تاريخ وثقافة

من قتل فاضل البراك؟ القصة الكاملة لأحد أهم رجال صدام حسين

من قتل فاضل البراك؟ القصة الكاملة لأحد أهم رجال صدام حسين … منذ تولي حزب البعث السلطة في العراق عام 1968، شهدت البلاد تحولات أمنية وسياسية كبيرة، كان أبرزها تركيز السلطة في أيدي عدد محدود من الشخصيات التي حازت على ثقة القيادة. أحد هؤلاء كان فاضل البراك، الذي لعب دورًا بارزًا في مؤسسات الأمن والاستخبارات، حتى انتهى به المطاف بالإعدام في ظروف غامضة.

رغم أن حياته كانت مليئة بالإنجازات الأمنية، إلا أن نهايته كانت مأساوية، إذ اتُهم بالخيانة وتمت تصفيته. في هذا المقال، نلقي الضوء على نشأته، مسيرته، وأسباب سقوطه، في محاولة لفهم ملابسات مقتله التي لا تزال مثار جدل حتى اليوم.

النشأة والبداية السياسية

وُلد فاضل البراك عام 1942 في تكريت، وهي المدينة التي خرج منها العديد من الشخصيات البارزة في نظام حزب البعث، وعلى رأسهم صدام حسين. كانت طفولته عادية، لكنه أبدى اهتمامًا بالشأن السياسي منذ صغره، متأثرًا بالتيارات القومية التي كانت تجتاح المنطقة آنذاك.

عند بلوغه سن الشباب، التحق بحزب البعث عام 1958، وهو العام الذي شهد سقوط النظام الملكي في العراق. كان انتماؤه للحزب نقطة تحول في حياته، حيث بدأ في الصعود داخل الأوساط السياسية والأمنية بسرعة كبيرة.

التعليم والمسيرة العسكرية

رغم انشغاله بالنشاط الحزبي، لم يهمل فاضل البراك دراسته، حيث التحق بالكلية العسكرية عام 1962، ليصبح أحد الضباط الذين لعبوا دورًا مهمًا في صفوف حزب البعث داخل الجيش. خلال دراسته، برز كشخصية قيادية، مما جعله محط أنظار القيادات الحزبية التي كانت تعمل على إعداد كوادر عسكرية موالية لها.

لكن بعد انقلاب عبد السلام عارف عام 1963، تعرض العديد من الضباط البعثيين للإبعاد، وكان فاضل البراك من بينهم. رغم ذلك، لم يتخلَّ عن طموحاته، حيث عاد إلى الساحة السياسية والعسكرية مجددًا عندما بدأت تحضيرات حزب البعث للانقلاب على نظام عبد الرحمن عارف عام 1968.

دوره في انقلاب 1968

لعب فاضل البراك دورًا رئيسيًا في نجاح انقلاب 17 يوليو/تموز 1968، حيث شارك في العمليات الأمنية التي سبقت استيلاء حزب البعث على السلطة. بعد نجاح الانقلاب، أصبح من المقربين لصدام حسين، الذي كان حينها نائبًا للرئيس أحمد حسن البكر.

تم تعيينه مسؤولًا عن أمن القصر الجمهوري، وهو منصب حساس يعكس الثقة التي وضعتها فيه القيادة البعثية. في هذه المرحلة، بدأ في صعود سلم المناصب الأمنية بسرعة، حيث ساهم في كشف وإحباط محاولات انقلابية ضد النظام.

كشف المؤامرات والانقلابات

خلال السنوات الأولى لحكم البعث، شهد العراق عدة محاولات انقلابية، بعضها كان مدعومًا من الخارج، وأخرى قادها ضباط داخل الجيش. كان فاضل البراك في قلب هذه الأحداث، حيث نجح في كشف محاولة انقلابية عام 1969 بقيادة داود عبد السلام الدركزلي، وهو ما عزز مكانته في أجهزة الأمن.

في عام 1970، كشف محاولة انقلابية جديدة بقيادة العقيد عبد الغني الراوي، حيث تمكن من اختراق المجموعة الانقلابية وإفشال مخططها. بعد هذه النجاحات، قررت القيادة البعثية مكافأته بإرساله في مهمة استخباراتية إلى الاتحاد السوفيتي.

المهمة في موسكو

في السبعينيات، كانت العلاقة بين العراق والاتحاد السوفيتي وثيقة، حيث اعتمد النظام البعثي على الدعم السوفيتي في العديد من المجالات، خاصة الأمنية والعسكرية. أُرسل فاضل البراك إلى موسكو كمعاون للملحق العسكري ومسؤول عن تنظيمات حزب البعث في أوروبا الشرقية.

خلال هذه الفترة، لعب دورًا أساسيًا في مراقبة أنشطة الحزب الشيوعي العراقي، كما عمل على تجنيد عملاء لصالح المخابرات العراقية. إضافةً إلى ذلك، استغل وجوده في الاتحاد السوفيتي للحصول على شهادة الدكتوراه من معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية.

توليه قيادة الأمن العام

عند عودته إلى العراق عام 1976، تم تعيين فاضل البراك مديرًا للأمن العام، حيث بدأ في تنفيذ تغييرات واسعة داخل الجهاز الأمني. ركّز على تعزيز الرقابة الأمنية، ومكافحة التجسس، وإحباط محاولات الاختراق من قبل القوى المعادية للنظام.

مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، تصاعدت التهديدات الأمنية، وكان لجهاز الأمن العام دور رئيسي في مواجهة الجواسيس والعملاء الذين حاولوا نقل معلومات إلى إيران.

وفقًا لمذكرات اللواء وفيق السامرائي، فإن فاضل البراك أشرف على اعتقال عدد من الضباط العراقيين المتورطين في التجسس لصالح إيران، ما زاد من نفوذه داخل الدولة.

قيادة جهاز المخابرات

في عام 1983، أقال صدام حسين شقيقه غير الشقيق برزان التكريتي من رئاسة جهاز المخابرات، وعيّن فاضل البراك خلفًا له. خلال فترة قيادته، أحدث تحولًا جذريًا في آلية عمل الجهاز، حيث اعتمد أسلوبًا أكثر احترافية وتنظيمًا.

أشرف على تنفيذ عمليات استخباراتية معقدة داخل وخارج العراق، كما لعب دورًا رئيسيًا في صياغة سياسة الأمن القومي. ألف كتابًا بعنوان إستراتيجية الأمن القومي، آراء وأفكار، الذي أصبح مرجعًا في كلية الدفاع الوطني بجامعة البكر.

الخلافات مع عائلة صدام حسين

رغم نجاحه في إعادة هيكلة جهاز المخابرات، دخل فاضل البراك في صراعات مع أقوى عائلة في العراق، وهي عائلة صدام حسين. كان على خلاف مع برزان التكريتي وإخوته غير الأشقاء سبعاوي ووطبان، الذين رأوا فيه تهديدًا لنفوذهم.

بعد خمس سنوات في رئاسة المخابرات، تم نقله إلى منصب رئيس الدائرة السياسية في رئاسة الجمهورية عام 1989، وهو ما اعتُبر تهميشًا متعمدًا له.

أحداث غزو الكويت وسقوطه

مع اندلاع أزمة الكويت عام 1990، كان فاضل البراك أحد المسؤولين الذين أوصوا بالانسحاب السريع لتجنب مواجهة مع القوى الدولية. لكن القيادة السياسية لم تأخذ بتوصياته، مما جعله خارج حسابات صدام حسين.

بعد انتهاء حرب الخليج الأولى، شهد العراق سلسلة من التصفيات السياسية، وكان فاضل البراك من بين الذين تم استهدافهم.

الاتهام بالخيانة والإعدام

في عام 1991، تمت إحالته إلى التقاعد، لكنه لم يبق بعيدًا عن دائرة الخطر. بعد بضعة أشهر، تم اعتقاله بتهمة التخابر مع دول أجنبية، وتمت محاكمته في جلسات مغلقة.

تعددت الروايات حول سبب إعدامه. البعض يزعم أنه تورط في تواصل مع المخابرات الألمانية، بينما تشير روايات أخرى إلى أن التهمة كانت مجرد غطاء لتصفيته بسبب خلافاته مع عائلة صدام حسين.

في عام 1992، أُعدم فاضل البراك في ظروف غامضة، لينتهي فصل مهم من تاريخ العراق الأمني.

كان فاضل البراك شخصية محورية في تاريخ العراق الحديث، حيث ساهم في تشكيل جهاز الأمن والمخابرات خلال فترة حكم صدام حسين. لكن الصراعات الداخلية داخل النظام أدت إلى سقوطه.

لا تزال ملابسات مقتله موضع جدل، فبينما يراه البعض ضحية صراعات داخلية، يعتبره آخرون كبش فداء لصراعات السلطة. لكن المؤكد أن فاضل البراك كان واحدًا من أكثر الشخصيات نفوذًا في عراق الثمانينيات، ورحيله كان مؤشرًا على بداية انهيار منظومة الأمن التي كان جزءًا منها.

اقرأ كذلك: بعد أن وضعت صورة صدام حسين على قبعة تخرجها .. فصل طالبة عراقية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات