مدونات

“نيويورك تايمز: هل أدى عام من الحرب إلى تغيير حزب الله؟”

"تحولات حزب الله في سياق الصراع مع إسرائيل: تأثير الدعم الإيراني وتغيرات ميزان القوى الإقليمي في السنوات الأخيرة"

هل غيّر عام من الحرب حزب الله؟ في ظل التحولات الكبيرة التي شهدها الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة، تبقى الحرب واحدة من أقوى العوامل التي يمكن أن تُحدث تغييرات جذرية في واقع الأطراف المتورطة. الحروب لا تقتصر على التأثير العسكري فقط، بل تمتد آثارها لتشمل التوازنات السياسية والاقتصادية، وحتى الاجتماعية. وقد تجلى ذلك بشكل واضح في الصراع الممتد بين إسرائيل وحزب الله في لبنان. ووفقًا للتقرير الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز، فإن هذا الصراع قد شهد تغييرات هائلة منذ اندلاعه في عام 2006.

عودة إلى حرب 2006: تداعيات الانتصار والصمود

يشير كولين كلارك، عضو مجموعة “سوفان غروب” للاستشارات الاستخباراتية والأمنية، إلى أن حرب عام 2006 كانت نقطة تحول في مسار حزب الله. على الرغم من أن الحرب التي استمرت أكثر من شهر كانت شاملة ودموية، إلا أن حزب الله خرج منها بشكل غير متوقع. بدلاً من أن يُنهك أو ينهار أمام القوة العسكرية الإسرائيلية، تمكن الحزب من الصمود بل وحقق نوعًا من الانتصار النفسي. تم ذلك من خلال مقاومته “لأعتى جيش في الشرق الأوسط”، بحسب تعبير كلارك، مما جعل الحزب يحظى بمزيد من الدعم المحلي والإقليمي.

يرى كلارك أن هذه التجربة كانت حاسمة في تشكيل هوية حزب الله الحالية، حيث سمحت له بالبناء على هذا النجاح العسكري والسياسي. دعم إيران المستمر لحزب الله لم يكن مجرد دعم مادي، بل شمل أيضًا التدريب والتطوير العسكري. وقد مكن هذا الدعم الحزب من التحول إلى قوة عابرة للحدود، مزودة بما يقارب 150 ألف قذيفة وصاروخ، فضلاً عن دعم سياسي قوي من خلال تمثيله في البرلمان اللبناني. هذه التطورات جعلت من حزب الله لاعبًا محوريًا في السياسة الإقليمية، حيث أصبح جزءًا أساسيًا من المعادلة السياسية في لبنان.

التطورات الأخيرة: حزب الله في صراع جديد

مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ في منتصف نوفمبر 2024، يظهر أن حزب الله يمر الآن بتحول آخر. مع استمرار الحرب المستمرة بين الحزب وإسرائيل في الأشهر الأخيرة، لا يبدو أن الوضع الحالي يشبه ما كان عليه في حرب 2006. على الرغم من أن الصراع الحالي قد شهد تبادلًا للضربات بين الطرفين، فقد تركز الصراع في الفترة الأخيرة بشكل أساسي في قطاع غزة. لكن ذلك لا يعني أن حزب الله أصبح غير مؤثر في هذه الحرب. فقد كان من الواضح أن الحملة العسكرية الإسرائيلية ضد حزب الله قد تصاعدت بشكل ملحوظ منذ بداية يوليو/تموز 2024.

تأثير التصعيد العسكري على حزب الله

ووفقًا لتحليل كلارك، فقد تراجعت قدرة حزب الله على تنفيذ عمليات عبر الحدود نتيجة للحملة العسكرية الاستخباراتية الإسرائيلية المكثفة. في الماضي، كان بإمكان حزب الله تنفيذ عمليات هجمات معقدة ضد إسرائيل من خلال عناصره المنتشرة في سوريا ولبنان. ولكن مع ارتفاع الضغط الإسرائيلي، أصبح من الصعب على الحزب الاستمرار في هذه الأنشطة بنفس الوتيرة.

ورغم هذه القيود، يرى كلارك أن حزب الله قد نجح في تعزيز موقعه داخل لبنان، وأصبح أكثر تركيزًا على تأمين نفوذه في الداخل اللبناني بدلاً من التوسع عبر الحدود. وهذا التطور مرتبط أيضًا بتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة. ففي الوقت الذي كانت فيه إيران تقدم دعمًا واسعًا لحزب الله على مدار السنوات الماضية، بدأت الأمور تتغير مع تزايد الضغوط الدولية على إيران، مما دفعها إلى إعادة ترتيب أولوياتها الإقليمية.

التحولات في ميزان الأمن الإقليمي

مع تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، يعتقد كلارك أن ميزان القوى في الشرق الأوسط قد يتغير بشكل كبير. فقد كانت إيران، على مدار العقدين الماضيين، أحد أكبر الداعمين لحزب الله. لكن مع التحولات السياسية الأخيرة في طهران، أصبح من الواضح أن إيران لم تعد القوة الإقليمية نفسها التي كانت عليها في السابق. هذا التراجع قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في توازنات الأمن الإقليمي، حيث أن حزب الله كان في الماضي جزءًا من شبكة واسعة من وكلاء إيران في المنطقة، من اليمن إلى العراق وسوريا.

ورغم هذه التغيرات في النفوذ الإيراني، يشير كلارك إلى أن حزب الله لا يزال يمثل تهديدًا استراتيجيًا لإسرائيل. ومع ذلك، فإن قدرته على تنفيذ عمليات عبر الحدود قد تضاءلت بشكل كبير، وهو ما قد يشير إلى أن إسرائيل قد تتمكن من تحقيق بعض أهدافها الأمنية على المدى القصير.

إسرائيل وحزب الله: صراع مستمر

في هذا السياق، يرى العديد من الخبراء أن إسرائيل قد نجحت في إضعاف قوتين رئيسيتين في المنطقة هما حركة حماس وحزب الله. فخلال العام الماضي، أظهرت إسرائيل قدرتها على تقويض عمليات حماس في غزة، وفي نفس الوقت تمكنت من الضغط على حزب الله من خلال ضرباته العسكرية الاستباقية. ومع ذلك، لا يمكن إغفال التهديد الذي لا يزال يشكله حزب الله على المدى الطويل، خاصة إذا كانت إيران قادرة على استعادة قوتها في المنطقة.

إيران: التحديات والتهديدات المستقبلية

رغم الضغوط المستمرة على إيران، يعتقد كلارك أن الجمهورية الإسلامية قد تظل تشكل تهديدًا كبيرًا في المستقبل. على الرغم من أن العديد من المراقبين يرون أن إيران قد ضعفت إلى حد ما، فإن البلاد لا تزال تمتلك الكثير من الأدوات التي تجعلها قادرة على التأثير في مجريات الأحداث في الشرق الأوسط. قد تواصل إيران دعم وكلائها في المنطقة، مثل جماعة الحوثيين في اليمن والفصائل الشيعية في العراق، بما يعزز نفوذها على المستوى الإقليمي.

ومن ناحية أخرى، يحذر كلارك من أن إيران “الضعيفة” قد تكون أكثر خطورة إذا شعرت بأن أمنها القومي مهدد. ويعرب الكاتب عن مخاوفه من أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي قد يسعى إلى امتلاك أسلحة نووية كوسيلة لتأمين إيران ضد التهديدات الإسرائيلية والأمريكية. هذه المسألة قد تكون أحد أكبر التحديات التي تواجه المنطقة في السنوات المقبلة، حيث أن سباقًا نوويًا في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى نتائج كارثية.

التحول في استراتيجيات إسرائيل

ورغم التحديات التي تواجهها إسرائيل في صراعها مع حزب الله، يرى كلارك أن إسرائيل قد تكون في “وضع إستراتيجي مواتٍ” ربما لم تشهده في الذاكرة الحديثة. فقد تمكنت إسرائيل من تقويض قدرة خصومها على مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية. ومع قرب بدء إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب. دونالد ترامب. يعتقد كلارك أن إسرائيل قد تستفيد من الدعم الأمريكي المستمر لمواصلة سياسة “أقصى الضغوط” على إيران. يبدو أن هذا الدعم سيظل عاملًا أساسيًا في تحديد سياسات إسرائيل في المرحلة المقبلة.

حزب الله: هوية ثابتة في لبنان

على الرغم من التغيرات الإقليمية والضغوط الدولية، يظل حزب الله جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي في لبنان. هذا التنظيم لا يُعتبر مجرد ميليشيا عسكرية. بل هو حركة سياسية واجتماعية لها جذور عميقة في المجتمع اللبناني. علاوة على ذلك، يعتبر الحزب من القوى الأساسية في لبنان. وله تأثير كبير في السياسة الداخلية.

على عكس تنظيمات مثل القاعدة و”الدولة الإسلامية”. التي كانت تعمل بشكل منفصل عن الأنظمة السياسية المحلية. فإن حزب الله يمثل عنصرًا محوريًا في النظام السياسي اللبناني. لهذا السبب. يعتقد العديد من الخبراء أنه من الصعب على إيران أن تتخلى عن دعم حزب الله تمامًا، حتى في ظل التغيرات الإقليمية. إن الحزب يمثل جزءًا مهمًا من الهوية السياسية والاجتماعية للبنان. ما يجعله أكثر تعقيدًا من مجرد تنظيم عسكري تابع لدولة أخرى.

مستقبل حزب الله: تحديات وفرص

إلى جانب هذه التحديات، يرى المراقبون أن حزب الله قد يواجه صعوبات في السنوات القادمة بسبب تراجع الدعم الإيراني. ولكن في نفس الوقت، فإن الحزب يمتلك شبكة دعم واسعة في لبنان والمنطقة، وهو ما يجعله قادرًا على الصمود في وجه هذه التحديات.

من المهم أن نتذكر أن حزب الله ليس مجرد تنظيم عسكري. بل هو حركة ذات أبعاد اجتماعية وسياسية. ولهذا فإن تغييره أو تراجعه في الساحة الإقليمية لن يكون أمرًا سهلاً. قد يكون من الممكن أن يشهد الحزب تحولًا في استراتيجياته العسكرية والسياسية. ولكنه سيظل أحد اللاعبين الأساسيين في الشرق الأوسط لسنوات عديدة قادمة.

في الختام، يتضح أن حزب الله يمر بمرحلة تحول في ظل التغيرات الإقليمية والضغوط العسكرية والسياسية. بينما نجحت إسرائيل في تقويض قدرات حزب الله في بعض المجالات. فإن الحزب لا يزال يحتفظ بقوة داخل لبنان. في الوقت ذاته. يبدو أن إيران قد تكون في مرحلة ضعف نسبي. ولكنها ستظل تشكل تهديدًا كبيرًا في المنطقة. كل هذه العوامل تجعل من الصعب التنبؤ بمستقبل حزب الله في الصراع المستمر في الشرق الأوسط. لكن المؤكد أن تحولاته ستستمر في التأثير على توازن القوى في المنطقة.

اقرأ كذلك :الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية: لماذا تعتبر أميركا هذا التحالف تهديدًا مرعبًا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

من فضلك يجب ايقاف مانع الاعلانات