليم يفترض أن يدخل الجميع في إطار جيش وطني موحد، مما يمنع أي صراع داخلي قد يؤثر على استقرار البلاد في المستقبل.
هذه المسألة ستزداد تعقيدًا مع تقدم الأيام، وظهور مواقف أكثر وضوحًا من القوى المحيطة بسوريا، وطبيعة العلاقات التي ستبنيها هذه القوى مع النظام السوري الجديد. ومن المتوقع أن تحدد هذه العلاقات الكثير من المعالم التي ستشكل المرحلة المقبلة في سوريا.
الاحتياجات المادية الهائلة
تتمثل إحدى التحديات الأكثر خطورة في الوضع الاقتصادي في سوريا. من المتوقع أن النظام السابق قد ترك البلاد في وضع اقتصادي صعب للغاية، مع دين هائل ونقص حاد في الموارد. لم تترك خزائن الدولة السورية أي شيء يمكن الاستفادة منه، مما سيجعل إدارة الوضع الاقتصادي أمرًا بالغ الصعوبة.
النظام الجديد سيكون بحاجة ماسة إلى الدعم المالي الإقليمي والدولي للتمكن من بدء عملية إعادة الإعمار وتحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. ومع ذلك، فإن الدعم الدولي ليس مجانيًا، ويجب على سوريا الجديدة أن تكون مستعدة لدفع الثمن مقابل أي مساعدة تُقدم.
ستحتاج الحكومة السورية الجديدة إلى وضع استراتيجيات مرنة للتعامل مع هذا الوضع، والتخطيط بحذر لتجاوز الأزمات المالية الكبيرة.
العدالة الانتقالية
من المواضيع الحساسة الأخرى التي ستواجه النظام السوري الجديد هو ملف العدالة الانتقالية. فالعديد من السوريين لديهم مطالبات بالعدالة والتعويض بسبب المعاناة التي تعرضوا لها في فترة الحرب.
هذا الملف ليس بالأمر السهل، فهناك العديد من المظالم التي يجب أن يتم التعامل معها بحساسية وشفافية. فكم من المواطنين فقدوا أحبائهم بسبب التعذيب أو الحروب؟ وكم من الناس لا يزالون يبحثون عن حقوقهم المهدورة؟
من أجل التعامل مع هذا الملف، يجب على القيادة السورية الجديدة أن تضع استراتيجيات واضحة وتعمل على منح المواطنين حقهم في الحصول على تعويضات. كما يجب فتح المجال للمطالبة بالحقوق بطرق قانونية وآمنة، مما سيساهم في تعزيز الثقة بين الشعب والدولة.
الاحتلال الإسرائيلي
من المؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي سيكون أكبر التحديات وأهم العقبات التي ستواجه سوريا الجديدة. منذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد، بدأ الاحتلال الإسرائيلي في تكثيف تحركاته على الحدود السورية، محاولًا منع أي تهديد قادم من سوريا.
إسرائيل لا ترغب في رؤية سوريا قوية وقادرة على مواجهة تهديداتها العسكرية. لذلك، يسعى الاحتلال إلى تدمير إمكانيات سوريا العسكرية والاقتصادية لشل قدرتها على التفكير في احتكاك مباشر معها.
لكن التحدي لا يتوقف عند حدود سوريا فقط، بل يمتد ليشمل القضايا الفلسطينية أيضًا. الشعب السوري ينتظر من القيادة الجديدة موقفًا قويًا تجاه فلسطين، خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية وحماية حقوق الفلسطينيين. كما ينتظر المواطن السوري شعورًا بالأمان من أي عدوان إسرائيلي.
من المؤكد أن القيادة السورية الجديدة وداعميها يدركون تمامًا التحديات الكبرى التي تواجههم في المستقبل. ولكن من أجل النجاح، يجب عليهم إشراك جميع السوريين في خططهم لمواجهة هذه الصعوبات. فالتجارب السابقة أظهرت أن طريق النجاح يتطلب جمع الصفوف والنظر إلى المستقبل فقط، والاستفادة من الماضي بدلًا من البكاء على اللبن المسكوب.
اقرأ كذلك :صامدون في المعارك ومترددون في القرارات السياسية