إسرائيل تعلن عن هجوم واسع على إيران.. هل المنشآت النووية في مرمى الاستهداف؟
التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران.. كيف تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط في تحديد طبيعة الرد الإسرائيلي وما هي الأهداف الاستراتيجية لضرب المنشآت النفطية والغازية الإيرانية وتأثيرها على التحالفات الإقليمية والاقتصادات العالمية؟
تصعيد إيراني وإسرائيلي.. إلى أين تتجه الأوضاع في الشرق الأوسط؟ في ليلة الثلاثاء 1 أكتوبر/ تشرين الأول، قامت إيران بإطلاق وابل من الصواريخ الباليستية على مناطق مختلفة في إسرائيل. هذه الضربة كانت تحمل طابعًا مختلفًا، حيث استخدمت إيران أسلحة أكثر تطورًا مقارنة بالأسلحة التي استخدمتها في الضربات التي وقعت في أبريل/ نيسان الماضي. كان الهدف من هذا التصعيد الإيراني إرسال رسالة واضحة إلى إسرائيل، بأن أي اعتداء جديد على سيادتها سيقابل بتصعيد أكبر وأكثر تأثيرًا من جانبها.
التصعيد الإيراني كان جزءًا من رد على التوترات المتزايدة بين البلدين. إسرائيل كانت قد قامت بعدة عمليات استخباراتية وعسكرية تستهدف منشآت إيرانية وقيادات بارزة، وهو ما دفع طهران للرد بعنف أكبر هذه المرة. في هذا السياق، يأتي الهجوم الإيراني الأخير ليؤكد أن إيران ليست في موقف الضعف، بل لديها القدرة على الرد القوي والمباشر.
في المقابل، الحرس الثوري الإيراني لم يتوانَ عن إطلاق تهديدات شديدة اللهجة موجهة إلى حكومة إسرائيل.في تصريحاته، أكد أن أي رد من جانب إسرائيل سيقابل بردّ مدمر. ومع ذلك، لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موقف الخضوع، حيث أكد خلال اجتماع سياسي-أمني عقب الهجوم الصاروخي الإيراني، أن الضربة “فشلت” من وجهة نظره. وقال نتنياهو إن إيران ستدفع ثمن هذه الهجمات. وأشار إلى أن الجيش الإسرائيلي يستعد لهجوم واسع ضد إيران.
توقعات برد إسرائيلي.. ولكن أين ستقع الضربات؟
في حين أن العديد من المحللين كانوا يتساءلون متى ستقوم إسرائيل بالرد على الهجمات الإيرانية، لم يكن السؤال الأهم هو التوقيت بقدر ما كان أين ستوجه إسرائيل ضرباتها القادمة؟ التوقعات كانت تشير إلى أن الرد الإسرائيلي قادم لا محالة، وأن إسرائيل لن تترك مثل هذا الهجوم يمر دون رد. وبالنظر إلى التوترات المتزايدة، يبدو أن الصراع بين البلدين قد يتسع ليشمل عمليات عسكرية متبادلة على نطاق واسع.
إحدى النقاط الأكثر حساسية في هذا السياق تتعلق بما إذا كانت إسرائيل ستقوم باستهداف **المنشآت النووية الإيرانية، وهو ما سيشكل خطوة كبيرة نحو تصعيد شامل. التوقعات باندلاع حرب واسعة النطاق تزايدت بعد الضربة الإيرانية، وخاصة بعد أن تم التطرق إلى إمكانية رد إسرائيلي قوي.
موقف الولايات المتحدة.. دور محوري في التوفيق بين الأطراف
في الوقت ذاته، يظل الدور الأميركي محوريًا في تحديد طبيعة الصراع بين إسرائيل وإيران. نائب وزير الخارجية الأميركي، كورت كامبل، صرح في 2 أكتوبر/ تشرين الأول بأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستقوم خلال الأيام القليلة المقبلة بمحاولة التوفيق بين وجهات النظر الإسرائيلية حول الرد المحتمل على الهجوم الإيراني. وصف كامبل الوضع في الشرق الأوسط بأنه يمر بـ”لحظة خطرة”، مما يعكس المخاوف الدولية من تحول الوضع إلى صراع عسكري شامل في المنطقة.
لماذا تحاول واشنطن التوفيق بين وجهات النظر؟
التوفيق بين وجهات النظر الأميركية والإسرائيلية في هذا الصدد يحمل أهمية كبيرة، حيث تعتمد إسرائيل بشكل كبير على الدعم العسكري والسياسي الأميركي. لذلك، تسعى الإدارة الأميركية إلى التأكد من أن الرد الإسرائيلي سيكون مدروسًا ويتناسب مع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. واشنطن ترغب في رد يكون كافيًا لردع إيران، ولكنه في الوقت ذاته لا يؤدي إلى توسيع الصراع وتحوله إلى حرب إقليمية كبيرة.
القوة العسكرية الإسرائيلية.. استعداد للهجوم ولكن بتوجيهات أميركية
من المهم أن نفهم أن نتنياهو يدرك تمامًا أن قدرات إسرائيل العسكرية تعتمد على الدعم الأميركي. عندما ظهر في الصورة التي نشرها موجهًا تهديداته إلى إيران، كانت خلفه طائرات “إف-35″، وهي إشارة واضحة إلى أن القوة العسكرية الإسرائيلية متصلة مباشرة بالدعم الأميركي. هذا الظهور الإعلامي كان يهدف إلى إرسال رسالة إلى إيران مفادها أن إسرائيل ستتصرف بناءً على التوجيهات الأميركية، وأن الرد الإسرائيلي سيكون محسوبًا بدقة لتجنب تصعيد أكبر لا يمكن السيطرة عليه.
هل ستكون المفاعلات النووية الإيرانية هدفًا؟
الحديث عن توجيه ضربات إلى المفاعلات النووية الإيرانية ليس جديدًا. العديد من المحللين أشاروا في كتاباتهم إلى أن إسرائيل قد تقوم بشن هجمات متتالية على المنشآت النووية الإيرانية. هذا السيناريو مبني على تقارير سابقة تعود لعام 2012. حيث كانت هناك دعوات من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، بنيامين نتنياهو، للرئيس الأميركي بالموافقة على توجيه ضربات محددة لتعطيل قدرة إيران على إنتاج قنبلة نووية.
لكن الأوضاع الآن مختلفة تمامًا. الوضع السياسي والعسكري الحالي لا يسمح لإسرائيل باتخاذ مثل هذا القرار بمفردها. ليس بسبب عدم القدرة العسكرية، بل لأن أي مغامرة غير محسوبة مع إيران قد تؤدي إلى ردود فعل صاروخية ضخمة من جانب طهران. والتي باتت تمتلك الآن صواريخ باليستية أسرع من الصوت مثل “فاتح 1”.
استهداف المنشآت النفطية والغازية.. سيناريو محتمل
في حين قد تكون المفاعلات النووية الإيرانية ضمن قائمة الأهداف المحتملة، إلا أن المنشآت النفطية ومصافي الغاز الإيرانية تبدو أهدافًا أكثر واقعية في الوقت الحالي. التقارير التي صدرت بعد الهجمات الإيرانية أشارت إلى أن الضربة الإسرائيلية القادمة قد تستهدف تلك المنشآت الحيوية بدلاً من المفاعلات النووية. هذا السيناريو يفتح شهية الولايات المتحدة، التي بدأت بالفعل التنسيق الجدي مع إسرائيل حول إمكانية توجيه ضربات لمنشآت النفط والغاز. والتي تعتبر مصدر التمويل الرئيسي لإيران ووكلائها في المنطقة.
الاقتصاد الإيراني تحت الضغط
الاقتصاد الإيراني يعتمد بشكل كبير على تصدير النفط والغاز. وبدون تلك الموارد المالية، ستكون إيران في وضع اقتصادي صعب. الولايات المتحدة تدرك هذه الحقيقة. وتسعى إلى استهداف مصادر التمويل الإيرانية الرئيسية. في مايو/ أيار الماضي، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية وثيقة تحذيرية للمؤسسات المالية حول العالم، تطالب فيها بالكشف عن أي معاملات مشبوهة تتعلق بالمنظمات الإرهابية المدعومة من إيران. الوثيقة كانت تهدف إلى تعقب الأنشطة المالية غير القانونية المرتبطة بإيران. وخاصة في ظل تورطها في تمويل الإرهاب في العراق وسوريا.
التحالفات الإيرانية والروسية.. استراتيجيات مشتركة
تعتبر إيران لاعبًا رئيسيًا في التحالفات الدولية والإقليمية. حيث تمثل نقطة ارتكاز لعدة قوى مثل روسيا والصين. التحالف الروسي-الإيراني يظهر بشكل جلي في التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين. في الآونة الأخيرة، أعلنت طهران عن عزمها استيراد الغاز من روسيا، رغم أنها تعتبر واحدة من أكبر منتجي الغاز في العالم. هذه الخطوة كانت صادمة للكثيرين، ولكنها توضح مدى التنسيق المتزايد بين موسكو وطهران. حيث تستخدم إيران هذا التحالف كوسيلة لدعم روسيا في مواجهة العقوبات الغربية.
الأهداف الأميركية.. ضرب التحالفات والاقتصادات المنافسة
لا يقتصر الهدف الأميركي على إضعاف الاقتصاد الإيراني فقط. بل يتعدى ذلك إلى محاولة ضرب التحالفات الدولية التي تشكل تهديدًا لمصالحها. الصين. الحليف الاقتصادي الرئيسي لإيران. تعتبر هدفًا استراتيجيًا للولايات المتحدة. إذ ترتبط بكين وطهران باتفاقية شراكة استراتيجية شاملة وقعتها الدولتان في عام 2022، تمتد لربع قرن، والتي تسمح للصين بالاستفادة من الموارد النفطية الإيرانية. وبالتالي، ضرب المنشآت النفطية الإيرانية سيؤثر سلبًا على الاقتصاد الصيني أيضًا، مما يجعل هذه الضربة ذات أبعاد استراتيجية متعددة.
الخلاصة.. ضربة إسرائيلية تحت الشروط الأميركية
إسرائيل بحاجة ماسة إلى توجيه ضربة لإعادة بناء معادلة الردع مع إيران. لكن في نفس الوقت، الولايات المتحدة تسعى إلى استخدام هذه الضربة لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. واشنطن ترغب في إضعاف التحالف الإيراني-الروسي والصيني وتوجيه ضربة اقتصادية استراتيجية لأعدائها. لذلك، من المتوقع أن تكون الضربة الإسرائيلية مشروطة بالتوجيهات الأميركية، بحيث تحقق الأهداف المرجوة دون أن تؤدي إلى تصعيد غير محسوب يحول الصراع إلى حرب شاملة.
نهاية مفتوحة.. هل سنشهد تصعيدًا أكبر؟
يبقى السؤال الكبير الآن: هل ستكون الضربة الإسرائيلية كافية لردع إيران؟ أم أن التصعيد سيتسع ليشمل حربًا إقليمية واسعة؟
اقرأ كذلك :صحيفتان غربيتان: كيفية اختراق إيران لأفضل أنظمة الدفاع الجوي في العالم