العالم

تسريبات: حكومة إسر!ئيل صدّقت على خطة لاحتـ .ـلال غزة بالكامل

في خطوة وُصفت بأنها “الأجرأ” منذ سنوات، كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم الاثنين، عن مصادقة الحكومة الإسرائيلية على خطة عسكرية تهدف إلى احتلال قطاع غزة بالكامل. هذه التسريبات، التي جاءت عبر القناة الـ12 الإسرائيلية، سرعان ما أشعلت موجة من الترقب والقلق، ليس فقط داخل الأراضي الفلسطينية، بل على مستوى الإقليم والعالم بأسره.

التقارير المتواترة تشير إلى أن القرار لم يكن مفاجئًا للدوائر العسكرية، لكنه يعكس تحولًا نوعيًا في الاستراتيجية الإسرائيلية بعد أشهر من القتال المتواصل، والذي خلّف وراءه دمارًا هائلًا في القطاع المحاصر منذ أكثر من 17 عامًا.

التوقيت ليس عشوائيًا

مصادقة الحكومة جاءت متزامنة مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، في مؤشر واضح على نوايا تصعيدية واسعة النطاق. هذا التزامن يثير التساؤلات حول ما إذا كانت إسرائيل تسعى إلى إنهاء ما تبقى من مقاومة في القطاع، أم أنها تمهد الطريق لتغيير جذري في قواعد الاشتباك والمشهد السياسي في غزة.

مصادر عسكرية نقلت عنها وكالة رويترز تحدثت عن نوايا لـ”توسيع العملية العسكرية” إلى درجة قد تصل إلى “السيطرة الكاملة على القطاع”، وهو أمر يحمل دلالات سياسية وأمنية عميقة.

الخطة: “الاحتلال من أجل البقاء”

وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، لم يُخفِ توجه الحكومة الحالي، بل قالها بصراحة غير معهودة: “سنحتل غزة للبقاء فيها. لا مزيد من الدخول والخروج. إنها حرب من أجل النصر”. تصريحات سموتريتش جاءت في وقت تستعد فيه القوات الإسرائيلية لما يبدو أنه اجتياح بري موسع، تُحدد نتائجه على الأرض خريطة المستقبل في الجنوب الفلسطيني.

وأضاف الوزير الإسرائيلي، أن إجلاء سكان شمال غزة إلى الجنوب سيتم تحت ما أسماها “مناطق مساعدات إنسانية آمنة”، بإشراف وتأمين من الجيش الإسرائيلي، في رؤية تثير انتقادات حقوقية حادة، نظرًا لما تحمله من دلالات التهجير القسري وتغيير ديموغرافي محتمل.

أبعاد القرار: عسكرية أم سياسية؟

لكن ليس الجميع في إسرائيل متفقًا مع هذا النهج. النائب يائير غولان، زعيم حزب الديمقراطيين، وصف القرار بأنه ليس مدفوعًا بالضرورات الأمنية، بل “محاولة لإنقاذ نتنياهو وحكومته من الانهيار”. وأضاف: “الجيش وُجد لحماية مواطني إسرائيل، لا لخدمة الأجندات السياسية الضيقة”.

غولان لم يكن الوحيد. فعدة شخصيات في المعارضة الإسرائيلية عبّرت عن قلقها من أن تؤدي هذه الخطوة إلى مزيد من العزلة الدولية لإسرائيل، في وقت تتصاعد فيه الأصوات العالمية المطالبة بوقف العمليات العسكرية، واستئناف إدخال المساعدات الإنسانية.

الواقع على الأرض: دمار ومعاناة متواصلة

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل حربًا مدمرة على غزة، خلفت حتى الآن أكثر من 52 ألف شهيد، معظمهم من النساء والأطفال، وفق بيانات صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية. كما سُجّل سقوط عشرات الآلاف من الجرحى، وسط انهيار كامل للبنية التحتية، وتدمير ممنهج للمستشفيات، والمدارس، والمنازل، وحتى مراكز توزيع الغذاء.

وقد شهدت الأسابيع الأخيرة شحًا حادًا في المواد الأساسية، بعد أن منعت إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية منذ مارس/آذار الماضي، رغم الضغوط الدولية المتزايدة. وتقول منظمات إغاثة دولية إن القطاع يواجه كارثة إنسانية كبرى، تهدد حياة مئات الآلاف، لا سيما الأطفال والمصابين.

احتلال غزة: ما الذي يعنيه فعليًا؟

الحديث عن “احتلال كامل” لا يُعد مجرد عملية عسكرية، بل هو مشروع طويل الأمد، يُعيدنا إلى ما قبل عام 2005، حين انسحبت إسرائيل من القطاع بعد سنوات من السيطرة المباشرة. العودة إلى هذا السيناريو تعني تحمل تل أبيب مسؤولية إدارة قطاع مكتظ بأكثر من 2.2 مليون إنسان، وسط مقاومة شرسة وظروف معيشية مأساوية.

كما يُعيد الاحتلال إلى الواجهة أسئلة كبرى:

  • من سيُدير القطاع؟

  • كيف سيتم التعامل مع البنية السكانية؟

  • هل تسعى إسرائيل لتفكيك كلي للمنظمات الفلسطينية؟

  • وهل هذا القرار قابل للتنفيذ دون انفجار أوسع في المنطقة؟

الضغوط الدولية… بلا فاعلية

في الوقت الذي تتسرب فيه الخطط العسكرية، يستمر الصمت الدولي الرسمي، باستثناء دعوات خجولة من أطراف أوروبية ومن الأمم المتحدة بضرورة “ضبط النفس” و”توفير ممرات آمنة للمساعدات”.

الولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لإسرائيل، اكتفت بتكرار مواقفها التقليدية حول “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، بينما تتجنب التعليق المباشر على نوايا الاحتلال الكامل، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول موقف واشنطن في المرحلة القادمة.

بين التسريبات والحقيقة: ماذا بعد؟

رغم أن الخطط التي سُرّبت لم تُعلن رسميًا، إلا أن التطورات على الأرض توحي بأن التنفيذ بدأ بالفعل. العمليات البرية، التي استؤنفت في مارس، تُشير إلى أن الجيش الإسرائيلي بات يسيطر على قرابة ثلث مساحة غزة، خصوصًا في شمال القطاع، وهو ما يمهد الطريق أمام المرحلة التالية من التوغل.

لكن يبقى سؤال جوهري: هل ستقبل المقاومة الفلسطينية بهذا الواقع؟ وهل سيكون الشعب الفلسطيني، الذي صمد طيلة شهور تحت النار والحصار، مستعدًا للتسليم بهذا المصير؟

التاريخ يُعيد نفسه… لكن بشكلٍ أكثر قسوة

احتلال غزة، إن تمّ، لن يكون مجرد تطور عسكري. بل هو صفحة جديدة تُفتح في تاريخ النكبات، الممتد من نكبة 1948 إلى نكسة 1967، إلى الحصار الطويل، وصولًا إلى اللحظة التي يُراد فيها للغزيّ أن يعيش بلا وطن، بلا بيت، بلا هوية.

لكن، إن علمتنا غزة شيئًا، فهو أن “الرماد لا يُطفئ الجمر، بل يُخفيه مؤقتًا”.

ففي كل مرة تُدمَّر فيها غزة، تنهض من جديد، بجراحها، بترابها، بأطفالها الذين يصنعون الحياة من تحت الأنقاض. من قال إن العتمة تدوم؟ ومن قال إن الجغرافيا تحدد مصير الشعوب؟ أحيانًا، يُولد النور من قلب الركام.

عبرة للتاريخ…

سيُكتب في كتب التاريخ أن قرارات الحرب لا تصنع الأمن، وأن احتلال الأرض لا يعني امتلاكها، وأن الشعوب، مهما انهارت، تملك في أعماقها قدرة عجيبة على الوقوف.
وستبقى غزة، رغم الألم، علامة على أن الكرامة لا تُقاس بمساحة الأرض، بل بقدر الصمود عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات