بيرقدار والمهاجر: تشكيلات تركيا وإيران ترسم معالم القرن الأفريقي

بيرقدار والمهاجر: تشكيلات تركيا وإيران ترسم معالم القرن الأفريقي .. في صباح يوم 13 سبتمبر/أيلول 2022، في مدينة مقلي، عاصمة إقليم تيغراي بإثيوبيا. انقطع البث التلفزيوني لقناة “ديمتسي ويان” بعد هجوم مفاجئ من الجيش الفيدرالي. والذي استخدم طائرات مُسيَّرة. تأتي هذه الهجمات في سياق تصاعد الصراع الأهلي الذي اندلع في أواخر عام 2021 بين القوات التيغرانية والحكومة الفيدرالية في أديس أبابا.

تعد القوات التيغرانية شريكًا أساسيًا في الحكم والجيش منذ عقود. إلا أن تولي آبي أحمد رئاسة الحكومة في عام 2018 أدى إلى تصاعد الصراع. وتحول القوات التيغرانية إلى معارضين. مع استخدام الطائرات المُسيَّرة والدعم الخارجي. تغير مسار المعارك لصالح الحكومة في أديس أبابا. مما دفع زعيم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى إرسال رسالة للأمم المتحدة بالتنازل عن المشاركة العسكرية في العاصمة والانسحاب لحماية القوات والشعب.

بيرقدار – دور الطائرات المُسيَّرة في الصراعات العسكرية بالقرن الأفريقي

الطائرات المُسيَّرة، ذات يوم حِكر للقوى العسكرية الكُبرى، تجاوزت تلك الحدود في السنوات الأخيرة. تقدّم التكنولوجيا واستخدام الذكاء الاصطناعي زاد من أهمية هذه الأسلحة في مختلف الصراعات. في ليبيا، ساعدت في إنقاذ الحكومة الليبية بمعركة طرابلس. وفي حرب أذربيجان وأرمينيا، والنزاع بين روسيا وأوكرانيا. وعملية طوفان الأقصى في فلسطين، شهدنا دوراً حاسماً للمُسيَّرات.

في قرن أفريقيا، منطقة استراتيجية، تشهد تنافس دولي وإقليمي على النفوذ. بينما تسعى الأطراف المحلية لتحقيق ميدانية. تتفاعل قوى إقليمية ودولية مثل إيران وتركيا. استخدام المُسيَّرات لتحقيق أهدافها في صراعات القرن الأفريقي.

بيرقدار – الطائرات المُسيَّرة تغيِّر مسار الصراع في إثيوبيا

في صباح يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 2023، أقيم حفل تكريم لرئيس الوزراء الإثيوبي “آبي أحمد” ورئيس أركان جيشه “بيرهانو جولا” لتكريم المهندس التركي “خلوق بيرقدار” من شركة بيرقدار لدورها في تطوير القوات الجوية الإثيوبية في احتفالية بمناسبة مرور 88 عاما على تأسيس القوات الجوية.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، كانت قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تتفوق عسكريًا في الحرب مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي وحلفائه. لكن تحول الصراع بعد دخول المُسيَّرات العالية التقنية، بما في ذلك بيرقدار. أدى إلى تغيير مسار الحرب وتقدم قوات آبي أحمد في القتال.

بعد توصل الأطراف لاتفاق سلام في بريتوريا بجنوب أفريقيا، ووقف القتال بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والجيش الإثيوبي. استمر الصراع بين الطرفين بعد رفض حلفاء آبي أحمد للاتفاق. مع استمرار دور المُسيَّرات في شكل محوري في سياق هذا الصراع المعقَّد.

تصاعد التوتر بين إثيوبيا وأرض الصومال

علاقة أسمرا وأديس أبابا تصل إلى توتر ذروته بعد تصريح آبي أحمد بضرورة وصول إثيوبيا إلى المياه الدافئة. مما أثار غضب إريتريا. معززًا بذلك التوتر مع توقيع مذكرة التفاهم مع رئيس إقليم أرض الصومال لمنح إثيوبيا منفذا بحريا لمدة 50 عامًا.

في يناير الماضي، استلم الجيش الإثيوبي شحنة من المُسيَّرات الإيرانية “المهاجر 6″، دون الكشف عن المصدر، وسط أزمة اقتصادية تواجه إثيوبيا، مما أثر على تصنيفها الائتماني. تصاعد التوتر بين الدول، وبيرقدار يتدخل مجددًا لتسوية الصراعات بين هذه الأطراف.

تسليح الجيش السوداني في حرب السودان

قاعدة “وادي سيدنا” في الخرطوم شهدت استلام شحنات من المُسيَّرات الإيرانية المقاتلة “المهاجر 6″، تحديدًا في بداية هذا العام، وفقًا لتقارير وكالة بلومبرغ ومصادر سابقة. يُعتبر هذا النوع من المُسيَّرات ذو كفاءة مجرَّبة في ميادين القتال، وهو مستخدم بنجاح في العديد من الصراعات مثل الصراع الدائر في اليمن وحرب أوكرانيا. تقوم “المهاجر 6” بمهام متنوعة تشمل الهجمات الجو-أرض، والحرب الإلكترونية، والاستطلاع والتصوير.

استخدام المُسيَّرات في الصراع السوداني بين الجيش وقوات الدعم السريع ترجم إلى تحولات عملياتية هامة، حيث أعلن الجيش السوداني تغيير استراتيجيته العسكرية من الدفاع إلى الهجوم. يعد دخول “المهاجر 6” إلى الترسانة الجوية للجيش السوداني خطوة تعزز قدراته في الميدان وتؤكد تحولًا جديدًا في الاستراتيجية العسكرية للبلاد.

**التواجد الجيوسياسي لإيران وتركيا في أفريقيا**

تاريخيًا، لعبت إيران وتركيا دورًا مهمًا في توسيع نفوذهما في أفريقيا. تركزت جهود إيران على تعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، خاصة خلال حكم “أحمدي نجاد” بين 2005 و2013، وتركيزت على استرداد تلك العلاقات بعد تولي “رئيسي” السلطة. أما تركيا، فقد أبرزت دورها بوضعها مبادئًا توجه سياساتها في أفريقيا وتعزيز العلاقات العسكرية والتنموية.

بدأت “المُسيَّرات بيرقدار” بالمشاركة في العمليات العسكرية في الصومال، مما يظهر التفاعل الاستراتيجي بين تركيا ودول القرن الأفريقي. تعززت العلاقات الثنائية بين تركيا والسودان بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية، وهو ما يعكس التحديث المُلحوظ في السياسة الخارجية التركية.

من الواضح أن التواجد الجيوسياسي لكل من إيران وتركيا في أفريقيا يعكس تحولات هامة في المشهد الدولي والسياسي للقارة، مع تركيز متزايد على تعزيز العلاقات وتعميق التعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك الأمن والتنمية.

تأثير توسُّع تركيا وإيران في أفريقيا: تحديات وإمكانيات

تعتبر أفريقيا ممرًا استراتيجيًا يُمكِّن تركيا وإيران من كسر الهيمنة الغربية واستخدام التأثير السياسي لدى دول القارة في المنظمات الدولية، خاصة إيران التي تواجه غالبًا العزلة الدبلوماسية. اقتصاديًا، تركز طهران على تجاوز العقوبات الأمريكية وزيادة صادراتها إلى أفريقيا، مع تطلعها للاستثمار في القطاعات الطبيعية كاليورانيوم، بينما تهدف تركيا لتعزيز وارداتها من الغاز الطبيعي.

مع ذلك، يواجه توسع البلدين في أفريقيا تحديات محورية، سواء على المستوى الداخلي مع ضرورة الاستقرار السياسي. أو على الصعيدين الخارجي والدولي مع تضارب المصالح مع قوى دولية أخرى. يُشير النجاح في دبلوماسية المُسيَّرات لتركيا وإيران إلى احتمالية زيادة التدخلات الإقليمية والدولية في القارة. مما يزيد من التوترات في منطقة تعدّ واحدة من أكثر المناطق تعقيدًا وحرارة في العالم.

اقرأ كذلك: ما هو معنى التوافق بين الحكومة والمعارضة في تركيا بشأن قضية اللاجئين السوريين؟