هل تتمكن الثورة السورية من الحفاظ على مكتسباتها؟
التحديات المستقبلية أمام الثورة السورية: كيف يمكن للثوار الحفاظ على مكتسباتهم في ظل تعقيدات المشهد السياسي والعسكري الإقليمي والدولي؟
هل تتمكن الثورة السورية من الحفاظ على مكتسباتها؟ إن نجاح الثوار في سوريا في إسقاط الطاغية بشار الأسد وإنهاء حكمه يُعدّ انتصارًا غير مسبوق للسوريين وللربيع العربي بأسره، الذي تأثر في الكثير من الدول بسبب الثورات المضادة وأدواتها المنتشرة في المنطقة وخارجها. بعد سنوات من القمع والممارسات الوحشية ضد الشعب السوري، كان نجاح الثورة في إسقاط بشار الأسد بمثابة شعاع أمل لكل شعوب المنطقة التي تعاني من أنظمة استبدادية مماثلة. لكن كما هو الحال مع جميع الثورات الكبرى، لا يأتي النجاح بدون تحديات ومخاطر كبيرة. وفي الوقت الذي نحيي فيه هذا الإنجاز التاريخي للشعب السوري، فإنه من الضروري أيضًا إدراك أن التحديات المقبلة قد تكون أكبر من تلك التي تم التغلب عليها في مرحلة إسقاط النظام.
منذ بداية “ردع العدوان” في سوريا، فضّلت الصمت ولم أعلق على الأحداث بشكل علني، وذلك من أجل فهم أعمق للمستجدات المتعلقة بالعملية الأخيرة. رغم متابعتي الجيدة للشأن السوري طوال السنوات الماضية، فإن تعقيد الوضع الحالي – وما زال – دفعني إلى تبني الصمت، الذي يختلط مع القلق حول ما قد يترتب عليه من تبعات. ورغم هذه الحالة من الترقب، فإن الدعاء بتمام النصر هو السبيل الوحيد في الوقت الراهن.
ومع سقوط بشار الأسد، واستيلاء الثوار على دمشق، أصبح من الضروري التطرق إلى مآلات الثورة ومستقبلها، والعمل على فهم كيف سيتم التعامل مع تعقيدات الوضع الداخلي والخارجي الذي يواجه الثوار.
قراءة في المشهد الراهن
من الطبيعي أن يشعر المتابعون بفرحة عارمة بعد سقوط بشار، سواء عند تحرير أسير أو تحرير مدينة أو حتى عودة لاجئ إلى بيته. ولكن، يجب أن نتذكر في الوقت ذاته أنه لا ينبغي قياس نجاح أي ثورة فقط بالإطاحة برأس النظام. فحجم النجاح يتوقف على قدرة الثورة على بسط سيطرتها على الأرض، وتحقيق أهدافها الأساسية، مثل تحييد الأعداء والخصوم، وخلق بديل سياسي واجتماعي قادر على الحفاظ على المكتسبات التي تحققت عبر التضحيات الكبرى. فلا يمكن القول أن الثورة قد نجحت بمجرد أن تم إسقاط رأس النظام.
أسئلة المآلات الحاسمة
في الحديث عن مستقبل سوريا، من الضروري طرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية التي قد تؤثر على مجرى الأحداث. وهذه الأسئلة قد تكون مزعجة، لكنها ضرورية، وتتمثل في:
- كيف نضمن أن تختلف نتائج الحراك السوري عن الثورات التي شهدتها دول الربيع العربي الأخرى أو حتى فلسطين؟ فهل يمكن للثوار السوريين أن ينجحوا في إنشاء دولة ديمقراطية علمانية، منفصلة عن قضايا إقليمية مثل فلسطين؟
- هل سيحافظ الثوار على نهج إسلامي معتدل ومنفتح تقبله إسرائيل وأميركا والغرب؟
- هل هناك تصور واضح لمن سيحل محل بشار الأسد لقيادة المرحلة المقبلة؟
- هل يتوقعون أن يسلم القائد الجديد من عداوة الإيرانيين، الروس، تنظيم الدولة، قسد، إسرائيل، وأميركا؟
- هل سيكتفي الثوار بالسيطرة على الأراضي في المرحلة الأولى، أم سيحتاجون إلى التوسع في مجالات أخرى مثل القوة العسكرية والأمنية؟
- هل سيتخلى المجتمع الدولي عن دعم الثوار في حال استمروا في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في الجولان؟
هذه الأسئلة تنبع من فهم أعمق للتحديات المستقبلية التي ستواجه الثورة السورية في الداخل والخارج. فالتعقيدات الإقليمية والدولية تشكل تهديدًا حقيقيًا لأي محاولة من قبل الثوار لبناء دولة جديدة. فروسيا ترى في سوريا جزءًا أساسيًا من أمنها القومي، حيث تعتمد على وجودها في البحر المتوسط لمواجهة النفوذ الغربي. وكذلك إيران، التي تعتبر خسارة سوريا أكثر من مجرد خسارة إقليمية، بل مسألة استراتيجية حيوية. أما بالنسبة لإسرائيل وأميركا، فينظرون إلى الحراك السوري من زاوية مصالحهم الإستراتيجية، ويعتبرون سوريا دولة حاجزة ومهمة في سياق المعركة ضد خصومهم الإقليميين.
تشابهات ومفارقات مع تجارب الربيع العربي
في دراسة تجارب الربيع العربي الأخرى، نجد الكثير من العبر والدروس التي يمكن أن يتعلمها الثوار السوريون. ففي مصر، مثلًا، كانت الثورة مثالية في لحظتها الأولى، ولكنها فشلت في إنشاء رؤية استراتيجية واضحة للمستقبل بعد سقوط النظام.
وفي تونس، قدمت حركة النهضة تنازلات كبيرة لضمان القبول الدولي والمحلي، لكن الأمر انتهى بهم في النهاية إلى انقلاب دستوري قام به الرئيس الحالي، الذي أودع معظم قيادات الحركة في السجون.
هل سيتكرر نفس السيناريو في سوريا؟ هل سيصطدم الثوار بواقع مرير بعد أن يتنازلوا عن بعض المبادئ التي قامت عليها الثورة؟ وهل سيقبل الإقليم والعالم بنجاح ثوار سوريا في بناء دولة مستقلة؟ وهل سيواجه الثوار مقاومة من القوى التي ستسعى إلى تقويض الثورة كما حدث في ليبيا أو اليمن؟
مركزية الخطر الإسرائيلي
إن الثوار السوريين يجب أن يدركوا أن إسرائيل تمثل عائقًا أساسيًا في أي محاولة لتحقيق الاستقرار في سوريا. لا يمكن أن يكون هناك استقرار طويل الأمد في سوريا في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجولان، ووجود صراع مستمر في غزة وفلسطين. إذ أن الاحتلال الإسرائيلي هو أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى التوترات والصراعات المستمرة في المنطقة، وهو العامل الذي يزيد من التحديات التي تواجه أي حكومة سورية جديدة.
وكما رأينا في الأشهر الأخيرة، فإن إسرائيل لا تتوانى عن ضرب الأهداف السورية بشكل يومي، مما يهدد قدرة الثورة على تحقيق سيادتها الكاملة. رغم ذلك، لم تستهدف إسرائيل في الوقت الراهن قوات “ردع العدوان” أو الثوار، بل على العكس، نرى تحركات إسرائيلية سريعة لاحتلال مزيد من الأراضي السورية بعد دخول الثوار إلى دمشق. وهذا يشير إلى أن إسرائيل قد تتخذ خطوات لتأمين وجودها في الجولان السورية المحتلة.
تحدي “قسد”
تسيطر ميليشيات “قسد” الكردية على نحو ربع مساحة سوريا، تحديدًا في المناطق الغنية بالنفط والغاز. هذه المليشيات تحظى بدعم أميركي وإسرائيلي، وتعمل على تحقيق أهداف إقليمية تتماشى مع مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل. فمن الواضح أن هناك تحركات لتأسيس دولة كردية في شرق سوريا. وهو ما سيؤدي إلى توتر العلاقات مع تركيا. التي ترفض أي محاولة لإنشاء كيان كردي مستقل على حدودها.
ما الحل؟
للحفاظ على مكتسبات الثورة السورية، لا بد من اعتماد إستراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار جميع التعقيدات السياسية. العسكرية، والإقليمية. وتشمل هذه الإستراتيجية النقاط التالية:
- الحفاظ على الفوضى المنظمة: يجب أن يظل الوضع في سوريا متأرجحًا بين الثورة والاستقرار. دون التسرع في العودة إلى الوضع الطبيعي الذي يسعى إليه البعض.
- التصدي لتغول إسرائيل: يجب على الثوار جعل سماء سوريا خطًا أحمر. وعدم السماح لإسرائيل باستهداف الأراضي السورية بحرية.
- التقارب مع روسيا: بالرغم من الجرائم التي ارتكبتها روسيا في سوريا. فإن براغماتيتها قد تتيح فرصة للتفاهم معها بشكل محدود.
- شراكة إستراتيجية مع تركيا: تركيا تمثل ضرورة كبيرة للثوار. فهي يمكن أن تساهم في دعم الثورة سياسيًا وعسكريًا في مواجهة التحديات الإقليمية.
- عدم استعداء إيران وحزب الله: رغم العداء الكبير مع هذه الأطراف. يجب أن يكون التعامل معهم بحذر، والتركيز على الخطر الإسرائيلي والأميركي كأولوية.
إذن، كما يظهر. فإن الثورة السورية تحتاج إلى إستراتيجية طويلة الأمد تأخذ بعين الاعتبار جميع التحديات الداخلية والخارجية.
اقرأ كذلك :سقوط الأسد: من الرابح ومن الخاسر؟