معارك شمال سوريا: بداية مرحلة جديدة لإعادة تشكيل مستقبل البلاد
التحولات الميدانية والسياسية في شمال سوريا: صراع النفوذ الإقليمي والدولي يعيد رسم خارطة المستقبل
معارك شمال سوريا: تحولات تعيد رسم ملامح البلاد .شهد شمال سوريا تطورات ميدانية وسياسية متسارعة خلال الأسابيع الأخيرة. تحمل في طياتها دلالات عميقة على تغير ميزان القوى في المنطقة. هذه الأحداث. التي تجاوزت كونها معارك عسكرية تقليدية. تشير إلى بداية مرحلة جديدة تهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة بما يتماشى مع مصالح الأطراف الفاعلة محليًا وإقليميًا.
تحولات استراتيجية في ميزان القوى
تشير المعطيات على الأرض إلى أن التحولات الأخيرة في الشمال السوري تمثل امتدادًا لحراك إقليمي ودولي واسع. هذا الحراك يهدف إلى إعادة صياغة المشهد السوري بما يخدم المصالح الاستراتيجية للأطراف الكبرى. في هذا السياق. لعبت المصالح الدولية دورًا بارزًا في توجيه مسار الأحداث. حيث تُظهر هذه التحولات تنافسًا محتدمًا بين القوى الكبرى على النفوذ في سوريا.
تقليص النفوذ الإيراني
أظهرت التطورات الأخيرة محاولات حثيثة لإنهاء النفوذ الإيراني في سوريا، وخصوصًا في المناطق الشمالية. القوى الإقليمية والدولية تبدو متفقة على تقليص هذا النفوذ الذي استثمرت فيه طهران ماليًا وعسكريًا لعقود. التصعيد بدأ بعمليات استهدفت شخصيات إيرانية بارزة ومواقع استراتيجية، أبرزها اغتيال الجنرال الإيراني كيومرت بورهاشمي واستهداف القنصلية الإيرانية في حلب.
هذه العمليات تشير إلى أن الهدف الأساسي هو تقويض النفوذ الإيراني، في وقت تواجه فيه طهران تحديات سياسية وعسكرية كبيرة. الضغوط الدولية المتزايدة والعزلة السياسية تجعل خيارات إيران الميدانية محدودة، ما يضعف قدرتها على الحفاظ على مواقعها في سوريا.
توقيت مدروس ورسائل سياسية
التوقيت الذي اختير لبدء العمليات في حلب يحمل إشارات سياسية عميقة. انطلقت الهجمات في وقت تتراجع فيه قدرة حزب الله اللبناني على دعم الحلفاء داخل سوريا، نتيجة للضغوط التي يواجهها في الداخل اللبناني. هذا التراجع أضعف الدعم الإيراني في المنطقة الشمالية، ما سهّل تنفيذ العمليات الأخيرة.
الموقف الروسي الغامض
رغم مرور أكثر من أسبوع على بداية العمليات، فإن الموقف الروسي لا يزال غامضًا. تجنبت موسكو تقديم دعم مباشر للنظام السوري، سواء عسكريًا أو سياسيًا، كما كانت تفعل في السابق. يبدو أن روسيا تتخذ موقف الانتظار لترى كيف ستتطور الأوضاع على الأرض، أو ربما تعكس تحركاتها تفاهمًا ضمنيًا مع تركيا حول إعادة توزيع النفوذ في سوريا.
الموقف الروسي قد يكون مؤشرًا على تغيير في استراتيجيتها تجاه سوريا، حيث تسعى موسكو إلى تحقيق مكاسب أكبر في ظل تنافسها مع الغرب على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط.
التحفظ الأميركي
من جانب آخر. يظهر الموقف الأميركي حذرًا في التعامل مع التطورات الجديدة. لم تصدر واشنطن تصريحات قوية تدين التحركات أو تدعمها. مما يشير إلى رغبتها في مراقبة المشهد عن كثب قبل اتخاذ موقف واضح. في حال غضّ الطرف عن تحركات الفصائل العراقية الموالية لإيران داخل سوريا. فإن ذلك قد يعكس قبولًا ضمنيًا بتمدد قوى المعارضة السنية. أو ربما رغبة في إشعال صراع جديد بين الأطراف الإقليمية لإضعاف الجميع.
المكاسب التركية
تركيا تبدو الرابح الأكبر حتى الآن من العمليات في شمال سوريا. رغم نفيها أي دور مباشر. إلا أن تأثيرها على الفصائل المشاركة واضح. تركيا تمتلك النفوذ الأكبر على معظم الأطراف الفاعلة في المنطقة. مما يعزز دورها كقوة إقليمية رئيسية. استمرار السيطرة الحالية للفصائل المدعومة من أنقرة يمنحها موقعًا تفاوضيًا قويًا في أي تسوية مقبلة.
الخاسرون في المشهد
النظام السوري
النظام السوري يُعتبر من أبرز الخاسرين حتى الآن. عاد إلى حالة الانهيار التي عاشها في عام 2012، حيث تراجعت السيطرة الميدانية وسقطت روايته عن “الانتصار” و”الاستقرار”. هذه التطورات تهدد كل الجهود التي بذلها النظام لإعادة تأهيل صورته دوليًا، خصوصًا تلك المتعلقة بمشاريع التعافي المبكر وإعادة الإعمار.
إيران
إيران تواجه خسائر كبيرة في الشمال السوري، حيث تم تقويض نفوذها الذي استثمرت فيه لسنوات طويلة. الحياد الروسي يزيد من صعوبة الوضع الإيراني، حيث تواجه طهران تحديات كبيرة في إرسال قواتها إلى الشمال السوري دون غطاء جوي. استمرار هذه الوضعية قد يؤدي إلى تكرار السيناريو الذي واجهته بين عامي 2014 و2015، حين اضطرت لطلب التدخل الروسي لإنقاذ النظام السوري من الانهيار.
قوات سوريا الديمقراطية (قسد)
فقدت قوات سوريا الديمقراطية مواقعها في مدينة حلب وتل رفعت. يبدو من الصعب استعادة السيطرة على هذه المناطق في ظل الظروف الحالية. هذه الخسائر تقلل من نفوذ قسد في شمال سوريا وتضعف قدرتها على التأثير في الترتيبات المستقبلية.
إعادة خلط الأوراق
التطورات الأخيرة تعيد خلط الأوراق في المشهد السوري بعد سنوات من الجمود. يبدو أن جميع الأطراف الدولية تستعد لمرحلة جديدة من التفاوض والصراع. الإدارة الأميركية المقبلة، التي قد يشكلها دونالد ترامب في حال فوزه، قد تدفع نحو مزيد من التصعيد ضد إيران.
المشهد السوري الحالي يشير إلى انتهاء مرحلة طويلة من النفوذ الإيراني وبدء مرحلة جديدة تتحكم فيها مصالح تركيا وروسيا بشكل أساسي.
التأثير الإقليمي والدولي
التغيرات في سوريا تحمل آثارًا عميقة على المستويين الإقليمي والدولي. كل الأطراف الرئيسية، بما فيها الولايات المتحدة، تركيا، وروسيا. تسعى لتعزيز نفوذها وإعادة توزيع مناطق السيطرة. هذه التحولات قد تُمهّد الطريق لصفقات كبرى تشمل الشرق الأوسط وأوكرانيا.
ديناميكيات محلية جديدة
استعادة المعارضة السورية لمدينة حلب تمنحها زخمًا جديدًا يعزز دورها التفاوضي. هذا التطور يعيد تشكيل ديناميكيات الصراع في سوريا ويفتح الباب أمام ترتيبات جديدة.
المرحلة المقبلة
الأحداث الحالية تُظهر أن سوريا على أعتاب مرحلة جديدة تقوم على إعادة توزيع مناطق النفوذ بين القوى الكبرى. الترتيبات السياسية والعسكرية المقبلة ستحدد مستقبل البلاد والمنطقة بأكملها.
بهذا الواقع، تبدو حلب ليست سوى البداية في مسار طويل من التفاوض والمعارك. الذي سيعيد تشكيل المشهد السوري ضمن ترتيبات إقليمية ودولية جديدة.
اقرأ كذلك :“كتائب القسام تخترق إسرائيل وتكشف عن معلومات خطيرة وأبرز العمليات”