أصوات من غزة: أزمة الغذاء تطارد العائدين إلى شمال القطاع
العائدون إلى شمال غزة يواجهون أزمة غذائية خانقة وسط غياب المساعدات الإغاثية وانقطاع التكايا الخيرية، مما يزيد من معاناتهم في ظل انعدام مصادر الدخل وصعوبة تأمين الطعام لأسرهم
أزمة الغذاء تواجه العائدين إلى شمال غزة. طوال فترة النزوح، اعتمد النازحون الفلسطينيون من شمال قطاع غزة على المساعدات الإغاثية للبقاء على قيد الحياة. تلقوا وجبات من “التكايا” الخيرية، واستلموا طرودًا غذائية من المنظمات الإنسانية. هذا الدعم شكل مصدر أمان غذائي لهم، رغم صعوبة الأوضاع. لكن بعد عودتهم إلى مناطقهم الأصلية، اصطدموا بواقع أكثر قسوة.
لم يعد هناك “تكايا” توفر الطعام، كما توقفت المساعدات الغذائية المنتظمة. تفاقمت الأوضاع مع ندرة المواد الغذائية، ما جعل العائدين يواجهون الجوع دون أي حلول واضحة.
العودة بلا دعم ولا إغاثة
منذ 27 يناير/كانون الثاني، بدأ عشرات الآلاف من النازحين في العودة إلى مناطقهم في شمال قطاع غزة. هذه العودة جاءت بناءً على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
لكن العودة لم تكن كما توقعها النازحون. فبدلًا من أن يجدوا بيئة مجهزة لاستقبالهم، واجهوا نقصًا حادًا في الطعام والمياه والخدمات الأساسية. لم يتم إنشاء مراكز إغاثية كافية لتقديم الدعم اللازم. فالعائلات عادت إلى منازل مدمرة جزئيًا أو كليًا، دون أدنى مقومات الحياة.
شهادات من العائدين: “لا أحد يهتم بنا”
ميساء نور الدين، إحدى العائدات، وجدت نفسها بلا أي مصدر للطعام. تقول للجزيرة نت: “معاناة الأكل كبيرة، خاصة للعائدين من الجنوب. كان يجب على المسؤولين الاهتمام بنا أكثر”.
وتضيف: “حينما كنا في الجنوب، كانت هناك تكايا تقدم الطعام، وكان يتم توزيع طرود غذائية بشكل دوري. لكننا الآن لا نجد أي شيء، لا طعام ولا مياه نظيفة. نحن نعيش بلا أمل، ولا نعرف كيف سنتمكن من الاستمرار”.
مطالب بإعادة تشغيل التكايا
ميساء تطالب بإعادة تشغيل “التكايا” في شمال القطاع، لتزويد العائدين بالطعام بشكل منتظم. كما تؤكد ضرورة توزيع طرود غذائية أسبوعية للعائلات التي فقدت كل شيء. وتضيف: “قالوا لنا ارجعوا وستجدون مخيمات وطعامًا وكل شيء، لكن لم نجد شيئًا. لا أحد يهتم بنا، لا بالطعام ولا بالماء ولا بأي أمر آخر”.
الأوضاع تزداد سوءًا مع مرور الأيام
خالد بلاطة، عائد آخر إلى غزة، يشير إلى أن الطعام كان متوفرًا خلال فترة نزوحه. “عندما كنا في الجنوب، كنا نحصل على وجبات من التكايا، وطرود غذائية تحتوي على بعض الأساسيات. كان هناك اهتمام أكبر بالنازحين. لكن بعد عودتنا، لا يوجد أي شيء. نحن بحاجة إلى الطعام، إلى كوبونات غذائية، إلى مواد تنظيف، إلى أي شيء يساعدنا على العيش”.
ويضيف: “الوضع مأساوي هنا، لا أحد يوفر لنا أي شيء، الأطفال يعانون، والمرضى يزدادون ضعفًا. نريد فقط أن نعيش بكرامة، أن نجد ما يسد جوعنا”.
الفقر يمنع شراء الطعام
المشكلة لا تقتصر فقط على عدم توفر المساعدات. حتى عندما يكون الطعام متاحًا في الأسواق، فإن كثيرًا من العائدين لا يملكون المال لشرائه.
أمل أبو هربيد تواجه هذه المعضلة، حيث أصيب زوجها خلال الحرب ولم يعد قادرًا على العمل. تقول: “ربنا يعلم كيف ندبر أمورنا للحصول على الطعام. بالكاد نستطيع تأمين وجبة واحدة يوميًا. الأطفال يبكون جوعًا، لكن ماذا نفعل؟ لا نملك المال، ولا يوجد أي دعم لمساعدتنا”.
وتكمل حديثها قائلة: “الناس يعتقدون أن العودة تعني انتهاء المعاناة، لكنها في الحقيقة بداية مرحلة جديدة من البؤس. على الأقل في الجنوب كنا نجد الطعام، لكن هنا لا يوجد شيء”.
أوضاع إنسانية مأساوية في المخيمات المؤقتة
وسام كحيل، أحد العائدين، يتحدث عن الوضع المزري الذي يعيشه مع عائلته. يقول: “لما رجعنا من الجنوب، لم نجد أكلاً ولا شرابًا جيدًا ولا أي شيء. أعيل ستة أشخاص، وكلهم بحاجة إلى الطعام. الأطفال يطلبون المصروف، لكني لا أستطيع تلبية ذلك”.
وسام لم يفقد فقط الاستقرار، بل تعرض أيضًا لإصابة خلال العدوان الإسرائيلي، ما أدى إلى فقدانه عينه اليمنى وكسر في قدمه. ورغم هذه المعاناة، لم يحصل على أي مساعدة تمكنه من تلبية احتياجات أسرته.
الملاجئ غير صالحة للعيش
صباح الزهارنة عادت مع عائلتها إلى غزة، لكنها لم تجد منزلها، فلجأت إلى منتزه “إسعاد الطفولة”، حيث أقامت خيمة داخل أحد المباني المدمرة. تقول: “نحن 17 شخصًا في هذه الخيمة، ولا يوجد لدينا ما نأكله. في الجنوب، كان يتم توزيع وجبات وطرود غذائية، لكن هنا لا يوجد شيء”.
وتضيف: “لا نملك المال لشراء الطعام، ولا نعرف كيف سنواصل العيش. نحن بحاجة إلى مساعدة عاجلة، وإلا سنواجه خطر الجوع الحقيقي”.
المساعدات الدولية غائبة
رغم أن العديد من المنظمات الإغاثية عملت على توفير الطعام للنازحين في الجنوب، إلا أن هذه الجهود لم تواكب عودة النازحين إلى الشمال. التوزيع العشوائي للمساعدات، والنقص الحاد في المواد الغذائية، جعلا آلاف الأسر تواجه خطر الجوع.
يقول أحد مسؤولي الإغاثة: “الوضع في غزة كارثي. هناك حاجة ملحة لإيصال مساعدات عاجلة إلى العائدين. الناس لا يجدون الطعام، والأوضاع تتفاقم يومًا بعد يوم”.
الحاجة إلى تدخل فوري
أزمة الغذاء في شمال قطاع غزة ليست مجرد مشكلة مؤقتة، بل تتطلب تدخلًا سريعًا من الجهات المعنية. يجب العمل على:
- إعادة تشغيل التكايا التي كانت تقدم وجبات مجانية للنازحين.
- توزيع الطرود الغذائية بشكل دوري لضمان حصول العائلات على الحد الأدنى من الطعام.
- توفير الدعم المالي للأسر الأكثر احتياجًا لمساعدتهم على شراء المواد الغذائية.
- تحسين آليات توزيع المساعدات لضمان وصولها إلى جميع المحتاجين.
الجوع يهدد آلاف العائدين
العائدون إلى شمال غزة لم يجدوا ما كانوا يتوقعونه. لا منازل آمنة، ولا خدمات، ولا حتى طعام يسد رمقهم. مع غياب الدعم الإغاثي، أصبحت العائلات تكافح يوميًا للحصول على لقمة العيش.
المجتمع الدولي مطالب بالتحرك العاجل لإنقاذ هؤلاء العائدين من كارثة إنسانية. فلا يمكن ترك آلاف العائلات تواجه الجوع وحدها، في ظل استمرار الظروف القاسية وانعدام الحلول.
اقرأ كذلك :خمسة أسباب وراء ثقة ترامب بإمكانية تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن