شيخ الإسلام ابن تيمية الذي مات عازباً ؟َ!
ابن تيمية ذلك الشيخ العالم الذي لا تكاد تقرا فتوى أو مرجع إلا وفيه استدلال بأقوال ابن تيمية ظلمه بعض محبيه باستدلالاتهم الخاطئة وإسقاط فتاواه في غير محلها زمانا ومكانا وظلمه شانئيه قديما وحديثا بفهمهم الخاطئ ابن تيمية لم يترك مجالا في علوم الشريعة إلا وخاض في بحره فإذا تكلم في فن من فنون الشريعة أحسست أنه حامل لواء ذلك الفن فبرع في شتى علوم الشريعه إضافة للمنطق والفلسفة.
شيخ الإسلام تقي الدين أحمد ابن تيمية ، من أبرز علماء المسلمين بين القرنين السابع والثامن الهجري. عرف بعلمه ومعرفته الواسعة بالشريعة والعربية ، وتنوع علمه الفكري والنقدي. كما سادت في عصره تصنيفاته في العلوم المختلفة.
اشتهر بشجاعته في الصدع بما يؤمن به. حمل السلاح في وجه التتار وناظر خصومه حتى عاداه ارباب الفرق والملل ، كما أنبوا حكام وسلاطين عصره عليه. فسجن عدة مرات كان آخرها عام 728/1328 هـ.
الولادة والنشأة
ولد شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية في 10 ربيع الأول 661/1263. في مدينة حران الواقعة في ما يعرف اليوم بجنوب تركيا. وقد اضرت عائلته للنزوح من هذه المنطقة الى الشام هربا من هجمات التتار عام 667 هـ. حيث سلب التتار الأمن والسلام والاستقرار. في البلاد التي دخلوها.
نشأ ابن تيمية في ظل أسرة مهتمة بالعلم والسياسة. لأن والده شهاب الدين عبد الحليم كان من مشاهير علماء حران. وبمجرد دخوله دمشق ذاع فضله واشتهر أمره . وكان له منبر لإلقاء المحاضرات والخطب في مسجده الكبير ، وتولى كذلك مشيخة دار الحديث السكرية.
وكما قال الإمام شمس الدين الذهبي (ت: 748 هـ) في ذيل تاريخ الإسلام ، فإن نسبه يعود إلى جده الأكبر محمد بن الخضر. وقد روى تلميذ شيخ الإسلام محمد بن عبد الهادي و الذي يعد كذلك كاتب أوسع سيرة له. أن جده هذا كان في طريقه إلى الحج وله امرأة حامل، فرآى في تيماء طفلة، فلما عاد إلى حران وجد امرأته قد ولدت بنتا، فلما رآها قال: يا تيمية، يا تيمية! فلقب بذلك وسرى هذا اللقب في نسله.
كذلك يصف الذهبي ، الباحث والمؤرخ المعاصر لابن تيمية ، الشيخ عبد الحليم بأنه حاكم وشيخ حران ، مشيرًا إلى أنه أبدى اهتمامًا خاصًا بالسياسة والحياة العامة.
كان فقيهاً حنبلياً ومحدثاً وعالماً وعارفاً باللغة العربية ، معروفًا من جده مقرّر الدين أبو البركات عبد السلام ، من أعيان عائلته غير والده ، وعمته ست الدار بنت عبد السلام، وكان ابن أخيها أحمد بن عبد الحليم قد قرأ عليها شيئا من العلم. وأخوه شرف الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الحليم.
كانت والدته ، ست النعم بنت عبدالرحمن الحرانية ، لها فضل كبير وعظيم عليه، حيث نذرته في سن مبكرة لخدمة العلم وتحصيله. وقد تركت في نفسه أبلغ الأثر بسبب حدبها وعطفها عليه. وتدل على ذلك الرسائل التي كان يرسلها إليها في أثناء مقامه بمصر بين عامي 705 و712 هـ.
اشتهر ابن تيمية في شبابه بقوة حفظه وقدرة ذاكرته وسرعة حدسه. أحد تلامذته ، الحافظ البزار ، يقول عنه إنه “كان متحمسًا للسعي والاجتهاد والمثابرة منذ الصغر”.
وروي عن تقي الدين أنه كلما ذهب الصبي إلى الكتاب للدراسة ، كان يهودي يعيش في طريقه يقابله ويطرح عليه بعض المسائل ويجيب عليها في الحال ، ولم يكن يكتفي بالإجابة، بل كان يجتهد في إقناع اليهودي ببطلان عقيدته ، حتى سرعان ما اعتنق اليهودي الإسلام على يديه.
الدراسة والتعليم العلمي
كان لنشأة ابن تيمية في دمشق – موطنهم كما وصفها العالم وكاتب السيرة محمد أبو زهرة – تأثير كبير في تكوينه العلمي. حيث كانت هناك مدارس المذاهب الفقهية الحنفي والشافعي والحنبلي ، كذلك كبار علماء عصره. حيث كان عز بن عبد السلام. (ت: 660 هـ) والنووي (ت: 676 هـ) وابن دقيق العيد (ت: 702 هـ) وغيرهم مع دوائرهم وطلابهم الذين علموهم الفقه. فيوازنون بين وجهات نظرهم التي هو مجموع فقه وقد نتج عنه نتاج كبير من التصنيف الموسوعي المعروف باسم الفقه المقارن ،ككتاب المجموع في الفقه الشافعي للنووي، والمغني في الفقه الحنبلي لابن قدامة (ت: 620هـ).
وكانوا يدرسون الحديث بجانب الفقه مما أغنى المكتبة المتخصصة بأحاديث الأحكام. وقد كانت مجالس العقائد والمنطق والفلسفة قائمة لمن أمّها من الطلاب، الأمر الذي جعل من دمشق المدينة الموائمة لمواهب الطفل الموصوف بالذكاء والشغف العلمي، أحمد بن تيمية.
تحقق لابن تيمية بهذين العاملين -ملازمة أبيه، ونشأته في دمشق- ما كان يصبو إليه طلاب العلم ومحبوه، فقرأ القرآن صغيرا على أبيه وسمع منه ومن غيره دواوين الحديث الكبرى، كمسند ابن حنبل وصحيحي البخاري ومسلم، وسنن أبي داود والنسائي وابن ماجه وغيرها، وقد روي أنه حفظ كتاب الجمع بين الصحيحين للحُميدي وهو صغير لم يبلغ الحلم.
ولما كانت أسرة ابن تيمية عريقة في فقه الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ). فقد أولى شيخ الإسلام – كما عُرف فيما بعد – اهتمامًا خاصًا بمذهب الفقه الحنبلي ودراسته وتدريسه.
ابن تيمية واللغة العربية
لم يقتصر تصميم ابن تيمية على العلوم الدينية. بل كان شغوفًا باللغة العربية حتى اشتهر بمخالفته النقدية لبعض استنتاجات سيبويه (ت 180 هـ) . وكذلك بسبب الغوص العميق في المنطق والفلسفة ، وليس أدل على ذلك من نتاجه العلمي الخاص بهذين الفنين، ككتاب “نقض المنطق” وكتاب “الرد على المنطقيين”، وغيرهما من الرسائل في الرد على الفلاسفة وتفنيد حججهم وآرائهم.
ووصفه الإمام الذهبي بأنه “جوهر الزمن ومحيط العلوم ، ولم يصل أحد في زمانه إلى مستواه”. ومما اشتهر في عصره أن “كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث”، وقال عنه الزملكاني “لم أرَ منذ 500 سنة أحفظ منه”.
يذكر ابن عبد الهادي (ت: 744) في العقود الدرية أن ابن تيمية كان لا يلوي إلى غير المطالعة فلا تروى نفسه منها، ولا تمل من الاشتغال (بالعلم) ولا تكل من البحث. ولهذا السبب ولغيره كالجهاد الذي شغله سنوات طويلة، والسجن الذي دخله عددا من المرات، وللهم الذي شغله طوال عمره، لم يتزوج ابن تيمية ولم يتسرّ، أي: لم يتخذ سرية من الإماء.
الخبرة العلمية والسياسية
يتفق مترجمو سيرة ابن تيمية على أن أهم عوامل موسوعته هي ذكاءه الشديد وشغفه الكبير بالعلم والتعلم. لهذا السبب ، أفتى وهو في التاسعة عشرة من عمره ،وألف وصنف قبل بلوغه العشرين . وتلقى دروسًا في الجامع الكبير بدمشق بعد وفاة والده عن عمر يناهز الثانية والعشرين.
ألقيت محاضرته الأولى في محرم 2 ، 683 هـ. وحضرها مجموعة من الشخصيات والعلماء الدمشقيين الذين شهدوا تعيينه مفتيًا وخطيبًا ومعلمًا. في نفس العام بدأ تفسير القرآن على منبر خاص بعد صلاة الجمعة في الجامع الكبير بدمشق في صفر واستمر هذا المقرر لسنوات عديدة.
لاقت محاضراته صدى لدى العلماء والجمهور ولفتت الانتباه إليه ، وانقسم الناس بشأنه إلى محبين شايعوه وأيدوه، وآخرين قاوموه وفارقوه، بل من هذا الفريق من كفّره، وبين هؤلاء وأولئك كانت طائفة ثالثة ترى فيه مجتهدا يخطئ ويصيب.
ووصفه الذهبي بأنه “إنه بشر من البشر، تعتريه حدة في البحث، وغضب وصدمة للخصوم، تزرع له عداوة في النفوس”.
ما يصفه الذهبي هو حقيقة لوّنت الحياة العملية لابن تيمية منذ اليوم الأول الذي أجاب فيه على أسئلة الناس واحتياجاتهم من المعلومات.
ولما سأله أهل حماة عن الصفات التي وصفها الله تعالى لنفسه في القرآن أجابهم بـ “الرسالة الحموية” على الطريقة الحنبليّة ومخالفة لمنهج الأشاعرة. والذي كان عليه معظم أهل دمشق ، فأثار ذلك غضبهم. فنقلوا شكواهم إلى القضاة والحكام، طالبين منهم إجابة ابن تيمية ، وتغيير رأيه إلى رأيهم.
جاءت معظم أعماله استجابة للوقائع التي تحدث في بيئته العلمية والاجتماعية. ولذلك نُسبت رسائله إلى البلدان التي سأله فيها شعبه أسئلة حول العلوم أو السياسة أو المجتمع. وكان لهذا الموضوع تأثير على محن ابن تيمية لاتصاله المباشر مع مع من له علاقة أو صلة بالسلطان.
في عام 699 هـ ، جاء التتار إلى باب الشام وهزموا جنود الناصر بن قلاوون (741 هـ) وتولى جيشه. وفر العديد من وجهاء دمشق إلى مصر ، ولم يبق في المدينة إلا ابن تيمية مع عدد قليل من أصدقائه. واتفقوا على ضبط الأمور في داخل المدينة.
وتوجه على رأس وفد منهم ليخاطب ملك التتار أن يوقف دخول دمشق ، فأجاب الملك. واستمر ابن تيمية في دعوة السلاطين والأعيان والناس إلى الجهاد لمدة عام كامل حتى حشدوا لمواجهة التتار الذين اختاروا التراجع والتخلي عن المواجهة ثم وقعت معركة الشقب في رمضان 702 هـ . وقاتل ابن تيمية واستفز العسكر والشعب حتى انتصر.
كان لهذا الحدث أثر كبير في تعظيم ابن تيمية في نفوس الناس. مما جعله ملكًا غير متوج ومستشارًا موثوقًا ومرجعًا موثوقًا للحاكم والمحكوم.
وكان لاتصاله المباشر بزعماء الطوائف والجماعات مثل الشيعة والاتحادية والحلولية أثر في تحريض أصحاب الفرق ضده. كما أن الموقف الذي حققه بالوقوف ضد التتار حشد الرأي العام. وسُجن عدة مرات بسبب غضب الغاضبين وغيرتهم. أولها كان في مصر عام 705 هـ حيث مكث هناك لمدة عام كامل.
عاد إلى السجن عام 707 هـ بعد مشادة مع الصوفيين. لكنه لم يمكث هناك سوى بضعة أشهر. ثم تم نفيه إلى الإسكندرية لتخفيف حدة الخلاف بينه وبينهم.
وبعد عودته إلى دمشق عاد إلى الفتاوى والتدريس والبحث ، وأخذ نظره إلى فتوى تسببت في معاناته مرة أخرى على يد خصومه. وكان قد أفتى بأن الحلف بالطلاق لا يقع به طلاق، وأنه يختلف عن تعليق الطلاق الذي قصد به وقوع الطلاق عند وقوع الأمر المعلق عليه.
وهذه مسألة عارض فيها أئمة المذاهب الأربعة فأصدر السلطان ، أمره بتجنيبه الفتوى التي لم يمتثل لهذا القرار ابن تيمية .. وأصدر فتوى. فأمر بسجنه عام 720 وقضى سنة أخرى خلف القضبان في سجن القلعة بدمشق.
وسجن القلعة هذا هو السجن الذي شهد نهاية ابن تيمية بين جدرانه. حيث إن خصومه ما فتئوا يبحثون في أمر يحدّ من نفوذه المعنوي بين الناس وأثره الكبير على العامة. فكان أن حرّكوا الأمراء من جديد في فتوى كان قد أفتاها سنة 709هـ (أي قبل 17 سنة من تاريخ ذلك التأليب). فأدخل السجن سنة 726هـ ومنع من الكتابة والقراءة حتى توفاه الله سنة 728هـ.
المؤلفات و الإنجازات
تمتد أعمال ابن تيمية إلى أكثر من 300 عنوان ، بما في ذلك الحروف القصيرة والنصوص المختصرة والمجلدات الكبيرة.
ومن أوائل مؤلفاته المؤثرة كتاب “الصارم المسلول على شاتم الرسول”، ألفه في دمشق سنة 693هـ، وذلك بعد حادثة وقعت من قبل أحد أصحاب النفوذ الذين أجازوا كتابيا شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك ألف في هذه الفترة “الرسالة الحموية الكبرى” في مسألة الصفات، وكذلك “العقيدة الواسطية”، وله كذلك “الفتاوى المصرية”، وكان قد صنفه في الفترة التي قضاها في مصر بعد 705هـ، و”الشرح على العقيدة الأصفهانية”، و”الرد على المنطقيين”، و”السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية”.
ومن بين أهم وأعظم كتبه “الجواب الصحيح لمن حولوا دين المسيح” في 7 مجلدات ، و “منهاج السنة” في 9 مجلدات. و “درء تعارض العقل والنقل” في 11 مجلدًا كبيرًا.
أما كتابه الكبير “مجموعة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية” فليس من تصنيفه. بل جمعه عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي (ت: 1392 هـ) وهو من مشايخ نجد. كان مهتمًا بإرث ابن تيمية. و الكتاب نُشر في 37 مجلداً ، عبارة عن مجموعة من فتاوى ورسائل الشيخ ، ويحتوي على بعض كتبه التي صدرت منفصلة.
وتتميز أعمال ابن تيمية بالوضوح وكثرة ذكر القرآن وآثار النبي وآثار الصحابة. كما أن فيها استطرادا واسعا حين يتكلم في العقائد والفقه، فتراه يعرج في قضية عقدية على حديث يستطرد في شرحه والتعليق عليه، ليخرج منه إلى مسألة أصولية، ثم يعود أدراجه إلى القضية موضوع البحث.
ومن الكتب الأخرى التي كتبها ابن تيمية:
- الاستقامة.
- اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم.
- بيان تلبيس الجهمية.
- الصفدية.
- منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية.
- النبوات.
اقرأ أيضاً: السلطان محمد الفاتح.. فتح القسطنطينية وحكم 30 عاماً وتوُفي عن 48 سنة